التجديد الفقهي الحقيقي
محمد إلهامي
إن الذي نراه في غزة مع عجز الناس عن إيقافه أو التخفيف منه يدلنا على أننا نعاني من أمراض مستعصية متمكنة، وهذه لحظة يجب التوقف أمامها مليا وطويلا..
لقد حان الوقت واشتدت الحاجة إلى علماء ربانيين، يخرجون من جزئيات المسائل إلى كلياتها، ومن فروعها إلى أصولها، ومن تهويمات المشابهة بينها وبين ما كان في الحال القديم إلى الحقائق المخفية تحت أطنان الزيف والتزيين..
من ذلك مثلا:
- النظر إلى الدولة في صيغتها المعاصرة باعتبارها سجن يقيد الناس، ويسيطر على كل حياتهم، ويتدخل في أدق شؤونهم: زواجهم وطلاقهم وتعليمهم وثقافتهم وأموالهم وأملاكهم وحتى حركتهم في الشارع.. ويمنعهم عن أدنى انفعال فطري مع إخوانهم المذبوحين؛ فيمنعهم على النجدة والنصرة وعن التبرع والتطوع وحتى عن الكلام والملام.
- النظر إلى النقود باعتبارها صكوك استعباد وقيود لصالح الدولة ومن ورائها نظام عالمي، فإنها مجرد أوراق أصدرتها الدولة واكتنزت مقابلها الذهب والفضة، ثم لا تزال تنقص قيمة الورق حتى تنهار، ولا يستطيع الإنسان استرداد أمواله ولا الحفاظ على قيمة مجهوده.. لتذهب حقيقة الثروة إلى رجال الدولة فينفقونها على قصورهم وشهواتهم وملذاتهم، وإلى أسيادهم من طابعي ورقة الدولار ليزيدوا بها من تسلحهم وتضخم قوتهم فينعكس هذا مزيدا على سيطرتهم علينا واحتلالهم إيانا.
- النظر إلى الجيوش وأجهزة الأمن المسماة بالوطنية باعتبارها حاميات أجنبية في بلادنا: فإنها أجنبية في مناهجها وقيمها وتدريبها وتسليحها ومهماتها وحروبها، وفي طريقة تصورها وفلسفتها للعدول والصديق.. تدل على هذا حقائق واقعهم وتاريخ حروبهم وطبيعة أخلاقهم وسلوكهم تجاه العدو، وسلوكهم في المقابل تجاه الناس.
- النظر إلى أجهزة الإعلام المعاصرة لا باعتبارهم مبتدعة، بل باعتبارهم زنادقة من شر الزنادقة، ينشرون الانحلال الأخلاقي والإباحية والإلحاد والأفكار المسمومة المناقضة لأصول الدين، والطاعنة في أحكامه وفي رموزه: النبي والصحابة والتابعين وأئمة الفقه والحديث وأهل العلم والزهد والصلاح من الأولين والآخرين.
والحديث هنا عن الجمع والراية والمعسكر لا عن أفراد الناس.. حتى لا يدخل جاهل أو غافل مماحك.
هذه المعاقد الكبرى التي تسيطر على حياتنا: السياسة والقوة والمال والإعلام.. ستجلب وراءها سيولا من مسائل الأصول والفروع فيها وفي غيرها..
واستمرار الجهل والغفلة بها سيجلب لنا في كل حين أمثالا لا متناهية من غزة وأشباه غزة.. إن هذه المحارق التي نراها ولا نملك أن نتحرك إزاءها لتثبت لنا أن الجرح عميق وأن الفساد شديد وأن الداء متمكن.
ولا يتوقف الأمر هاهنا على العلماء وحدهم، وإن كانوا هم قاطرة الحركة، ولكنه يشمل كل مسلم بما يمكن أن يفعله..
وقد ينطق العالِم بالحق فيدفع ثمنه، ثم لا يجد من الإعلاميين -المسلمين!!- من يوصله وينشره، وقد لا يجد من أهل المال من يدعمه ويُثبِّته أو حتى ينفق على أهله من بعده إذا مات أو سجن لأجل كلمة الحق... إلخ!
ليس العلماء وحدهم من يُطالَبون بخرق السقوف وإلقاء أنفسهم في الحتوف، ثم يجلس الناس للفرجة عليهم.. كل إنسان يعرف -بطبيعة مكانه وقدراته وموهبته- ماذا يجب عليه أن يفعل، وأي سقوف يجب عليه أن يخرقها أو يمسها.. {وكلكم آتيه يوم القيامة فردا}.
لحظة المذابح التي نراها الآن، وهذه المشاهد التي لا نطيق رؤيتها ولا نتحمل سماعها (فكيف بمن يعانيها؟!!!!!) كافية ليشعر بالعار كل من قصَّر في مواجهة الطغاة الذين يحبسون الآن أمة مليارية عن إنقاذ إخوانهم المذبوحين أمامهم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق