الأربعاء، 17 أبريل 2019

الجنرال والسلطة.. اللعبة التي يتقنها الجنرالات

الجنرال والسلطة.. اللعبة التي يتقنها الجنرالات




محمد المختار
عادت ثنائية الجنرالات والسلطة والحكم العسكري ضد نظيره المدني للساحات العربية مؤخرا خاصة في ظل الأحداث الأخيرة المثيرة في كل من الجزائر والسودان وتبادل الأدوار الذي يحدث في موريتانيا بين الرئيس الجنرال المنتهية ولايته وزير دفاعه الجنرال. في السودان خرج بيان الجيش معلنا نهاية ثلاثين عاما من حكم الرئيس عمر البشير ودخول البلاد لمرحلة انتقالية تحت قيادة المجلس العسكري المثير للجدل قيادة وفكرة ومستقبلا وتبادلا للأدوار وانقلابا على بعضه البعض.. بعدما ثارت مدن السودان شمالا وشرقا وجنوبا مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية ومدنية الدولة التي يخشى عليها لو سار الجنرال الصاعد عبد الفتاح البرهان على طريق جاره وقرينه في الاسم عبد الفتاح السيسي.

ذلك حال السودان وقد سبقته إليها شقيقتها في الشمال الأفريقي أرض المليون شهيد الجزائر حين خرج البيان الأشهر لجيشها مطالبا بتطبيق المادة 102 وشغور منصب الرئيس وتلته الاستجابة الفورية والتاريخية حين استقال عبد العزيز بوتفليقة بعد عشرين عاما وأريد لها أن تزيد رغم المرض والعلل الكثيرة في الحكم. والجزائريون الآن لا يختلفون في خشيتهم على مدنية الدولة وثورتهم خشية السودان على ثورته بعدما توالت البيان وصعد الجنرالات على ظهر الاعتصامات والاحتجاجات.
اليوم تنتفض السودان ضد البشير فيصعد الجنرالات واحدا تلو الآخر ويتوعدون ويتعهدون ويزهدون في السلطة زهد السيسي ومن سبقه فيها
في جارة الجزائر موريتانيا وإن كان واقعها أخف وأقل ضررا يحدث أن يعلن جنرال عربي في العصر الحديث احترامه الدستور وعدم رغبته في الترشح لولاية ثالثة فيسعد الجميع ويفرح ويزف موقفه كموقف فريد من نوعه بين أقرانه العرب. غير أن الفرحة ما تلبث أن يتعكر صفوها وتنقص في نفوس الشعب المتعطش للديمقراطية مع إعلان وزير دفاعه وشريكه في كل الانقلابات ترشحه للولاية ذاتها.. فيبدوا الأمر محسوما قبل أن يبدأ ويتحول من لعبة ديمقراطية مكانها الصناديق إلى لعبة عسكرية وتبادل للأدوار بين الجنرالات مكانه الثكنات والقصور المحاصرة.. فالجنرال العربي هو حامي البلاد في نظرهم وهو من يحق له أن يحكمها لا غير.

ذلك حاضر عربي يتحدث عن تمسك الجنرال العربي بالسلطة وعضه عليها بالنواجذ وهو يتوافق مع تاريخهم.. وحتى في تجارب تسليم بعضهم السلطة إلى المدنيين انقلب بعضهم عليها طامعا ومكرها ومتآمرا. كما حدث حين سلم الجنرال السوداني سوار الذهب إبان ثمينات القرن الماضي السلطة لحكومة الصادق المهدي فحدث أن أنقلب عليها البشير وكذالك كان حال موريتانيا في العام ألفين وسبعة حين سلم الجنرال اعل ولد محمد فال حكم البلاد لأول رئيس مدني فانقلب عليها الجنرال الرئيس الحالي للبلاد محمد ولد عبد العزيز.

ثم جاءت تجربة الطنطاوي والإخوان والسيسي في مصر وكان ما كان مما شاهده الناس وعرفوه كخاتمة لانقلابات الجنرالات على التجارب المدنية ورفضهم حكم الشعب عليهم. ظاهرة استحقت الدراسة والتحليل وألفت عليها كتب لعل أبرزها وأهمها كتاب صدر مؤخرا للدكتور الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية زلتان باراني حمل عنوان كيف تستجيب الجيوش للثورات ولماذا؟ اعتمد الرجل في كتابه على عدة تجارب في أوروبا الشرقية وآسيوية وعربية وقارن بين مشاهدها وكيفية تعامل الجنرالات فيها مع ثورات شعوبها ومدى استعدادهم لتسليم السلطة للمدنيين.. فرأى في كتابه أن بعض الجيوش اختارت تسليم السلطة للشعوب وانحازت لإرادتها كما حدث في بولندا حين سلم الجنرال السفيوتي يارولزسكي في تسعينات القرن الماضي السلطة استجابة لمطالب الثورة العمالية التي قمعها سنين معدودات وكذالك فعلت جيوش أوروبا الشرقية إبان ثوراتها البرتقالية.

أما بلاد العرب كعادتها فكانت معظمها بحسب الكتاب بين قامع لثورة شعبه كما هو حال كبيرتهم مصر التي انقلب فيها الجيش بالثورة والثوار وقمعها. وثالثة مثلها سوريا وليبيا انقسم فيها الجنرالات وبين مدافع عن الثورة وعدو لها يقابلها بالرصاص والبراميل. اليوم تنتفض السودان ضد البشير فيصعد الجنرالات واحدا تلو الآخر ويتوعدون ويتعهدون ويزهدون في السلطة زهد السيسي ومن سبقه فيها.

وتثور الجزائر ضد عهدة خامسة ظالمة بكل المقاييس بعدما قيل خلال العهدة الرابعة أنها الأخيرة لرئيس أعجزه المرض.. فينقسم من يقفون وراء الكرسي من جنرالات ويهددون الثائرين من شعبهم بمصير سوريا وشبح التسعينات الذي ظل يطارد الجزائر كأنها هي الدولة الوحيدة التي شهدت حروب أهلية ولا مفر لها من الجيش إلا إليه. وشعبها بين خيارين الموت السياسي أو الموت الحقيقي وهو منطق تكذبه العديد من التجارب السابقة ولعل رواندا خير حاضر ودليل على بلدان شهدت حروبا أهلية فظيعة ونهضت ولم يفرض عليها رجل واحد ولا تحكم جنرالاتها في حاضرها وومستقبلها. فمن يبلغ الجنرال العربي أن هناك شعوبا تعيش معه لها حق الحياة والتنفس والاختيار؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق