غزة ومجازر تجاوزت كل الحدود
مر أكثر من 130 يومًا على بدء هجمات الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد أهل غزة. وحتى بعد أن قضت محكمة العدل الدولية بوجود أدلة كافية على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، ما زالت قوات الاحتلال تواصل عدوانها دون توقف.
وقد تجاوز عدد القتلى في الهجمات الإسرائيلية 28 ألفا حتى ساعة كتابة هذا المقال، من بينهم أكثر من 12000 طفل و8300 امرأة، ولا تزال جثث 7 آلاف شخص تحت الأنقاض، كما تجاوز عدد المصابين 67600. كل ذلك ناتج عن قصف المنازل أثناء وجود العائلات الفلسطينية وأطفالها داخلها.
ولو عدنا إلى الأسبوع الأول للقصف، لوجدنا أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة القصف الذي تعرض له المستشفى الأهلي وحده يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول قد بلغ 471 شخصًا، إلى جانب 46 شخصًا من فريق الإنقاذ بالدفاع المدني الذين لقوا مصرعهم أثناء قيامهم بواجباتهم.
علاوة على ما خلَّفته العمليات البرية في غزة من اختطاف 2500 فلسطيني، ثم اقتيادهم إلى أماكن مجهولة، وذبح بعضهم بعد اختطافهم.
حتى الطواقم الطبية
ولم ينج أفراد الطواقم الطبية، حيث قُتل 340 فردًا من بينهم أطباء وممرضون وعاملون في الإسعافات الأولية، وأصيب 356 آخرون على أيدي جنود الجيش الإسرائيلي. وتم نقل أكثر من 100 فرد من المستشفيات أثناء تقديم خدمات الرعاية الصحية إلى أماكن مجهولة.
ونتج عن قصف المستشفيات أن خرجت 30 مستشفى من الخدمة بشكل كامل نتيجة للهجمات الإسرائيلية، منها مستشفى الشفاء والمستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة، مما جعل من المستحيل على المصابين الحصول على الرعاية الصحية الأساسية. وتم استهداف كافة المراكز الصحية وشلّ الخدمة الصحية، كما تم استهداف وتدمير 122 سيارة إسعاف مع المرضى الموجودين فيها. وعلى الرغم من أن أكثر من 11 ألف جريح ما زالوا في حالة خطيرة وينتظرون العلاج، فإنه لا يمكن إيصال المساعدات الأساسية إليهم.
وفي الوقت نفسه، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 170 مكتبًا إعلاميًّا وصحفيًّا في غزة، وقد أدى ذلك إلى قتل 124 صحفيًّا، وإصابة 80 آخرين بجروح خطيرة، إضافة إلى اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي عددا من الإعلاميين.
وأصيبت 395 مدرسة وجامعة بتدمير كامل أو بأضرار جسيمة نتيجة للهجمات الإسرائيلية التي استهدفتها. كما تم تدمير 183 مسجدًا بشكل كامل، وإصابة حوالي 447 مسجدًا بأضرار جسيمة، إلى جانب تدمير 3 كنائس بسبب القصف الإسرائيلي المباشر. وكذلك استهدفت الغارات الجوية 85 منشأة تابعة للأونروا التابعة للأمم المتحدة التي تقدم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، علاوة على استهداف 1720 منشأة صناعية وتدميرها كليًّا. وقد وصل القصف إلى الأراضي الزراعية، وتم تدمير أكثر من 10 آلاف فدان من الراضي الصالحة للزراعة.
هذا وقد بلغ وزن القنابل المستخدمة في الغارات الجوية الإسرائيلية فيما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و15 يناير/كانون الثاني 75 ألف طن، وهي كمية تساوي ضِعف حجم القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية.
ولا يزال حوالي 500 ألف فلسطيني يعيشون في مدينة غزة ومدن الشمال، في حين تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي دفع الناس من الشمال إلى الجنوب؛ حيث يعتقدون أنهم سيتمكنون من تحقيق هدفهم وتدمير حماس بسهولة أكبر بعد إخلاء الشمال كليًّا من السكان. والحقيقة أن الذين يذهبون إلى الجنوب ليسوا بأي حال من الأحوال في مأمن من الهجمات الإسرائيلية.
قتل الأطفال
ومن المؤسف أن قوات الاحتلال لا تتورع عن قتل الأطفال؛ خشية أن يصير هؤلاء الأطفال أعداء لها عندما يكبرون.
وتبدو فكرة قتلهم قبل أن يكبروا والتخلص منهم في بداية حياتهم أكثر جاذبية وأسهل بالنسبة لدولة الاحتلال.
وبالطبع فإن هذا العدوان تطارده فكرة أن كتائب القسام التي تزعجه اليوم كثيرًا، هم أبناء جيل قُتل آباؤه وأمهاته من قبل، ولذلك أصبح من المغري جدًّا الآن أن يقتلوا الأجيال في المهد، قبل أن تكبر ويصبح كل واحد منهم جنديًّا من جنود القسام.
وعبثًا تتصور إسرائيل أن الأحداث التي لها نفس المقدمات ستكون نهاياتها مختلفة، فلن يكون حالها أفضل من فرعون الذي توحَّش في قتل الأطفال خوفًا من أن يخرج من يقضي على ملكه.
ولن تكون النهاية مختلفة؛ فكل طفل رأى غيره من الأطفال والكبار يقتلون سوف يصبح أكثر حدة ويتحول إلى طاقة انتقامية أكبر بكثير. هذا إذا بقيت إسرائيل حتى ترى ذلك. فربما هذه المرة قبل أن يكبر الأطفال للانتقام لمقتل آبائهم، سيستيقظ الضمير العالمي لمواجهة مذبحة الأطفال، وسيقوم بدوره للقضاء على إسرائيل وكل القوى التي تدعمها.
ومؤخرًا أعلنت إسرائيل توسيع الهجوم البري إلى مدينة رفح التي تؤوي قرابة مليون ونصف من السكان الذين دفعهم الاحتلال نحو الجنوب. في خطوة يسعى من خلالها الاحتلال إلى أن يجعل الناس يشعرون بأنه لا يوجد ركن أو مكان آمن للفلسطينيين في قطاع غزة بأكمله. وهكذا تتجاوز إسرائيل كل الخطوط الحمراء في الحرب لتقوم بجرائم حرب وإبادة جماعية غير مسبوقة. فإلى أي مستوى يمكن أن تصل؟ وإلى أي مدى يمكن أن تذهب بعيدًا عن الإنسانية؟!
وفي الوضع الراهن على القوى التي تدعم الاحتلال أن تقول له: “توقَّف ليس هناك مدى أبعد من ذلك”، ولكن رغم أن هذه القوى وعلى رأسها أمريكا ترفض إطلاق النار على رفح التي تؤوي كثيرا من المدنيين، فإن هذه المعارضة لا تحمل أي معنى أو قيمة الآن.
وقد صرح الناطق باسم حماس بأن أمريكا لا يمكن إعفاؤها من جرائم الإبادة الجماعية بما تبديه في هذه المرحلة من دموع التماسيح قائلًا: “إن موقف الإدارة الأميركية بعدم دعمها للهجوم على رفح لا يعفيها من المسؤولية الكاملة عن تبعات هذا الهجوم وما سيترتب عليه من مجازر في حق المدنيين العزل، وهي توفر للاحتلال دعمًا مفتوحًا بالسلاح لقتل الشعب الفلسطيني”.
وحتى الآن لا يزال أهل غزة يموتون هناك، مع استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المجازر.
أين نحن من كل ذلك؟ وفيم نحن مشغولون؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق