من الواجب الشرعي تثبيت المسلمين والمرابطين على الإقامة في فلسطين، وتحذيرهم بالهجرة منها، وأن ارتقاء عدد منهم بالشهادة في سبيل الله، فألٌ حسنٌ لاصطفاء الله لهم حيث تُرجى لهم الجنَّة.
لكنّ الترويج لبعض الأحاديث الضعيفة جداً او المنكرة الموضوعة في ذلك ليس مما يُناسب؛ ففي هذا تحديثٌ عن رسول الله بأحاديث لم تثبت، ويخشى على من رواها أن يتبوأ مقعدا من النار؛ وكثيرٌ منها قد رُويت في زمن جرت فيه فتنٌ وملاحم؛ فحُكيت هذه الأحاديث على أنّها لرسول الله ولم تكن من قوله؛ بل قد تكون من قول بعض التابعين، أو فيها مدحٌ بعض الصالحين لمن وقع شهيداً، أو أنَّها أحاديث منكرة موضوعة اخترعها بعض الرواة الوضّاعون!!
ومن ذلك بعض الأحاديث الواردة في فضل مقبرة وشهداء عسقلان، ومنها:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر أهل مقبرة يوما، قال: فصلى عليها فأكثر الصلاة عليها، قال: فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: أهل مقبرة شهداء عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها».
أخرجه أبو يعلى بسند ضعيف؛ لضعف بشير بن ميمون الخراساني، بل هو متهمٌ بالوضع، وأخرجه ابن حبان في المجروحين، وابن الجوزي في الموضوعات وقال: لا يصح، وقال ابن كثير في مسند الفاروق أنَّه حديث منكر جداً، وفي كتاب الباعث الحثيث أنَّ أحاديث شهداء عسقلان كلَّها موضوعة!!
2- عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا بين ظهراني أصحابه إذ قال: صلى الله على تلك المقبرة – ثلاث مرات – قال: فلم يدر أي مقبرة ولم يسم لهم شيئا، قال: فدخل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -قال عطاف: فحدثت أنها عائشة- فقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أهل مقبرة فصلى عليهم، ولم يخبرنا أي مقبرة هي، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فسألته عنها، فقال لها: أهل مقبرة بعسقلان».
أخرجه أبو يعلى في مسنده، والفسوي في المعرفة والتاريخ، وقال البزّار: (فيه محمد بن روين لا نعرفه يحدث بكثير)، وفي سنده كذلك علي بن عبد الله بن مالك بن بحينة وهو مجهول، ولهذا قال ابن حجر عن الحديث أنَّه باطل!!
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وفي ليلتي فلما كان بعض الليل قام فخرج إلى البقيع فأدركتني الغيرة فخرجت في أثره فقال يا عائشة أما إنه ليس بين المشرق والمغرب مقبرة أكرم على الله عز وجل من الذي رأيت إلا أن تكون مقبرة عسقلان قال قلت وما مقبرة عسقلان قال رباط المسلمين قديم يبعث الله فيها يوم القيامة سبعين ألف شهيد لكل شهيد شفاعة لأهل بيته.
أخرجه ابن حبان في المجروحين وهو حديث موضوع، وفي سنده وضّاع وهو نافع أبو هرمز الجمَّال، قال الذهبي: فيه أبو هرمز : تركوه، وكذبه ابن معين.
4- عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة فقيل له يا رسول الله أي مقبرة هذه فقال هي مقبرة بأرض العدو يقال لها عسقلان يفتحها أناس من أمتي يبعث الله منها تسعين ألف شهيد يشفع الرجل منهم في مثل ربيعة ومضر ولكل عروس وعروس الجنة عسقلان.
أخرجه ابن حبان في المجروحين وفي سنده حمزة بن أبي حمزة الجعفي، قال ابن عدي: كان يضع أي أنَّه وضاعٌ للأحاديث، وقال عنه ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالأشياء الموضوعات كأنه كان المتعمد لها لا تحل الرواية عنه، ولهذا قال ابن الجوزي عن هذا الحديث: لا يصح!
إذن؛ لا تصح رواية هذه الأحاديث لأنها منكرة موضوعة، ومن حدث بها بعد معرفة حكمها فهو أحد الكاذبين!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق