الخميس، 11 يناير 2024

حق التضحية بالآخر:أمريكا والإبادات الجماعية


عقلية اﻹرهاب المؤسسة للموقف اﻷمريكي

حق التضحية بالآخر:أمريكا

والإبادات الجماعية



المؤلف: منير العكش . 

الناشر: دار رياض الريس ، بيروت، ط1، 2002م . 
عدد الصفحات: 200 صفحة من القطع المتوسط . 



  • التأكيد على المعنى الإسرائيلي لأمريكا وتوظيف النصوص الدينية ما هو إلا غطاء لتبرير وتمريرالقرارات والمصالح السياسية الأمريكية فى الداخل والخارج . 
  • عقدة العرقي والثقافي تتحكم بالمستعمر الإنجليزى وتدفعه إلى التضحية بالآخر ( الهندي ) وإبادته بأعتى أنواع الأسلحة الجرثومية الفتاكة . 
  • استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة هي الفكرة الأم التى تأسست عليها أمريكا ، وقامت بترجمتها إلى واقع عملي فى علاقتها بالآخر المتوحش . 
  • مارس الإنجليز أكبر حملة إبادة جماعية مقصودة فى التاريخ الإنساني لحوالى 112 مليون هندي ، بهدف تفريغ الأرض من سكانها ونهب ثرواتها. 

    حق التضحية بالآخر، وعقدة التفوق العرقي والثقافي ، وتقمص الدور الخلاصى للعالم ، ومن ثم القدرة على التوسع اللانهائي فى كل اتجاهاته ثوابت راسخة تعمل الولايات المتحدة - بخلفيتها الإسرائيلية - على ترجمتها إلى واقع عملى فى علاقتها بالآخر، معتبرة التضحية بهذا الآخر حقًا وتفويضًا اختصها به الرب ، وهذه الفكرة ( استبدال شعب بشعب ، وثقافة بثقافة ) هى الأساس الفكري لنشأة أمريكا، والتطبيق العملي للفهم الإنجليزي لفكرة إسرائيل التاريخية ، والتى حاول الاستعمار الإنجليزي لشمال أمريكا أن يجد مبرراته فى ظلها. 

    وهذه اليهودية الجديدة - بثوابتها الاستعمارية الدموية - تكشف مناخ العنف والدم الذى رافق رحلة الولايات المتحدة على مدى 400 عام من الإبادات الجماعية . 

    وهذا الكتاب يضيء للقارئ الجوانب الخفية فى التاريخ الدموي الأمريكى ، وتجربة الاستعمار الإنجليزى فى أمريكا، وإبادة ملايين الهنود الحمر، ورؤية التاريخ الحديث والسياسة الخارجية الراهنة للولايات المتحدة فى إطارها. 

    الوباء البديع : 
    وكعادتها فى المراوغة وخلط الأوراق لم تعترف الولايات المتحدة قط بعدد الهنود الذين أبيدوا فى الشمال الأمريكى منذ الغزو الأبيض الذى دشنه ( خوان يونس) و( وليون) باكتشاف فلوريدا فى عام 1513م ، كما لا تعترف كتبها المدرسية بتاريخ هذه المجاهل قبل كرستوفر كولومبس، وتعتبر أن القلة الضئيلة المشاغبة من الهنود ( مليون شخص آنذاك) هى التى حفرت قبورها بأيديها عندما عارضت الإرادة الإلهية بإرسال الإنجليز لتعمير هذه المنطقة الخربة ، بينما تشير الوثائق إلى أنهم - أى الهنود - كانوا فريسة للأوبئة والأمراض الفتاكة ( الأسلحة الجرثومية ) التى حملها الأوروبيون (الإنجليز) معهم إلى جانب حروب الإبادة الجماعية التى قضت على حوالى 112 مليون هندى ، وليس كما تزعم المصادر الإنجليزية والأمريكية أنهم لم يتجاوزوا المليون أو المليونين، ومما يحيل قصة الإبادة الجماعية للهنود إلى مسرحية هزلية تلك المبررات والادعاءات الهزلية التى ترفعها أمريكا بأن هذه الأسلحة الجرثومية والأمراض الفتاكة (الجدرى - التيفوئية - الحصبة..) لم تكن السبب الرئيس فى وفاتهم ، بل يرجع السبب إلى ضعف مناعتهم الذاتية فى مواجهة هذه الأوبئة التى لم يكن الإنجليز المسالمون يعرفون شيئًا عن خطرها، غير أن الشهادات التى أدلى بها الكتاب والمفكرون الغربيون عن الحرب الجرثومية المتعمدة التى شنها الإنجليز على الهنود تكذب ادعاءاتهم ببراءتهم من دم هؤلاء الهنود ، فها هو ( هوارد سيمبسون ) يؤكد فى مقدمة كتابه (دور الأمراض فى التاريخ الأمريكى) أن المستعمرين الإنجليز لم يجتاحوا أمريكا بفضل عبقريتهم العسكرية أو دوافعهم الدينية أو طموحاتهم أو حتى وحشيتهم، بل بسبب حربهم الجرثومية التى لم يعرف لها التاريخ الإنسانى مثيلاً. 

    هذا الجنس اللعين : 
    ويروى " كينيث كارلى" فى (انتفاضة شعب سو) كيف تعرض هنود " سانتى داكواتا" المسالمون للتجويع القاتل والسخرة لتقويض معنوياتهم ، وعندما اعترض زعيمهم " تاويا تدوتا" (الغرب الصغير) على هذه السياسة اللاإنسانية أجابه مفوض الدولة الاتحادية بعبارات استفزازية: «اذهب أنت وشعبك فكلوا من حشيش الأرض، وإذا شئتم فكلوا...» فلم يتمالك تدوتا نفسه، وهجم على المفوض وقتله وحشا فمه بالحشيش، فكانت النتيجة نصب المشانق لكل زعماء السانتي . 

    ومن المثير للدهشة أن هؤلاء الغزاة بفظاعاتهم المذكورة كانوا يسمون بالحجاج والقديسين، وكانوا ينظرون للعالم الجديد باعتباره بديلاً عن أورشليم والأراضى المقدسة، لذا فقد استخدموا أساليب القتل التى ترويها الأسفار المكتوبة بأهواء بعض الأحبار، ومنها البطاطين المسممة بالجراثيم بهدف استئصال هذا الجنس اللعين، وتفريغ القارة الأمريكية من أهلها، وتحقيق فكرة أمريكا ( استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة ). 

    من المتوحش؟ : 
    إن هذا السؤال يجد إجابته فى مراجعة التاريخ الاستعمارى الإنجليزى ومذابحه فى العالم الجديد ( أمريكا - استراليا - نيوزلندا) ، والتى استهدفت تفريغ الأرض من أهلها وتملكها ونهب ثرواتها، وكانت تحركها عقدة الاختيار الإلهى والتفوق العرقى والعنصرية الذى وصل إلى تأليه الذات ، وأوهمهم بأنهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لكل من عداهم دون التزام إنسانى أو قانونى تجاه هذه الشعوب التى يستعمرونها باعتبارها مخلوقات متوحشة . 

    وهنا يفرض التساؤل نفسه من جديد : مَنْ هو المتوحش ؟ صاحب الأرض أم من يهاجمه ، ويستولى على أرضه ومقدراته، ويسلبه حريته وحقه فى تقرير مصيره ؟! 
    والإجابة معروفة وواضحة فى ضوء العدوان العسكرى الأمريكى الدائر حاليًا على العراق، والذى أعلنت الولايات المتحدة أن من أهم أهدافه إسقاط نظام الرئيس صدام حسين، وتنصيب نظام جديد ليس لتحقيق مصالح الشعب وتحسين أوضاعه ، إنما لحفظ مصالحها هى، وضمان إحكام قبضتها على ثروات العراق ، وتقليم أظافره بنزع أسلحة الدمار الشامل لتأمين الكيان الصهيونى الخبيث ، وضمان تفوقه على نظرائه فى المنطقة . 

    ولم يقتصر التوحش الأمريكي على إبادة الهنود الحمر، ففى التاريخ الحديث وفى أربعينيات القرن العشرين أدرجت اليابان فى قائمة الشعوب المتوحشة حينما أكد الأمريكيون أن جمجمة اليابانى - الآخر - متخلفة عن جمجمتنا « الأنجلو ساكسونية » أكثر من ألفي سنة ، وما كان ذلك إلا رخصة للتحلل من أى التزام أخلاقي أو إنساني أو قانوني تجاه ضحاياهم فى الحرب العالمية الثانية . 

    وفى أواخر الستينيات من القرن الماضى مارست سياستها العنصرية الدموية فى فيتنام ، وعلق أحد أبطال ومنفذي هذه السياسة قائلاً : « ما فعلنا هنا ليس استثناء لقد فعلناه فى كل مكان »، وقال آخر: « لقد كنا نتسلى » ، ومن " ترومان" وحتى " بوش " حاول كل رؤساء أمريكا التوسع ، وأرادوا بسط سيطرتهم على منابع النفط العربية فى نفس السياق التاريخى لسياستهم العنصرية والدموية . 

    اقتل الهندى واستثن الجسد : 
    وتحت زعم أن ثقافة الهنود مضرة بالمصلحة الوطنية قام المستعمرون الإنجليز بتدمير هوية الهنود وثقافتهم وبنيتهم الاجتماعية التى لا تؤمن بالملكية الفردية ، بحيث لم يبق للهنود من هنديتهم إلا التركيب البيولوجى فتم تحريم ممارسة الشعائر الروحية للهنود باعتبارها خطرًا على المصلحة العليا الأمريكية ، ليس هذا فحسب ، بل لقد تم ترحيل أطفال الهنود عن أهلهم وإخضاعهم فى سن مبكرة لعملية غسيل مخ منظمة داخل معسكرات مدرسية أعدت خصيصًا لنحت أرواحهم، وإعادة صياغة ذاكرتهم الجماعية ووعيهم لأنفسهم وللعالم ، وفى إطار هذه السياسة نشطت خطة التذويب الثقافى ، وأحرزت نجاحًا هائلاً فى شطب 108 من الشعوب الهندية المعترف بها رسميًا، وما ترتب على ذلك من تبخر حقوقهم التاريخية فى أرضهم وثرواتهم ، وتم تعقير 42% من النساء الهنديات، إلى جانب تحويل الهنود إلى حقول تجارب فى المختبرات الطبية والبيولوجية بدلاً من الفئران. 

    المضي الإسرائيلى لأمريكا : 
    لقد أراد الإنجليز الذين جاءوا لاستعمار أمريكا أن يبنوا وطنهم على أساس العهد القديم ، ولذا اتخذوه أساسًا أيديولوجيًا لقوانينهم وعاداتهم وممارساتهم ، باعتبارهم ( الشعب المختار) الذين اختصهم الإله ( يهوه ) بالسيطرة على العالم تنفيذًا لإرادته. 

    وبرغم وضوح هذا المعنى الإسرائيلي لأمريكا فقد حاول المفكرون والساسة الأمريكيون النأي بدولتهم عن فظاعات التاريخ العبرانى، والتحذير من العهد القديم الذى يفسد البشر، ويحيلهم وحوشًا، إلا أن الخطاب السياسى لبعض رؤساء أمريكا مثل كلينتون يفضح نواياهم ، ويؤكد التزامهم بتحقيق « حلم أجداد اليهود » بأن تبقى إسرائيل ( أورشليم – القدس ) لشعب إسرائيل إلى الأبد. 

    والأصولية الأمريكية الراهنة تملك من أسلحة الدمار الشامل ما يقتل سكان 17 كوكبًا، وقد قضت بإرادة الرب على 400 شعب وأمة ، وهى تعمل على إعادة صياغة مفردات النظام العالمى والسياسة والأيديولوجيا السائدة التى تحرك الأمم المتحدة بالإرهاب والعنف، وتعتبر تشويه ثقافة الآخر ومسخ تاريخه وأخلاقه ومعتقداته ضمن إرادة الله ، مما يعطى هذه العملية معنى الإطلاق والشمول والضرورة. 

    باراباس اليانكي : 
    وتقوم السياسة الأمريكية بتوظيف النصوص الدينية والرموز المقدسة لتغطية قراراتها ومصالحها السياسية فى داخل أمريكا وخارجها، وحول هذا يقول الكاتب الأمريكى " جورج بوش " فى كتابه عن « حياة محمد » 1831: « ما لم يتم تدمير إمبراطورية السارزن ( المسلمين) فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم »، وكما يقولون: « لقد قتلوه.. الآخر الهندى واليابانى والعربى ليحيا باراباس اللص ». 

    وهذا الإلحاح على المعنى الإسرائيلى لأمريكا، وتشبيهها بإسرائيل الدولة اليهودية التى لم يتم تقرير من هو اليهودى فيها إلى الآن يعنى أن أمريكا لم تبارح ما كانت عليه مستعمرة بليموث التى وصلها المستعمرون الأوائل، ومعهم كل العتاد اللاأخلاقي اللازم لإبادة وحوش المجاهل، بل إن الرئيس الأمريكى يؤكد فى خطابه أن سياسته الخارجية تقوم على الالتزام بتحقيق المصير القدرى للأفراد والشعوب والأمم ، كما نصت عليه الأسفار المزورة التى وضعها " توماس باين " بأنها تصنع من البشر وحوشًا، وتعطل العقل والشرائع والقرارات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وتقيم سيركًا ضخمًا لتزوير معجم السياسة الدولية بدءًا بتزوير معنى الإرهاب ، وانتهاء بتزوير معنى السلام.
 جديرة بالقراءة خاصة بعد إعلان تحالفهم الجديد ضد اﻹرهاب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق