كيف أذابت محاكم التفتيش أجساد المسلمين؟
سلام برجاق
يرتبط تاريخُنا بتلك الذكرى المحزنة التي تأبى الذاكرة العربية محوَها أو نسيانها، تَضِج الروح بكل مشاعر الحزن والآسى كلما ذُكِرَ إسمُ غرناطة أو لُمِح مقالاً بإسمها، تعود ذاكرتنا بنا إلى تلك اللوحة المرسومة بدقة في خيالنا، التي لم نشهدها ولكنّا تعايشنا مع تفاصيلها التي ذُكِرَت جيلاً بعد جيل، تعود بنا إلى تلك اللحظة التي وقف بها السلطان أبو عبدالله على سفح جبلٍ ينتظر مرور موكب المَلِكَين الكاثوليكييَن "فيرناندو وإيزابيل"، ليتقَدم لهما ويسلمهما مفاتيح المدينة، مفاتيح مجد وعزة المسلمين في ذاك الوقت، وقف أبو عبدالله ينظر إلى المجد الضائع والفردوس المفقود باكياً بكل حزنٍ وانكسار، لتعاتبه أمه بأعظم مقولةٍ لا زال صداها يتردد في أيامنا. "ابكِ كالنساء على ملكٍ لم تحافظ عليه كالرجال"
بعد تلك الكلمات سقطت غرناطة التي تُعتبر آخر قلاع المسلمين في إسبانيا عام 1492م، لتنهي حكم المسلمين الذي دام ثمانية قرون، ولتبدأ بعدها سنين الدم في الأندلس. بدأ الظلم بالإنتشار، لم يسلَم أحدٌ منه، طال المسلمين واليهود، بدأ طمس كل أثر بقي بعد المسلمين وتم حرق الكتب العلمية والدينية ومنها القرآن الكريم، صدرت الأوامر بطردهم أو تحويل ديانتهم إلى المسيحية، ومن يرفض ينهالون عليه بأشدّ أنواع التعذيب، لم يلتزم الجميع بالأوامر فبدأ البحث عن حلٍ لإخضاع الجميع، فظهرت من هنا الفكرة الدموية التي أزهقت أرواح الملايين من الأبرياء ألا وهي محاكم التفتيش.
تعددت أساليبهم الشنيعة في حق الملايين من الأبرياء، رحلت غرناطة ورحلت معها أرواح الأبرياء بين يديّ الطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنسانية |
محاكم التفتيش التي تُسمى بالإسبانية (La inquisición) هي المحاكم الكاثوليكية التي إرتكبت الفظائع بأفعالها وقراراتها، لم يسلَم منها أحد، حتى إتضطر البعض للتظاهر بإعتناقهم الديانة المسيحية نهاراً وأما ليلاً فيؤدُّون سراً تعاليم ديانتهم. لم تكن تحتاج محاكم التفتيش إلى دليل لإثبات جرمٍ على الُمتَهم، فكان بإمكان أي شخص الإفتراء على شخصٍ آخر بأنه ليس مسيحيّ لتبدأ محاكم التفتيش عملها من التعذيب والقتل. تفننت تلك المحاكم بأساليب التعذيب وكانت تتم العملية ببطىءٍ شديد حتى ينال المذنب عقابه ولا ينجو من براثِن الموت. فما هي تلك الأساليب التي عُذّب بها المسلمين واليهود أشدّ العذاب؟
ناي المشاغبين
كان "ناي المشاغبين" إحدى الأساليب المستخدمة لتعذيب الضحايا، كان يتكون من حلقة كبيرة يتم وضعها حول رقبة المذنب، ويوجد حلقات أخرى صغيرة يتم وضع أصابعه بها، مع تسخين هذه الآلة مع درجة حرارة تعتمد على مزاج المُعَذِب، كانت تتسبب هذه الآلة بتسلخات جلدية عميقة تصل إلى العظام والمفاصل وقد تؤدي في النهاية إلى الموت.
الثور الحديدي
قطعة نحاسية صلبة على شكل ثَور، مفتوحة من جهة واحدة ليتم إدخال الضحية بها، ثم يتم إشعال النار تحته حتى يتحول لون الثور إلى الأصفر ويخرُج البُخار من أنفه، يستمعون إلى صوت صراخ المذنب وهو يُشوى حتى الموت.
الحوض
يتم وضع الشخص في حوض وأمره بالجلوس بوضعية القرفصاء مع إبقاء وجهه ظاهراً، يتم طلي وجهه بالحليب والعسل حتى تتغذى عليه الحشرات، يبقى المذنب غارقاً في فضلاته حتى يُجهِز عليه الدود ويقتله ببطىءٍ شديد.
كاسر الأصابع
أداة تتكون من مسامير حديدية يتم وضع الأصابع بين فكّيها، يتم إغلاقها ببطىء حتى تتهشم العظام وتتفتت، ويستمر المُعَذِب بإغلاقها حتى تلتقي المسامير العلوية بالسفلية. تتنوع أشكالها وتتعدد، فمنها لتهشيم أصابع القدم وآخرى للركبة والكوع.
المخلعة
تم تصميم هذه الأداة لخلع كل جزء موجود في جسم الضحية، فكان يستلقي عليها ويتم ربط يديه وقدميه، ثم تُدار الأداة من خلال بَكَرات موجودة على طرف الأداة، ليبدأ جسد المُعَذَب بالتمدد بطريقة لا يمكن إحتمالها حتى تتمزق العضلات وكل شيء موجود في جسده.
الشوكة الزنديقة
هي عبارة عن طوق يُلَف حول الرقبة مع أداة حديدية تشبه الشوكة موجهة نحو الذقن وأخرى نحو الصدر، وبهذا لن يستطيع الشخص أن يغفو أو تغمض له عين، لإنه إن فعل ذلك ستنغرس بجسده وتهلكه.
كرسي محاكم التفتيش
جاء المُسمى نتيجة لإستخدامه بكثرة من قِبَل محاكم التفتيش، كانت الأداة عبارة عن كرسي مثبت في كل جزء منه عدد مهول من المسامير، يتم تثبيت الضحية عليه لتخترق المسامير كامل جسده، ولم يكتفوا بذلك بل يتم وضع أثقال فوقه ليضمنوا أن المسامير قد أعضاءه.
القفص المُعَلَّق
بعد أن يتم تعذيب المذنب ويُكتَشَف أنه لم يلقى حتفه بسبب تعذيبه، يتم نقله إلى القفص المُعَلَّق وهو قفص حديدي يتم وضع الشخص بداخله في العراء وأمام الشمس ليمتص الحديد الحرارة، ولا يتم تقديم الطعام ولا الماء له، إضافة إلى وضع إبر أسفل المذنب على أرضية القفص لتؤلم قدميه إن أراد أن يريح رأسه على ركبتيه.
تعددت أساليبهم الشنيعة في حق الملايين من الأبرياء، ولم أذكر هنا إلا جزء بسيط من إجرامهم وسوداويتهم في حق الذين أرادوا فقط أن يمارسوا ديانتهم بكل سلمية. رحلت غرناطة ورحلت معها أرواح الأبرياء بين يديّ الطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنسانية، يتملّكني الفضول كيف للعالم أن ينسى هذه الفظائع وأن يتهم المسلمين ويناديهم بالإرهابيين؟ يبقي السؤال هو أي عقلٍ أكاد أجزم أنه ليس ببشريّ قد يخرج بأفكارٍ تعذيبية وشيطانية كتلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق