الخميس، 4 يناير 2024

"طوفان الأقصى" والقلق الاستراتيجي للكيان

 

"طوفان الأقصى" والقلق الاستراتيجي للكيان


 حل الدولتين المطروح عربيًا منذ 3 عقود لم يعد مُغريًا اليوم للكيان ولا مُجديًا للطرف العربي مع استنطاق الحسابات الاستراتيجية لما بعد الطوفان

 
علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لا صوت يعلو فوق صوت طوفان الأقصى؛ فهذا الطوفان والذي أصبح اسمًا على مسمى بحق، قلب الموازين والحسابات وبدد المخططات للمنطقة وللعالم كذلك، حيث أصبح فيصلا تاريخيا شبيها بما قبل التاريخ وبعده.

لم يحقق الطوفان النصر العسكري/ الاستخباراتي الكاسح منذ ساعاته الأولى فحسب؛ بل بدَّد أحلام الكيان ورعاته والمراهنين عليه سنوات ضوئية؛ فلأول مرة تُخاض حرب ويأتي نصرها بالهدف والتداعيات معًا، قبل أن تضع أوزارها.

الحديث اليوم ليس عن ضجيج المدافع وأزيز الطائرات ولعلعة الرصاص، فهذا تغطيه وتنقله وتحلله جميع وسائل الإعلام والقنوات الرسمية والاجتماعية لحظة بلحظة إقليميًا ودوليًا؛ بل عن الضجيج الهامس والخافت بين الجُدر والأقبية بمستقبل الكيان الصهيوني بعد الطوفان؛ فمستقبل الكيان مُعلق بكيفية التوافق مع فصائل المقاومة على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ورفع الحصار عن غزة، هذه الكيفية التي سترسم ملامح المواجهات المستقبلية الحاسمة والنهائية مع كيان العدو ورعاته. لهذا يسود التلكؤ والتردد والتناقض والذي وصل إلى حد التنابز على السطح بين قيادات الكيان والراعي الأمريكي، بشأن السيناريو المناسب لنهاية الطوفان؛ بما يحمي وجود ومصالح الإمبراطورية الأمريكية، والتي أصبحت مهددة بقوة ولأول مرة بفعل الطوفان وطريقة معالجة ومواجهة كيان العدو له، تلك المعالجة التي أصبحت هروبًا إلى الأمام بعد الفشل الذريع في تحقيق أي نتائج تُذكر على الأرض.

لقد جعل الطوفان، الكيانَ الصهيوني ورعاته والمراهنين عليه في وضع حاد وخيارات مليئة بالمرارات، وقمة هذه المرارات تكمن في تقليب العدو لما كان يعتبره نصرًا وخيارًا استراتيجيًا في صراعه مع الفلسطينيين والعرب، والمتمثل في اتفاق أوسلو وحل الدولتين.

طوفان الأقصى دفع الكيان للتفكير مليًا في جدوى وخطورة اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير، فرغم ظاهر الانتصار الساحق للكيان على السُلطة الفلسطينية، إلّا أن الوسواس القهري للكيان بُعث بقوة هذه المرة بعد مؤشرات قوية بتعاطف مسلح في الضفة الغربية مع غزة، لم يخف العدو مخاوفه الكبيرة من أن تنفجر في وجهه وتكون الضفة جبهة رديفة لغزة.

كما إن حل الدولتين المطروح عربيًا منذ ثلاثة عقود، لم يعد مُغريًا اليوم للكيان، ولا مُجديًا للطرف العربي مع استنطاق الحسابات الاستراتيجية لما بعد الطوفان.

العدو يعلم ويُدرك أن فصائل المقاومة بعدما حققته في الطوفان، لن تقبل بشريك لها يشاركها النصر أو يستثمر انتصارها ويُعيد إنتاجه في بورصة السياسة بما يرفع من رصيده السياسي ويعزز من منسوب غريزته للحكم وغنائمه وبهرجته. لهذا يرى قادة الكيان الصهيوني أن حل الدولتين وفق معطيات اليوم، يُعادل الانتحار تمامًا، وكذلك الحال بالنسبة لسريان اتفاق أوسلو بينه وبين منظمة التحرير الفلسطينية.

العدو الصهيوني ورعاته في مأزق استراتيجي كبير اليوم، فهم يدركون يقينًا أن الحل لن يكون سوى مهدئ يمنح الكيان عمرًا افتراضيًا لبضع سنوات فقط، وأن الأفول قد حل، ولم يبق سوى ترقب حلول الزوال الكُلي، فقد حصحص الحق، وحل القضاء وضاق الفضاء بهم.

قبل اللقاء.. استطاعت فصائل المقاومة الانتصار على جيش العدو منذ الساعات الأولى للطوفان، وما حدث بعد ذلك مجرد تفاصيل وتداعيات لذلك الانتصار.

وبالشكر تدوم النعم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق