الأربعاء، 28 فبراير 2024

حقيقة مكلفة!


حقيقة مكلفة!
م.محمدألهامي




لم يزل المسؤولون -السابقون والقائمون- والصحافيون الغربيون يجوسون خلال ديارنا العربية، يلتقون "أصدقاءهم" من الحكام والمسؤولين العرب. ثم يرجعون إلى بلادهم فيكتبون لشعوبهم "بعض" ما وجدوه في قصور الحكم في بلادنا.


ومما تكرر قوله في مقالات عدة، ليس أولها مقال دينيس روس (بتاريخ 27 أكتوبر 2023)، ولا آخرها مقال روبرت ساتلوف (بتاريخ 23 فبراير 2024).. أن الأنظمة العربية تؤيد وتدعم إسرائيل في حربها على غزة، وأنها تتمنى -مثلها مثل إسرائيل- إبادة حماس!


إذن، وخلال خمسة أشهر من إعصار الدم المنهمر في غزة، لم يتغير موقف الأنظمة العربية!


هل هذا خبر جديد؟!


بالتأكيد: لا.. كل مهتم بملف القضية يعرفون أنها أنظمة خائنة وعميلة.. بالمعنى الحرفي الحقيقي الذي يخلو تماما من أي مبالغات أو مجازات أو بلاغيات الكُتّاب وأصحاب الأقلام.


وإذن: فلماذا تكرر على مسامعنا ما صار معروفا؟


الجواب: لأن كثيرا من الناس ما زالوا غير مصدقين ولا غير متصورين أن هذه هي الحقيقة.. بعضهم لأنه قد تراكم في رأسه وقلبه ميراث طويل من التعليم الفاسد والإعلام المسموم والثقافة الزائفة.


وبعضهم لا يريد أن يصدق لأن تصديقه لهذا الأمر سيكلفه الكثير من الأمور.. وهذا أمر عسير جدا جدا، لأنه يضرب تصورات الكثير من الناس في مقتل، ويضرب معها طريقة حياتهم وتفكيرهم وخططهم، وكل شيء.


فالعالِم بالشرع سينقلب تصوره تماما، حين ينتقل التكييف الشرعي في واقعنا هذا من أننا محكومين مقهورين تحت حاكم مسلم جائر، إلى أننا محكومين بخونة عملاء يوالون الصهاينة والصليبيين ويعملون معهم بكل طاقتهم لضرب الأمة ودينها ومقدساتها.


إن هذا يغير تماما من طريقة تفكيره وفهمه للواقع وتصوره للأمور، وهو يؤثر كذلك على فتاواه وطريقته في الحياة.


ومثله في هذا قادة الحركات الإسلامية أنفسهم، والدعاة، وصولا حتى إلى مؤثري مواقع التواصل.. لأن تحليل الأمور وتفسيرها، هو ما يفرض وسائل الإصلاح والتغيير.


ويشمل هذا سائر الناس، سواء المندرجين في هيكلية هذه النظم أو غيرهم، بداية من الوزير (لو ظننا أن فيهم بعض من لا زال في نفسه خير ودين) وحتى الجندي والخفير!


إن تصور كل واحد منهم أنه جزء من نظام وطني، حتى لو كان ضعيفا ومغلوبا، يخالف تماما تصوره أنه جزء من نظام خائن جرى تشكيله وتوظيفه لخدمة الصهاينة والأمريكان، وهذا النظام يعمل بكفاءة في تحقيق هذا الهدف.


بل حتى "الذباب الإلكتروني" الذين هم أحط خلق الله نفسا وأوضعهم قدرا وأحقرهم طبعا، قد يوجد فيهم المغفل الجهول، الذي يظن أنه يؤدي خدمة وطنية، أو أنه يسترزق ليعيش.. والنفس بارعة في الحيل والمراوغة والتبرير لصاحبها.. فحتى الخائن الجاسوس الصريح يصنع لنفسه مبرراته التي تجعل خيانته عملا شريفا، أو على الأقل: عملا هو مضطر إليه.


بل خذ هذه الطرفة الذائعة الشهيرة؛ قيل لأحدهم: زوجتك تنام مع الكهربائي. فقال: لا كهربائي ولا بيفهم في الكهربا!!


ما أشبهها بالوزير المسؤول حين سُئل: أنتم تصدرون الخضروات والفواكه إلى إسرائيل. فقال: خضروات فقط!!


حيلة نفسية بارعة في الهروب من الفضيحة!!


وحقيقة، لا أدري ماذا يمكن أن تكون حجة أحدهم أمام الله، ونحن في عصرنا هذا..


إن الخيانة الآن لا تحتاج إلى تحليل ولا تفسير، فلسنا نستخلصها مما نراه.. بل يخبرنا بها أعداؤنا بأنفسهم، ليس في التسريبات، بل في المقالات المنشورة والمترجمة!!


فهؤلاء المسؤولين هم الذين يكتبون مقالاتهم، يكتبونها لشعوبهم هم، ثم هم ينشرونها، وأحيانا ينشرونها مترجمة إلى لغتنا.. إنهم مطمئنون تماما إلى أن "أصدقاءهم" المسؤولين العرب، لن يعترضوا، وحتى إذا اعترضوا.. فلا قيمة لاعتراضهم!!


فيا ويل من أقام الله عليه كل هذه الحجج.. ثم لم يزل يخدع نفسه أو يخدع الناس، يستحب العمى على الهدى، ثم يسوق رعيته الذين يستمعون إليه في غير سبيل الهدى والرشاد!!


يا ويله!!.. يا ويله!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق