الأحد، 7 يناير 2024

صالح العروري شهيد ورجل صالح.. ولكن المنهج المتبع غير صالح!

 صالح العروري شهيد ورجل صالح.. 

ولكن المنهج المتبع غير صالح!


مضر أبو الهيجاء

العاروري نحسبه شهيدا ولا نزكي على الله أحدا، هو سليل المدرسة الإسلامية السنية السلفية، وتشهد عليه سيرته القرآنية فترة سجنه في سجون الصهاينة طيلة عقد ونصف.

فلماذا انتشرت المقاطع المغرضة فور استشهاده؟

إن انتشار مقاطع الفيديو التي تشير لمديح القيادات الفلسطينية لإيران يهدف لأمرين، أولهما تضييق مساحة النظر في غدر إيران وتغبيش صورة مشروعها السياسي المعادي، وثانيهما تشويه القيادات الفلسطينية وإضعاف جمهورها.

والحق الذي يجب أن يقال أن هذا الخلل القائم في الساحة الفلسطينية ليس متعلقا بأعيان الأفراد، بل هو منهج مختل عند كثير من الحركات الإسلامية والاخوانية، فقد طبع اخوان المغرب مع إسرائيل، كما دخل اخوان العراق في عملية سياسية برعاية الاحتلال الأمريكي، كما هنأ بعض اخوان اليمن -في ظل حصار غزة الجريحة- السيسي بالفوز الانتخابي، وقد سبقهم جميعا يحيى السنوار حين حرك أسطولا من السيارات حاملين صورة السيسي على الشريط مهنئين له قبل عام، كما دخلت الحركة الإسلامية الشمالية في الكنيست الإسرائيلي وأصبحت جزءا من المشهد السياسي الإسرائيلي، كما تحالف إخوان سوريا سابقا صدام البعثي العراقي، وعليه فقس مديح قيادات إخوان فلسطين للملالي وحلفهم مع إيران، وغيرها من أشكال الخلل الذي لم يتوقف عند الحركات الإسلامية الإخوانية، بل توسع كالسرطان الخبيث عند بعض الحركات السلفية، والحالة المصرية والجزيرة العربية خير شاهد ودليل، ولن أستحضر شواهد أكثر حتى لا يصاب القارئ بالغثيان !

أقول موقنا بأن إسماعيل هنية وهو يمتدح قاسم سليماني ويصفه بالشهيد فإنه يلعنه في قلبه ألف مرة، وقولي ليس كشفا للغيب وإنما حديث صريح في السر، كما أن الشيخ العاروري رحمه الله وهو يشير مادحا لملالي إيران فإنه لا يغرد خارج السرب ولا يجتهد خارج السياق العام والمتفق عليه، بل هو مقلد لمن سبقوه من الأحياء والأموات -رحمهم الله أجمعين- .

إن الإشكال الحقيقي لا يحله الشكل السطحي بالإشارة للأفراد، بل تجب المراجعة والغوص في المناهج الحركية المتبناة والمتبعة، لمعالجة العوج المنهجي بشكل عام والسياسي بشكل خاص عند الحركات الإسلامية المتقاطعة عموما في هذا الخلل، بغض النظر عن المواقف وأشكال التعبير المختلفة بحسب الواقع الجيوسياسي، والذي تشهده معظم حركاتنا العربية والإسلامية في المشرق والمغرب منذ قرن، حيث حاول بعض المفكرين كسيد قطب تصحيح وتقويم المسار، ولكن الغالبية العظمى اكتفت برصيده الفكري للقراءة والمقال ورفضته وردته في واقع الحال!

ومن صدق وأمانة القول فإنه لا يمكن إغفال خفوت وضعف دور العلماء، وتمرير بعضهم لما أسكر قليله، حتى إذا انكشف كثيره الحرام تحدثوا عنه على استحياء!

إن خفوت وضعف دور العلماء في معالجة خلل الحلف مع إيران المعادية للأمة -كما تجسد ذلك في تدمير العراق واليمن والشام-، وذلك خلال وطيلة ربع قرن من التعامل والتعاون والمواقف، لا يجبه موقف العلماء المصيب في رفض واستنكار عودة البعض إلى حضن سفاح الشام، لاسيما وقد باتت الاجتهادات السياسية التي تحمل نكهة إسلامية مائعة للدرجة التي مكنت كل حزب وحركة من صياغة ما يناسبها مرحليا وسياسيا بمعزل عن مرجعية الدين وأحكامه، وفي غياب مريع لمفهوم الأمة الواحدة، وعدم اعتبار مصالحها العامة والمفاسد الواقعة عليها بسبب تلك التحالفات والخيارات السياسية القطرية القاصرة !

ومما تجب الإشارة إليه -باعتباره عائقا أمام المعالجة- هو أن الجماعات الإسلامية الحركية العاملة صادرت دور العلماء ومنحت نفسها وصف وراثة الأنبياء، باعتبار تضحيات رجالها الحاليين والسابقين، وكلما زاد نزيف الدماء فيها، تغولت الحركات والتنظيمات على العلماء وصادرت أو منعت أو أضعفت أدوارهم، حتى باتت القواعد الخاطئة والملتبسة دينا يشاع، كقولهم لا يفتي قاعد لمجاهد ولا يفتي أهل الدثور لأهل الثغور، دون اعتبار علم ودراية وتمكن العلماء من الساحات الساخنة، ودون فهم معنى القعود!

إن أكثر ما غيب الهدى في سلوك الحركات الإسلامية حركيا وسياسيا هو منهج تكميم أفواه العلماء وإضعاف دورهم ومصادرة مواقعهم ومكانتهم، وهو منهج سلكته كثير من الحركات الحزبية التنظيمية، كما انتهجته بإفراط الأنظمة الطاغوتية على نحو عميق واسع وكبير!

إن الإشكال القائم في العلاقة والمواقف والسياسات بين شخوص وقيادات الحركات الإسلامية الدعوية والثورية وبين الأنظمة والمشاريع المعادية هو إشكال عميق وعويص لن نخرج منه دون مراجعات صادقة جادة جريئة وشجاعة، وذلك من طرف العلماء الربانيين الذين يحققون صفة وراثة النبيين، ويتنزهون عن الجبن، أو عصبية الانتماء الحركي والتنظيمي والسياسي، ويترفعون عن مصالحهم الشخصية، فمتى سيبرز دور هؤلاء المكرمين، ومتى سيأتي لفلسطين رجل من أقصا المدينة يسعى قائلا لنا يا قوم اتبعوا المرسلين؟

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 4/1/2024


صالح العاروري هو رنتيسي الضفة الغربية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق