الاثنين، 19 فبراير 2024

لا تبرح مكانك!

 لا تبرح مكانك!

أدهم شرقاوي


‏تعلمنا من غزوة أُحدٍ أنَّه لن يشتركَ الجميع مباشرة في القتال، ثمّة فئة عليها أن تحميَ ظهور المقاتلين، وأنَّها إذا فرَّطتْ هذه الفئة بدورها أُوتِيَ المقاتلون من مأمنهم! لا تبرحْ مكانكَ ولو لم يبقَ على جبلِ الرُّماة غيرك! إن توقّفَ الناسُ فلا تتوقف، وإن فترَ الناسُ فلا تفتر!

‏اُكتُبْ عن غزَّة كأنَّكَ الوحيد الذي عليه أن يُوثِّقَ دماء أهلها!

‏اِبكِهمْ كأنَّكَ لو لم تبكِهمْ ما قام لهم مأتمٌ!

‏أرِ اللهَ عُذركَ فكلُّ إنسانٍ لا يبذلُ ما بوسعه فقد خذلهم!

أنتَ حين تُدافعُ عن غزَّة فأنتَ تُدافعُ عن إنسانيَّتكَ، وتُقاتلُ كي لا تُصبحَ مسخاً ليس لديه مبادئ، ولا تُحرِّكه مشاهد القتل والظلم!

وحين يعتصرُ قلبُكَ ألماً على مشاهدِ القتلِ والتَّدميرِ والنُّزوح، فأنتَ لن توقفَ شيئاً من هذه المعاناة، ولكنَّ ألمكَ هذا له ثمنُ الإيمان، والانتساب إلى هذه الأُمة، المشاعرُ في ديننا عبادة، ونحن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحّمى والسّهر! فإيّاك أن تعتاد المشهدَ ولو تكرَّرَ كلَّ يومٍ ألف مرَّةٍ فإنَّ الاعتياد جريمة!

وإنَّ الذي يُراق دمٌ وليس ماءً، وإنَّ الذي يُقطعُ أطرافٌ لا أغصان، فمن أَلِفَ المشهدَ فقد خان، ومن اعتادَ المنظرَ فقد خذلَ!

الإنسان لا يموتُ حين يموتُ فقط، ولكنَّه يموتُ أيضاً حين لا تعودُ أوجاع الآخرين تعنيه! الأموات ليسوا وحدهم الذين في القبور يا صاحبي، الكثير من الأحياء ماتوا من زمنٍ! اِبكِ شهداءهم كلَّ يومٍ، فهذا يُخبركَ أنَّكَ لم تمتْ بعد!

اُنشُرْ بطولاتِ مجاهديهم فإنها صفحاتٌ حديثة من بطولات الصَّحابة! 

ووثِّق دماء أبريائهم، الدَّمُ الذي لا يُحفظُ يذهبُ سُدى! 

اُكتُبْ عنهم، أو على الأقل لا ترقصْ على جراحهم، تربينا أنّه من العيب أن يُقام العرس إذا كان في بيت الجيران مأتم! 

هم لم يعودوا إلى حياتهم أو ما بقيَ منها، فلا تعُدْ أنتَ وتتركهم في وسط المذبحة!

لا تكُنْ شريكاً في الدّم، ولا تنهش لحمهم، قاطِعِ البضائعَ التي تدعم قاتلهم، هم بالكاد يجدون قوتهم ولم يتعبوا، فلا تتعب أنتَ بمقاطعة منتجٍ له ألف بديل! 

إنَّه من العار أن يصمدَ في وجه القذائف من يأكلُ خبزاً من علف الحيوانات، وينهزم أمام شهوة بطنه من لديه ألف صنفٍ غيره!

المالُ سلوى في الأزمات فأَغِثْهُمْ، وهكذا تبرأ إلى اللهِ من العجز والفُرجة، وكأنَّكَ به تقول لهم: إن لم أقاسمكم معاناتكم، فها أنا أُساهم في تخفيفها!

وإن كان بالإمكان دعم مقاتليهم فقد بلغتَ المجدَ، وحاربتَ وأنتَ في بيتك، هذه المقاومة يجب أن تبقى واقفة على قدميها، هذه المقاومة شرفنا وعزُّنا ما نفعُ المال إن غدا الإنسان بلا شرفٍ؟! ثمَّ ما نفعَ المالُ أهلَ الأندلس حين هُزمت جيوشهم، وما فعل أهل بغداد بالمال بعد أن غلبَ التتارُ مُقَاتِلتَهُم؟! الأموال التي لا تُنفق على الحَرب حين تستعرُ، تُصبحُ غنيمةً للأعداء بعد الهزيمة، يتحسَّرُ المرءُ عليها لأنه ما أنفقها في دُنيا ولا ادَّخرها في آخرة!

الدُّعاء ليس آخر الحلول وأضعفها، الدُّعاء أولها وأقواها، فادعُ لهم، فلربما سدَّدَ اللهُ الرميَ بدعوةٍ، وصبَّر مكلوماً بدعوةٍ، وواسى فاقداً بدعوةٍ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق