الثلاثاء، 2 يناير 2024

بيني وبينك.. هل بَقِيَ في عُيونِنا دُموع؟!

بيني وبينك.. هل بَقِيَ في عُيونِنا دُموع؟!



هل للدّموعِ مخزونٌ يُمكن أنْ يجفّ وينفدَ بعدَ أنْ يكونَ قدِ استُنزِفَ في النّكبات والفواجع، واستُهلكَ في البُكاءِ على الرّاحلين؟! هل تنتهي هذه الدّموع الحارّة، ويُصبِح المشهدُ مألوفًا، كأنّنا نُشاهِده في فيلمٍ سينمائيّ، أو في تخييلٍ غير واقعيّ، أو في لوحةٍ مركونةٍ على جدارٍ باردٍ في متحفٍ أو معرضِ رسومات؟!
إذا تبلّد الإحساسُ جَفّ ماءُ العين، وإذا أُلِفَ المشهد نُبِذ ونُسِي، وإذا ثَخُنَ الجلد فُلّ حَدُّ الظُّبا، فهل وصلْنا بعدَ تسعين يومًا من الحربِ في غَزّة -نحنُ الشُّعوبَ- إلى هذه الحال؟! إنّها حالٌ تعيسةٌ بئيسةٌ!! 

فمن يُربّي الحقدَ من جديدٍ حتّى يعودَ الثّأرُ جَذَعًا؟! 

ومَنْ يُعيدُ إلينا صدمةَ الجرح الأوّل حتّى يعودَ الدَّمعُ سَخِينًا؟! 

لقد قال المتنبّي: إذا قلّ الصّبر قلّ الدّمع.
كنتُ قد قرأتُ قِصّة (قبو البصل) للكاتب الألمانيّ (غونتر غراس)، وهو قبوٌ مُعدٌّ لكي يكون مثالِيًّا من أجل أنْ يُنفِّسُ رُوّاده عن مشاعرهم المكبوتة، المشاعر الّتي تبلدّتْ بعدَ الحرب العالميّة الثّانية، رغمَ ما جَرَّتْه من ويلاتٍ ومصائب. لقد نفدتِ الدموع من المحاجر، ولم يكنْ هناك من فُسحةٍ لإعادة الدّمع إلى تلك العيون المُتحجّرة إلاّ أنْ يزور المنكوبون ذلك المطعم؛ مطعمٌ لا يُقدّم إلاّ كُرات البصل بألوانها المتعدّدة، لا لكي تُؤكل، وإنّما لكي تُقطّعَ فقط، تُقطّع بطريقةٍ قادرةٍ على إدرار الدّموع، وانسِكاب العَبَرات، هنا في هذا المطعم الأسطوريّ يظهر النّاس عرايا أمام حقيقتهم، عرايا أمام نفوسهم المكلومة الّتي لم تعدْ قادرةً على الإحساس بهول الفجيعة!!
ولكنْ على أيّ شيءٍ يُمكن أنْ يحصل المرتادون لهذا القبو من ميزاتٍ؟! إنّ روّاده من الطّبقات كلّها، طُلاّب الثّانويةّ، وأساتذة الجامعات، وطلاّب كلّيّة الطّبّ، وممثّلون مشهورون، ونساء أرامل، وشبابٌ يائس، وفنّانون، وآخرون… أيّ شيءٍ يُمكن أنْ يجعل هؤلاء جميعًا يحرصون على ارتياد هذا المطعم؟! إنّه التّنفيسُ عن كلّ مكبوتٍ مُتخثّر في قنوات المشاعر المَسدودة: «بَصَلةٌ تُقطّعُ إلى قِطَعٍ صغيرةٍ ثُمّ إلى أصغرَ حتّى يفعل ماءُ البصل فِعلته… ماذا يفعل؟ فِعلٌ ليسَ بمقدور هذا العالَم أنْ يفعله: كُراتٌ وينابيع من الدُّموع البشريّة… هُنا ينبُعُ نهر البُكاء… هنا مَبْكَى النّساء والرّجال. هنا يبكي النّاسُ أخيرًا بصمت. يبكون بحرقة، يبكون بلا رادعٍ. يبكون بملء الحرّيّة… هنا يتصدّع السّدّ بفَيَضَانٍ عارم. هنا حيثُ تهطلُ الأمطار وتتساقط الأنداء…»
تُرى بعدَ عشرين عامًا؛ بماذا سنُحدّث أطفالَنا نحن الّذين جَفّت دموعنا ونحنُ نشاهدُ اليوم هذه الحرب الكارثيّة على المستويات كلّها؟! بماذا سنُحدّثهم بعدَ مآسينا الّتي لا تتوقّف، ومذابحنا الّتي لا تنتهي؟! هل سنقول لهم ذاتَ يوم: لقد كُنّا محتاجين إلى قبو البصل هذا؟!

AymanOtoom@

 

otoom72_poet@yahoo.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق