الثلاثاء، 2 يناير 2024

أسئلة مشروعة

 أسئلة مشروعة

أسعد طه

(1)

ما جدوى مهاجمة الأنظمة؟

الهدف من معارضة نظامٍ ما، هو فضح انحرافه، أو خيانته، أو فساده، أو ظلمه، لعامة الناس، فإذا تحقَّق الهدف؛ وأصبح الجميع على علمٍ بحقيقة هذا النظام، وبات واضحًا، مثل الشمس في وضح النهار، فما جدوى الاستمرار في مهاجمته؟

ما الفائدة المرجوة من استنفاد الطاقات والجهود في ماكينة الإدانة على مدار الساعة؟

هل نفعل ذلك لأن ليس بأيدينا من يمكن فعله؟

هل يُشعرنا ذلك بأننا نؤدي واجبنا، فنُرضي ضمائرنا، وننصرف إلى حياتنا اليومية.

وما هو البديل؟، هل نتوقَّف؟، وماذا يمكن أن يتحقق من صمتنا إلا المزيد من انحراف هذا النظام.

السؤال الجاد هو لماذا لا نطوِّر موقفنا، لماذا توقفنا عند هذه النقطة من الهجاء، لماذا لا نفكِّر في خطوة أخرى، في شكل آخر، لماذا لا نَعْبُر هذه المرحلة إلى مرحلة ذات جدوى؟

أي فائدة مرجوة في أن تظل تخاطب المواطن البسيط وتشرح له بالأدلة أنَّ حاكمه يسرقه؟، هو بفطرته، بمعاناته اليومية يدرك ذلك، بل هو على يقين من ذلك، قد يسمعك لأنَّك تُنفِّس عن غضبه، لكن لم تُخبره ماذا عليه أن يفعل، ما هي الخطوة العملية لما بعد الإدانة؟

(2)

متى يمكن أن تتحرَّك الشعوب حركة جماعية؟

عندما يصل غضبها إلى حدٍّ لا يُحتمل.

وهل الغضب لم يصل بعدُ حدَّه الذي لا يُحتمل بعدَ غزَّة؟

لا أظن أنَّ هناك مرحلة تضامن فيها العرب -على اختلافاتهم- مع فلسطين، كما هو الحال الآن؛ الكل غاضب وحزين، ويشعر بالعجز والقهر، بينما الأنظمة لم تأخذ خطوة تضامنية واحدة، ولا حتى طرد سفراء الكيان، بل ما زالت ترسل بضاعتها إلى العدو، وأغلقت معابرها ليموت الناس في غزَّة جوعًا وعطشًا إن لم يموتوا بالقصف، بل وتمنع في أغلبها التظاهر، والناس حزينة وغاضبة إلى أقصى حد، لكنها لم تتحرَّك بعدُ، لم تنفجر.

تخيلتُ أنَّ غزَّة أقوى من صفعة بو عزيزي، وأنَّ تخاذل الأنظمة في دعمها -بل ومناصرة عدوها- سببًا كافيًا لثورة عارمة لا تُبقي ولا تذر.

لكن هذا لم يحدث، وليس لديَّ أي تفسير أو إجابة على هذا السؤال!

(3)

أريد أن أُحقِّق حُلمي لكن كلَّما هممت واجهت مشاكل فماذا أفعل؟

ذات مرَّة وصلني سؤال على هذه الشاكلة، أحيانًا لبداهة الإجابة أحتار في الرد، وهل هناك حُلم أو عمل يمكن أن يقوم به المرء في الحياة كلِّها دون أن يواجه مشاكل وعقبات؟!

وبالأساس لا يفرِّق بين الناس إلا همّهم، ذاك يتعثر في أول خطوة فيعلن فشله، وذاك يتعثر فيقف من جديد، فيتعثر مرة أخرى فيعاود النهوض، وهكذا حتى يصل.

في الحياة الدنيا ليست هناك طرق ممهَّدة.

كل الطرق غير معبَّدة، أنت السائر تعبِّدها بالخوض فيها.

كلنا نقول: نحن مع غزَّة لكن ماذا نستطيع أن نفعل؟

تخيَّل لو أن رجال المقاومة قالوا نفس الأمر، نريد تحرير غزَّة، لكن ماذا نفعل؟

ثمة مخرجٌ ما على كل واحد منا أن يجده، قد يكون مخرجًا فرديًّا أو جماعيًّا، المهم أن هناك مخرجًا، هناك وسيلة، هناك طريقة.

ليس المطلوب أن تقود طائرة حربية أو دبابة لنُصرة غزَّة، لو صدق الواحد منَّا لوجد طريقه.

عندما نجد طريقًا إلى نجدة غزَّة سنجد طريقًا لننجد أنفسنا.

(4)

هل رأيت غزَّة وهي ساجدة؟

الذي يعاني من آلام الظهر، يُدرك جيدًا معنى ألم الانحناء، فما بالك بألم السجود؟

فما بالك بألم الإصابة القاتلة في الظهر والدم ينزف وأنت وحدك وعدوك يراقبك بطائرته؟

وفي هذه اللحظة -التي يصعب وصفها- تقرر أن تحاول بكل الطرق أن تسجد؛ حتى تلقى خالقك ساجدًا!

أعدتُ المشهد مرات، كما فعل أغلبنا.

الأدهى أن رجال المقاومة ليسوا هم الذين صوروه، ولكن عدوه، ونشرها رغبة في التشفِّي، فإذا هو يمنحنا هدية غالية.

أتعرف.. هذا هو الأمل الأخير في نظري.

لن يهلكنا الله لأن بيننا مثل هؤلاء.

لكنه -عز وجل- قد يعذبنا على أيدي أعدائنا، فنحن نعلم -أو ليتنا نعلم- إنه إذا التهم الغزاة غزَّة -لا قدَّر الله- فسوف يستديرون علينا بلدًا بلدًا.

ليس هذا تحليلاً، وإنما قولهم بألسنتهم.

وأعتقد أنه لو قَدِرت عليهم غزَّة -بإذن الله- فسوف يستدير المنتصرون على الخائنين واحدًا واحدًا.

المهم.. ليس ماذا فعل هذا المجاهد في هذه اللحظة.

لكن الأهم.. ماذا فعل قبل هذه اللحظة -وعلى مدى سنوات قبلها- ليصبح هذه النسخة المذهلة؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق