مصطلح الإسلام السياسي: الحقيقة والتلبيس وتأسيس برنارد لويس (2) السياسي
- الدين بين الانشطارية في المسيحية والواحدية في الإسلام:
سبقت الإشارة في الجزء الأول من هذه التناولة إلى أن أول من صك مصطلح "الإسلام السياسي" هو المستشرق البريطاني الشهير برنارد لويس. وفي هذا الجزء سنستعرض جانبا من نصوصه بهذا الشأن.
يقر برنارد لويس ابتداء: بأن الإسلام ارتبط "في عقول المسلمين وذاكرتهم، منذ حياة مؤسسه، وفي الكتب المقدّسة -بعدئذ- بممارسة السلطة السياسية والعسكرية. عرف الإسلام القديم فصلا ما بين أمور الدنيا وأمور الآخرة، بين التدين والاعتبارات الدنيوية، ولم يميز مؤسسات مستقلة ذات هرمية، وقوانين خاصة بها لتنظيم المسائل الدينية" (برنارد لويس، أزمة الإسلام- الحرب الأقدس والإرهاب المدنّس، ص 54)، وبذلك فقد " أصبح المسلمون في حياة محمد (ص) مجتمعا سياسيا ودينيا معا، والنبي رئيس الدولة، بصفته هذه حكم أرضا وشعبا، أمام العدالة، وجمع النصوص، وقاد الجيوش وشن الحروب، وأرسى الإسلام"( لويس، أزمة الإسلام، ص 45، وانظر هذا المعنى في :برنارد لويس، لغة الإسلام السياسي، ص 13، ولويس، أين الخطأ؟ التأثير الغربي واستجابة المسلمين، ص 144)، أما تعاليم المسيحية فقد كانت وحدها هي من تفصل الدين عن السياسة، فتدعو إلى " تسليم ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" وفق ما ورد في إنجيل متّى، الإصحاح 22الآية 2، مؤكّداً أن " ليس في السياسة الإسلامية الشاملة – كما فهمها المسلمون- قيصر، وإنما الله فحسب، هو الملك المطلق، ومصدر الشريعة" (لويس، أزمة الإسلام، ص 46).
ينفي لويس عن الإسلام الثيوقراطية قائلا: من الواضح أن الإسلام ليس ثيوقراطيا، وما كان بوسعه أن يكون إلا منذ عهد قريب، فالإسلام يخلو من الكنيسة ومن طبقة الكهنوت، من زاوية اللاهوت، وذلك لانعدام وجود إدارة كهنوتية أو أية وساطة بين الله والفرد المؤمن
ويمضي لويس في هذا قائلا: " قدم الإسلام -على ما يربو على الألف سنة- المنظومة الشاملة المقبولة الوحيدة، من القواعد والمبادئ التي تنظم الحياة العامة والاجتماعية، حتى في عهود ذروة النفوذ الأوروبي في البلدان، التي حكمت فيها القوة الإمبريالية الأوروبية، أو فرضت إيمانها عليها، وفي عهود استقلال تلك البلدان، ظلت الأفكار والمواقف الإسلامية عميقة، واسعته. ثمة علامات عدة اليوم على أن تلك الأفكار والمواقف -ربما- كانت في طريقها إلى العودة مجددا، ولو بصيغ معدلة، لاستعادة سابق هيمنتها"(لويس، أزمة الإسلام، ص 49).
وينفي عن الإسلام الثيوقراطية قائلا: "من الواضح أن الإسلام ليس ثيوقراطيا، وما كان بوسعه أن يكون إلا منذ عهد قريب، فالإسلام يخلو من الكنيسة ومن طبقة الكهنوت، من زاوية اللاهوت، وذلك لانعدام وجود إدارة كهنوتية أو أية وساطة بين الله والفرد المؤمن، كما يخلو منهما من زاوية المؤسسة، لانعدام وجود المطارنة، وغياب أية هيئة كهنوتية هرمية البنية" ( لويس، لغة الإسلام السياسي، ص54)، " ففي الإسلام التقليدي ليس هناك أي فصل بين الكنيسة والدولة، في حين أن الفصل بين هاتين السلطتين في المسيحية يعود إلى تعاليم مؤسسها الذي أمر أتباعه ان يعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فخلال تاريخ المسيحية، كان هناك سلطتان تتجسدان في هذه الحياة الدنيا بمصطلحي وsacerdotium و regnum، ألا وهما الكنيسة والدولة، كما نقول في المصطلحات الحديثة. إن هاتين السلطتين قد تكونان مقرونتين بعضهما ببعض، وقد تكونان مفصولتين، قد تكونان على توافق، وقد تكونان على تنافر، فهذه السلطة قد تحكم، وتلك قد تحكم أيضا، والأخرى قد تحتج أيضا، كما يعلموننا من جديد في هذه الأيام، ولكن كان هناك على الدوام سلطتان: سلطة روحية وسلطة زمنية، ولكل منهما قوانينها وتشريعاتها الخاصة بها، كما أن لكل منهما بنيتها وتسلسلها الهرمي. وأما في الإسلام التقليدي، أي في الإسلام الذي لم يتمظهر بالمظهر الغربي، فلم تكن هناك سلطتان، بل سلطة واحدة، ولذلك فإن مسألة العزل لم تكن مطروحة بتاتا" (لويس، لغة الإسلام السياسي، ص13).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق