"نيو غزة" في صحراء سيناء: غوانتانامو إسرائيلية
أحمد عمر
يمكن أن نتذكر ذكرى لعلها تنفع المؤمنين هي؛ كيف استبشر الإعلاميون الناصريون، والمصريون عموما، عندما أعلن السيسي رفضه تهجير أهل غزة إلى سيناء من غير أن يستحلف "أبيه" نتنياهو: قل والله والله لن أهجّر أهل غزة إلى سيناء، كما استحلف أبيه أحمد، وأملوا أن يكون غضبه لأهل غزة، فغزة أرض مصرية، أو كانت أرضا مصرية، ولا يزال نصف رفح الثاني في سيناء.
وتحدث إعلاميون عرب عن الأمن القومي المصري، ثم صرح الزبد عن المحض أنها غضبة لسيناء، وهو أيضا خير، وعلت نبرة بعض القوميين المصريين والناصريين متذكرين العدو الإسرائيلي، الذي خاضوا ضده حروبا ثلاثا، بل إنَّ مظاهرة وقعت في مصر مستغلة تصريحات "أبيه" السيسي "الوطنية" الغيورة فزعة لغزة، واعتقل بعض المشاركين فيها، لكن الإعلاميين والخبراء الذين يجهرون بنشيد "أمن مصر القومي"، يبالغون، ويضللون السامعين والشاهدين، فقد فرّط الرجل في أمن مصر القومي ببيع تيران وصنافير، وأصول شركات مصر الوطنية الكبرى، ونيل مصر، وأهم من هذا وذاك وذياك: أنه وضع معدة المصري الجائع تحت مطرقة الجوع.
الرجل هو حارس الأمن القومي الإسرائيلي، وليس الأمن القومي المصري، أو هو حارس أمن النظام المصري، وقد كرر مرتين في خطاب ليكودي شهير له في الأمم المتحدة قوله: أن نحافظ على أمن المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن المواطن الإسرائيلي!
أكدت السلطات المصرية مرات عدة على لسان رئيسها ووزير خارجيتها و"ضياء رشوانها" رفضها تهجير أهل غزة "والقبول بقتلهم في غزة"، مع الاستبسال في ردم الأنفاق بين الرفحين، وقال الرئيس الذي لا يفكُّ يديه المعقودتين على بطنه: خذوهم إن شئتم إلى صحراء النقب، إلا أن تسريب خبر إنشاء مخيم للنازحين من غزة في سيناء (الذي سربه موقع مؤسسة سيناء، وقد يكون التسريب مخابراتيا، مسنودا بصور الأقمار الصناعية) يفيد أن القوم يأتمرون بأهل غزة في وضح النهار، ويهيئون معتقلا جديدا في مصر الجديدة، الخالية من شحوم الديون وكولسترول القروض، لاستقبال نحو مائة ألف من أهلها.
هذه ليست سابقة، فقد جرى إخراج منظمة التحرير بقيادة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من لبنان إلى تونس باكيا، بعد رفض فكرة استئجار جزيرة يونانية للإقامة المؤقتة، يرافقه ثلاثة من كبار القادة الفلسطينيين وأعضاء مكتبه ومكتب الإعلام الفلسطيني والحرس الخاص، على متن السفينة اليونانية التي أبحرت بحراسة وحدات بحرية أمريكية وفرنسية ويونانية، في 30 آب/ أغسطس 1982.
يقولون: إن التاريخ يكرر نفسه، لكنه في بلادنا يعلك نفسه.
ستكون فرصة كبيرة للرئيس "المكسيسي" للظهور بمظهر البطل المخلص الذي أعفى مصر من ديونها الكثيرة (من غير المتوقع أن يتحسن معاش المصري، فجوعه غاية) وأنقذ أهل غزة من الإرهابيين، وخلصهم من المجاعة، وحقق النهاية السعيدة، وأتى بمعجزة إخراج الفلسطينيين من غزة إلى مكان المساعدات، بدلا من إدخال المساعدات إليهم! وآوى النازحين المساكين، ربما يصفهم إعلامه بالأشقاء تفضلا، لقد باع قطعة أرض مصرية جرداء لإسرائيل بثمن مغر أيضا، وباع قناة السويس لصالح قناة بن غوريون بين البحرين؛ الأبيض والأحمر.
وسيُعزى إليه فضل بعث القضية الفلسطينية من الموت السريري وإقامة مونديال سياسي طويل. المخطط هو دفع مقاتلي القسام بسلاحي النار والجوع كما حدث في الباغوز السورية؛ إلى مخيم أبو سالم الذي قيل إنه بمساحة 13 كم مربع، المخيم ليس بأبهة وفخامة قصور السيسي والمدينة الإدارية، لكن أسواره عالية، وأسلاكه شائكة ويشبه السجون المفتوحة في بعض بلدان الكاريبي، سيكون بخيام مصفوفة، وبطاقات تموين، وجند وحرس، وشرائح إلكترونية، وربما عربيات خضار، سيضاف معتقل جديد إلى صروح المعتقلات التي بناها الرئيس "المكسيسي"، سيكون بمثابة غوانتانامو إسرائيلي.
لقد توعد أبو تفليقة الأمريكي بمنع حماس من النصر، لن يسمح بانتصار مجموعة من المقاتلين على عاشر أقوى جيش في العالم، وأقوى جيش في الشرق الأوسط، فمده بأسلحة أقوى جيش في العالم وخبرات مخابراته ومخابرات عدة دول أوروبية.
وقد تمّ شق طريق معبد مزفت وسط القطاع لفصل الشمال عن الجنوب، وفلحت أرض غزة بالجرافات، وجرفت قبور أهلها، بحثا عن أنفاق من جهة، وتدميرا للذكريات والمقدسات من جهة ثانية، فغزة ليست أفغانستان وليست فيتنام حتى يتركها المحتلون، وهي أهم منهما بكثير، فهي وعد ديني، ومهبط المسيح الموعود، وفيها ستجري معركة إرماجدون الحاسمة، أم المعارك المسيحية المنتظرة.
وقد صرح وزير خارجية مصر الجسيم، "أبيه" سامح، بتصريحين "جسيمين" في منتدى ميونيخ للأمن، مُظهرا مروءة متأخرة في القول الأول: ليس لدينا نية لتقديم مناطق آمنة للنازحين، لكن إذا فرض علينا الأمر الواقع سنتعامل مع الوضع وسنقدم الدعم الإنساني.
أما قوله الثاني، فذمَّ فيه حماس ردا على سؤال من الحسناء تسبي ليفني وتوددا إليها، فادعى أن حــركة حماس خارج الإجماع الفلسطيني ويجب محاسبة من عمل على تعزيز قوتها بغزة، حتى صار تصريحه (وهو يدعو الحركة كل يوم للمفاوضات في القاهرة) الأعلى في تويتر تداولا! وأغلب الظن أنه يقصد بالإجماع الفلسطيني سلطة بلدية رام الله لصاحبها أبي مازن "ليمتد".
لقد شحّ السلاح في غزة وندر الغذاء، وكان الطعام أقوى سلاح حورب به الإنسان، وإسرائيل مدعومة من أمريكا والدول العربية، وليس من أمل سوى معجزة من السماء.
سيجري العمل بالخطة الموضوعة، وهي تهجير مائة ألف، هم المقاتلون وأسرهم، بدفع أهل غزة لطرد المقاتلين إلى مستعمرة العقاب الجديدة، وهم ينتظرون نفاد ذخيرة أسلحة المقاتلين، ومؤونتهم القليلة.
المعركة طويلة، ربما تطول سنة، ستتخللها احتجاجات وتصريحات حادة لقادة دول أوربية مثل أيرلندا وبلجيكا والبرازيل، وقمم مثل قمة أفريقية، التي انتقدت إسرائيل ودعت إلى تحقيقات دولية في المجازر، يعمد بعدها إلى إنشاء مسلسل سياسي درامي طويل، هو الجزء الثاني من أوسلو لإعلان دولة فلسطينية، منزوعة الشوك بلا حسك، تؤكل نيئة عند الطلب، قد يكون رئيسها واحدا من عائلة الملوك الجدد (حفتر، حميدتي، مظلوم عبدي) لسحق أول وآخر ربيع عربي. سيصحب رئيسها حرس الشرف، وستكون إمارة إماراتية أكثر منها فلسطينية..
هذه إذا جرت الرياح بما تشتهي السفن في الرمل، ولا يعلم جنود ربك إلا هو.
twitter.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق