معركة طوفان الأقصى المشرفة لن تعبر في محصلتها الواقعية عن حجم وشكل انتصاراتها إلا من خلال نتائجها السياسية التي ستعقب توقف نيرانها الجهادية!
إن التفاعل مع البطولات التي جسدتها سواعد المجاهدين الأبرار -ولا تزال- لا ينبغي أن يغيب أو يقلل من دور السياسيين الصادقين والمنتمين لعموم فلسطين، وليس لجغرافيا بعينها أو إلى فصيل.
إن تاريخ الجهاد الفلسطيني مليء بالمعارك والتضحيات العظيمة، وفقير بالنتائج الكريمة الموازية لحجم التضحيات ونزيف الدماء!
وإنه من اللازم لكل من يقارع السياسة في فلسطين اليوم أن يقرأ تجربة ياسر عرفات -رحمه الله- بالأمس.
لم يكن عرفات في يوم من أيامه خائنا أو عميلا، بل كان رجلا وطنيا طموحا، وقد ضحى طوال عمره حتى قتل مسموما من قبل الإسرائيليين وبموافقة الأمريكان المخادعين!
إلا أن وطنية وجهاد عرفات لم تفض إلى نتائج كريمة تضع مسار فلسطين على سكة التحرير، بل أخرجت فلسطين ومسارها وشعبها عن الصراط المستقيم حتى وصلنا اليوم بعد اتفاق أوسلو إلى أسوأ حالاتنا في تاريخ جهاد شعب فلسطين!
إن كل قتال ياسر عرفات وفدائية حركة فتح وتضحيات المقاومين في معارك فلسطين خلال عقود لم تفض إلى نصر بل انتهت بنا إلى خزي كبير!
لم يتحقق هذا الخزي نتيجة العمل الفدائي! بل هو نتاج المنهج السياسي الذي انتهى لاتفاق مع المحتل، والذي صنع وحول السلطة الفلسطينية إلى سلوك خياني، رغم وجود كثير من الشرفاء الوطنيين والإسلاميين فيها!
لم يستشر ياسر عرفات أحدا من شعبه، ولم يستشر حركة فتح التي تسير خلفه، ولم يستشر أحدا من الشخصيات العاقلة والراشدة من الفلسطينيين أو غيرهم من العرب والمسلمين على حد سواء ! لم يستشر أحدا في خطوته الضالة والمنحرفة حين عقد اتفاق أوسلو الخياني، بل اعتمد على اجتهاده الشخصي باعتباره أبو القضية الفلسطينية وأبو الجهاد والتضحية في فلسطين، وأراد أن ينقذ حركة فتح فأغرق فلسطين!!!
أقول ناصحا ومنبها لإخواني القائمين:
ليس بالضرورة أن تكون خائنا حتى تضيع القضية، كما أنه ليس بالضرورة أن ينتهي كل جهاد وعمليات بطولية إلى نتائج سياسية كريمة أو عظيمة! بل يكفي سلوكك في الافتئات على شعبك وأمتك وتجاوزك لعقول الراشدين من حولك، ليذهب بالنتائج الى هاوية سحيقة تدمر ما بنيته وتعيد خلط ما حرثته!
إن قيادات فلسطين المجاهدة اليوم على موعد قريب، ستكون فيه أمام موقف شبيه بموقف ياسر عرفات، عندما هددته أمريكا عام 1991 بشطب الاعتراف به وبمكون منظمة التحرير، وبدأت فعلا بتجهيز بديل عنه، وكان حينها سفير فلسطين في السعودية، فما كان من ياسر عرفات إلا أن هرع نحو اتفاق أوسلو، ثم ضيعنا وضيع القضية، في ظل اجتهاده الشخصي والذي بنى فيه على ضمانات أمريكية لا يقبلها مجرب!
ويشهد لعرفات أنه لم يقبل تحت الضغط الأمريكي أن يوقع على تنازل عن القدس، وحين اكتشف خديعة الأمريكان والايقاع به، بدأ بالعودة للعمل العسكري والانتفاضة ثم أرسل ضابطه الشوبكي ليجلب باخرة محملة بالصواريخ، نصفها لغزة ونصفها الآخر للضفة.. وكان اليهود له بالمرصاد فصادروا الباخرة وهدموا مقرات السلطة ثم سمموه وقتلوه.. وبقينا نحن وعموم الشعب الفلسطيني والاقصى نغوص في وحل اجتهاده المقاوم الذي دمر مسار فلسطين، وبقي هو اسمه أبوالقضية الفلسطينية!
لم أقص تلك الحكاية لمزيد من الألم والحسرة، بل لأجل العبرة، ولأن فلسطين وقياداتها الإسلاميين على موعد قريب مع الأمريكان، وفي موقف شبيه وقفه ياسر عرفات بالأمس وسيقفونه هم في الغد القريب … فهل سيرسبون في الامتحان -لاقدر الله – كما رسب فيه عرفات؟ أم سيعتبرون بتجربته ويقرأون بوعي التجربة الفلسطينية السياسية المرة؟
إن الافتئات على الشعوب جريمة موجعة، لاسيما والشعوب هي من يعيش الواقع ويتحمل النتائج .
وإن توسيع دائرة التشاور وإشراك أكبر عدد من شخصيات المكون الفلسطيني – خارج إطار الحزبية والمحاصصة الفصائلية القميئة-، كما استحضار الراشدين المخلصين في الأمة العربية والإسلامية، ليكونوا شركاء في بلورة مقاربة سياسية تعتبر قيمة التضحيات والدماء الزكية، كما تفقه الفرق بين خير الخيرين وشر الشرين المتصل بالقضية، لتصل الى ما يحقق مكاسب حقيقية في مسيرة فلسطين السياسية، ستعكس أثرها على قضية الأقصى وقضية الأسرى وقضية المستوطنات وقضية الحصار وقضية السيادة الحقيقية لتكون عملية تراكمية في مسار التحرير.
أما إن حصل خلاف ذلك، فيجب على الشعب الفلسطيني أولا وعموم شعوب الأمة المتفاعلة مع فلسطين ثانيا أن تحكم بعدم قوامتنا السياسية، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق