الأحد، 14 أبريل 2013

طفل من القرية

طفل من القرية 
 د‏.‏سلمان العودة
في قريتي الصغيرة كان‏(‏ أبو محمود‏)‏ المصري معلمنا في المدرسة وجارنا في المنزل ونديم أبي في سمره
 الذي يبدأ بعد غروب الشمس في الساحة الرملية بين منازل الطين وينتهي بعد صلاة العشاء, تفتقت أبجديتي علي يديه وتعلمت لثغة أحرفي الأولي منه وتلقنت الأعداد من لوح بسيط كنا نتحلق حوله باهتمام وشغف.
انتقلت إلي المدينة وكان متجر أبي في السوق التجارية محاطا بالمكتبات,كنت أتسلل إلي المكتبة الحكومية فأقرأ كتب مصطفي صادق الرافعي خاصة وحي القلم ثم أولعت بسيرته وتتبعت ما يكتب عنه وحفظت أشعاره الوطنية الذي تربي علي حب الأهل والوطن والتضحية لإعزازه..
بلادي هواها في لساني وفي دمي
يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده
ولا في حليف الحب إن لم يتيم
ولا خير فيمن إن أحب بلاده
أقام ليبكي فوق ربع مهدم
ومن يظلم الأوطان أو ينس حقها
تجئه فنون الحادثات بأعظم

الكلمات التي يجب أن يتمثلها المصريون في أزماتهم ومنعطفات حياتهم ومواطن اختلافهم
عشت أوار معركة الرافعي( تحت ظلال القرآن) وجافيت طه حسين والعقاد بسبب ذلك, ثم زرت مكتبة تجارية فرأيت عبقريات عباس العقاد تملأ الرفوف وفيها تدوين مجيد لأحداث الصدر الأول..

حبب إلي رجال ذلك العصر وحبب إلي العقاد, فاقتنيت مؤلفاته ودواوينه وعكفت عليها, وعلمت أن سيد قطب أحد مريديه في شبابه فقرأت ما خطت يمينه وأشرقت روحي مع تجلياته الإيمانية وتجددت ثقتي بالإسلام ومستقبل الإسلام وحفظت بعض عباراته الجميلة, وحين احتدمت المعركة السياسية بين الناصرية والفيصلية كان( الظلال) يتلي في الإذاعة الرسمية السعودية, وكانت كتبه توزع مجانا, وحده ديوان( الشاطئ المجهول)لم أحظ به وكأنه لم يطبع آنذاك, أما( طفل من القرية) فقد وجدته بعد عناء طويل, والتهمت حروفه, وتوقفت عند إهدائه إلي د.طه حسين وكأن الكتاب محاكاة لكتابه( الأيام)..
 إنها ياسيدي أيام كأيامك في بعضها من أيامك مشابه وسائرها عنها في اختلاف..
سيد إذن كان مريدا أيضا لطه حسين الذي لم تهدأ بعد معركة كتابه في الشعر الجاهلي وتشكيكه في قصة إبراهيم وإسماعيل ولا معركته الأخري حول( مستقبل الثقافة في مصر).
كم كان سروري كبيرا حين قرأت أن الرجل حج وهو في السادسة والستين من عمره, وزار البقاع التي كان فيها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وسجل انطباعه بأنه شعور الغريب حين يئوب بعد غيبة طويلة جدا إلي موطن عقله وقلبه وروحه..

 استعدت كل ذكرياتي القديمة ومنها ما هو من صميم التاريخ ومنها ما هو من صميم العقيدة, أخذتني الرهبة والخشوع والخشية كل مأخذ عندما كنت وحدي..
وراقني وصف أمين الخولي طوافه بخشوع ضارع واستلامه الحجر وتقبيله ببكاء ونشيج.. وحين سئل عن شعوره وقد تجرد للإحرام قال: أترك الجواب لما بين الله وبيني من حساب وإنه لعسير وأرجو أن يجعل الله من عسره يسرا!
حين تحتدم معركة مع رمز زل أو عثر يلتفت المخلصون لخطر الإساءة علي المتلقين, وحين تصبح المعركة جزءا من التاريخ يصبح النظر في تحولات البشر ومراحلهم وتراجعاتهم رصيدا للأجيال وإنصافا للرجال..

 جبلت منذ ذلك الحين علي الفرح بصوابات الناس وأوباتهم وتغليب احتمال الرجوع إلي الحق, وحساب الخلق علي خالقهم.
أجمع نقودي وأتسلل إلي مكتبة نائية عن دكاني وأبقي فيها ساعات أقلب كتبا متراكمة مرصوصة فيشدني( نجيب محفوظ) وأقتني رواياته وأقاصيصه خفية, فليس يجدر أن يري طالب في المعهد العلمي الشرعي يحمل كتابا علي غلافه صورة فتاة, وأسعد حين أجد له مجموعة قصصية عنوانها( دنيا الله) وكأني أبحث بين ثناياها عن معني إيماني يسمح لي بالتصالح مع تراثه ولا غرابة في أن أفرح بدراسة عن( الإسلامية في أدب نجيب محفوظ) نشرت في مجلة خليجية تحاول تفكيك رموز وأبطال روايات الكاتب وتضفي عليها بعدا إسلاميا, لكن كيف الخلاص من( أولاد حارتنا) التي تبدو حكاية لقصة الكون وفيها تجديف بحق الألوهية والنبوة؟.
يطرح بعضهم سؤالا: هل سيزيح سيد قطب نجيب محفوظ في مصر؟ 

والواقع أن مصر ستظل حافلة بتنوعها وسيظل فيها الإبداع الفني الذي يحترم المقدس ويقف دونه, ويتساءل آخرون عن موقف الإخوان من الأدب والفن والإبداع؟ وأعتقد أنه يجب أن يضيفوا إلي هذا سؤالا آخر عن موقف المثقفين والمبدعين من المقدسات والقيم الإيمانية التي هي جوهر في الهوية المصرية!
twitter.com/salman_alodah
facebook.com/SalmanAlodah

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق