هل هناك رغبة في إيقاف المذبحة حقّاً؟
وائل قنديل
سيناريو واحد لم يتغيّر على مدار خمسة أشهر من عمر العدوان على غزّة، يبدأ بتكثيف المجازر وتوسيع نطاقها، ثم إعلانٍ عن جولة مفاوضاتٍ يقودها الوسطاء، ثم تسريباتٌ بشأن صفقةٍ محتملة، قد تُسفر عن هدنةٍ مؤقتة، ثم أخيراً إعلان عن تعثّر المفاوضات وتعذّر إيقاف المذبحة.
كان أمام العالم، بقواه الكبرى ووسطائه، فرصة فرض إيقاف المقتلة استناداً إلى قرار محكمة العدل الدولية، وما اشتمل عليه من تدابير عاجلة قبل أكثر من شهر، وهي الخطوة التي اعتبرها خبراء في الأمم المتحدة حاسمة في وقف نزيف الدماء، إذ علّق بعضُهم بأن الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة يبعث أوّل مرّة الأمل في حماية مدنيي غزّة الذين يعانون من ظروف إنسانية مروعة ودمار شامل وقتل جماعي وإصابات وصدمة لا يمكن معالجتها. وتعلقت كل الأنظار بالخطوة التالية لهذا الحكم التاريخي الذي شكّل إنجازاً بارزاً في نضال الشعب الفلسطيني المستمرذ منذ عقود من أجل تحقيق العدالة.
لكن شيئًا لم يحدُث، سوى أن رعاة الإجرام الصهيوني وأصدقاءهم من الوسطاء العرب فتحوا ممرّاً آمناً لإسرائيل للافلات من الحصار القانوني الدولي، حين ذهبوا في مسار المفاوضات التي لا تؤدّي إلا إلى مزيدٍ من المفاوضات، وفي كل جولة منها يكون الصهيوني قد ابتعد أكثر عن الملاحقة القانونية، ما يجعله يتعنّت ويزيد في لاءاته واشتراطاته للتوصل إلى الهدنة.
العنوان الثابت لعملية التفاوض من أجل التفاوض هو تحرير الرهائن وعودة المخطوفين والأسرى، في مقابل إدخال أو إنزال أو إسقاط كمياتٍ من المساعدات للشعب الذي يئنّ تحت حرب التجويع التي لا تقلّ وحشيةً عن العدوان العسكري، فيما لا يُذكر موضوع وقف إطلاق النار إلا على استحياء، بوصفه استطراداً إنشائيّاً فيما يصدُر من بيانات، في وقتٍ توقّف فيه الحديث عن الإبادة الجماعية، وهو التوصيف الذي اشتمل عليه قرار محكمة لاهاي، التي وجدت أن من المعقول أن ترقى أفعال إسرائيل إلى مستوى الإبادة الجماعية، ما استدعى إصدار ستة تدابير مؤقتة، ألزمت إسرائيل باتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع أعمال الإبادة الجماعية، بما في ذلك منع التحريض على الإبادة الجماعية والمعاقبة عليه، وضمان وصول المساعدات والخدمات إلى الفلسطينيين المحاصرين في غزّة، والحفاظ على الأدلة على الجرائم المرتكبة في غزة.
كل هذه التدابير الملزمة تبخّرت، ولم يتبق سوى موضوع المساعدات التي تحوّلت إلى نوع من الاستعراضات السياسية الماجنة، يمارسها بعضهم باسم العروبة وآخرون باسم الإنسانية، من دون أن تُحدِث أثراً إيجابيّاً كبيراً على حياة الشعب المحاصر في غزّة، والذي يحصل على حصص من الموت اليومي بأكثر مما يصل إليه من شحنات المساعدات الملقاة جوّاً.
الشاهد أنه ليس ثمّة إرادة حقيقية في إيقاف الإجرام الصهيوني عند حده وردعه عن أعمال القتل والإبادة الجماعية التي لا تتوقف، بما يجعل للاستنتاجات التي تؤكد أن ثمة توافقًا بين رعاة الاحتلال ووسطائهم من أشقاء فلسطين على أن الهدف الأكبر هو إنهاء حالة المقاومة الفلسطينية، واعتبار الكفاح المسلّح من أجل تحرير الأرض شيئاً من الماضي، لا مكان له في معادلات المستقبل الشرق الأوسطي الجديد.
مؤسفٌ أن كل الجهود وأعمال الوساطة تبدأ وتنتهي من عند المساواة بين القاتل والضحية، بل، وفي أحيانٍ كثيرة، الإذعان لمنطق القاتل والتسليم به، وكأنهم جميعاً يردّدون خلف وزير الدفاع الصهيوني مقولته الأشهر "إذا لم نحقق انتصارا في حرب غزّة فلن نتمكن من العيش في الشرق الأوسط".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق