الأحد، 21 أبريل 2019

قراءة في كتاب "مدن الملح"

قراءة في كتاب "مدن الملح" 







نبذة عن المؤلف:

عبد الرحمن المنيف:
ينتمي إلى قرية قصيبا شمال مدينة بريدة بمنطقة القصيم الواقعة وسط المملكة العربية السعودية، كان والده من كبار تجار العقيلات الذين اشتهروا برحلات التجارة بين القصيم والشام واسم شهرته (عبد الرحمن المنيف).
يعد عبد الرحمن المنيف أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية خاصة في دول الخليج العربي أو ما يدعى بالدول النفطية، ربما ساعده في هذا أنه أساسا خبير بترول عمل في العديد من شركات النفط مما جعله مدركا لاقتصاديات النفط، لكن الجانب الأهم كان معايشته وإحساسه العميق بحجم التغيرات التي أحدثتها الثورة النفطية في صميم وبنية المجتمعات الخليجية العربية.
يعتبر منيف من اشد المفكرين المناوئين لأنظمة كثير من الدول العربية. من أشهر رواياته "مدن الملح" التي تحكي قصة اكتشاف النفط في السعودية وهي مؤلفة عن 5 أجزاء، ورواية شرق المتوسط التي تحكي قصة المخابرات العربية وتعذيب السجون.
من أهم مؤلفاته:
الأشجار واغتيال مرزوق - 1973
قصة حب مجوسية - 1974
شرق المتوسط - 1975
النهايات- 1977
حين تركنا الجسر - 1979
سباق المسافات الطويلة - 1979
عالم بلا خرائط بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا - 1982
مدن الملح خماسية روائية (1984-1989)

 



نبذة عن خماسية مدن الملح
خماسية مدن الملح من الروايات التي نالت شهرةً كبيرة على المستوى العربي والعالمي حتى أنها تُرجمت إلى عدة لغات، قام بتأليف هذه الخماسية الروائي السعودي عبد الرحمن منيف، وتتكون هذه الرواية من خمسة أجزاء لذا سميت بالخماسية، ويُقصد بمدن الملح التغيرات التي حلّت على القرى والمدن بعد اكتشاف النفط وأدى إلى تحوّلها إلى مدنٍ ضخمة، وصورت الحياة في دولةٍ تعرف باسم "موران" وهي دولة متخيلة، 

 تتألف رواية مدن الملح من خمسة أجزاء، وسنذكر نبذة عن كل جزء فيما يلي:
 *الجزء الأول: التيه 
يصف هذا الجزء بداية ظهور النفط في قرى ومدن الجزيرة العربية وتأسيس المدن الجديدة والتغيرات التي تبعتها والتي لحقت بالمناطق والسكان والتي صورها الكاتب على أنها عاصفة وقاسية، وقد ذكر اسم "حرّان" كنموذج لهذه المدن. من أبطال هذا الجزء "متعب الهذال" تلك الشخصية الرافضة والمعبرة عن موقف أصحاب الأرض الأمر الذي أدى إلى لجوء السلطة لاستخدام أساليب القمع والعنف. 
*الجزء الثاني: الأخدود 
يصف الكاتب في هذا الجزء التحولات التي التي طرأت على الصحراء وحولتها إلى حقلٍ من النفط، من شخصيات هذه الرواية السلطان خربيط وابنه خزعل الذي استلم مقاليد الحكم عن أبيه والذي قام بمنح كل ما يُسهّل للأمريكان تنفيذ مخططاتهم. من الشخصيات الرئيسية في هذا الجزء صبحي المحملجي الذي يُلقب بالحكيم وهو مستشار السلطان من أصولٍ لبنانية الذي بسط نفوذه ونال أرفع المناصب، حيث أنه جاء إلى مدينة حرّان أولاً بصفته طبيباً ثم انتقل بعد ذلك إلى موران العاصمة. يصف الكاتب في هذا الجزء التحولات والتغيرات التي تتسّم بحدتها وسرعتها وارتفاع وتيرتها. في نهاية الجزء يتطرق الكاتب لتصوير اللحظة التي يحصل فيها الانقلاب الذي قام به فنر ضد أخيه خزعل. 
*الجزء الثالث: تقاسيم الليل والنهار 
يُتوّج في هذا الجزء خربيط حاكماً للمنطقة بعد سنواتٍ من الصراعات القبلية. يصور الكاتب أيضاً اقتحام الغرب للصحراء وذلك نتيجةً للتحالف القائم بينهم وبين الحاكم خربيط والتي حققت له الثروة الطائلة. يستعرض هذا الجزء استغلال السلطان تحالف الحاكم خربيط مع الغرب كوسيلةٍ لتحقيق أهدافه التي تكمن بالهيمنة كل كل ما تطاله يداه. يذكر الكاتب في هذا الكتاب نشأة فنر وخزعل. 
*الجزء الرابع: المنبت 
يركز الكاتب في هذا الجزء على حياة خزعل ووفاته في المنفى. رصد الكتاب انقلاب فنر والتغيرات السلبية التي طرأت على المنطقة، ومحاولته إنشاء أجهزة في الصحراء تسانده وتواليه والتخلص من سياسات أخيه وأبيه المتبقية وإنهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة. 
*الجزء الخامس: بادية الظلمات 
يرصد هذا الجزء حالة الاستقرار التي يصل إليها فنر كما يصور التحولات التي طرأت على الناس، حيث أنها غيرت من عاداتهم وانتماءاتهم وحتى من شكل الهوية. في هذا الجزء يتغير اسم الدولة ويصبح اسمها الدولة الهديبية، كما أنّ فنر يصبح شخصية اسطورية ويتعرض للاغتيال وبذلك تنتهي حياته.





قراءة

في رائعته مدن الملح، يرصد عبد الرحمن منيف التطورات الاجتماعية في العالم العربي بعد ظهور النفط مثل قيام المدن الجديدة وتشكيل القوات الامنية (نواة جيش البادية) وفتح الطرق واستخدام السيارات وغيرها. ويشدد على بروز العمال ووسائل الضغط على السلطان (الامير او الحكومات لاحقا) من مظاهرات واضرابات وختم بها منيف الجزء الاول من الملحمة "التيه".
نقل منيف صور الحياة في الصحراء من شظف العيش وقوافل الجمال وانتظار الناس لها ومواعيدها شبه الثابتة والطرق المعروفة (الطريق السلطاني وما بين عجرة وحران) وغيرها. ويسهب في تفاصيل القافلة وقيادتها ومسيرتها مع حياة بدائية لا تتعدى تامين الخبز والملابس للانسان وعائلته دون المتطلبات الاخرى.
تحولت بعض المدن والواحات لانتاج النفط ويرحل سكانها (وادي العيون)، ويبرز هناك من قاوم هذه التغيرات اي البحث عن النفط واستخراجه وتواجد الاجانب "الامريكان" بينهم، واحتمال خرق النواميس ومنها تواجد النساء تحت انظار الخويا (الامريكان) وقد اطلق العراقيون على الانجليز وقتها "صاحب". وتظهر الاساطير حين يغادر متعب الهذال داره ووادي العيون قبل الانتاج بل محذرا من ذلك رافضا هذه التغيرات. لم تظهر له اي مشاركات في اعمال عدائية ضد الشركة والخبراء. ولكن ينتاب البدو في نوبات حراستهم هلوسة بصرية "تخيلات" عن تواجد الهذال في هذا الجانب او ذاك، وتتعب الامريكان تلك الاقاويل والقصص ولابد لهم ان يصدقوها، ضمن احتمالات لا يمكنهم المغامرة باهمالها. مخيلة المجتمع وقتها واهتمام الامريكان صنعت منه بطلا شعبيا.
وبمحاذاة ساحل البحر حران مدينة تضم بيوتا معدودة، فتتحول الى ميناء لتصدير النفط. ويستغرب سكانها والعمال تلك الات الحفر الضخمة والتسويات والرفع وغيرها وسموها بلية. وكانت هناك مخابز! وعدد من الدكاكين ومقهى وبدايات للعمل التجاري والاسواق، يتطور لاحقا ليضم وكالات النقل، ويقبل الشباب على حران للعمل. وينقل منيف الاختلافات في الاستعدادات للسكن، فحين يهمل العرب هذا الجانب تظهر مدينة للاجانب خاصة، تضم السكن ومرافقه، لتتطور الخيمة لدى العمال في حران الى بنايات عشوائية. ولم يحبذ سكان حران التفكير في سكنهم وتنظيم مدنهم وتمثل في اهمال المقاولين (ابن الراشد والدباسي). ولا زالت مدن العرب تعاني من العشوائية في كل شيء.
ويصور عبد الرحمن منيف الامير في قبوله الهدايا من الاغراب تمثلت في هدايا حسن رضائي (ايراني الجنسية) في منظار ثم راديو. ان تفاصيل تعامل الامير مع المنظار وتسخيره اتباعه لذلك يعكس اهتمامات معظم الحكام بعيدا عن هموم الشعب ولذلك توالت النكسات في تاريخنا الحديث. وينشغل الامير بمراقبة نساء عاريات تقريبا على ظهر سفينة تصل بين فترة واخرى للاجانب، فتثير لديه الشهوة والرغبة وفي احلامه يقلب النساء كما يتعامل الخروف ويفحص اليته. انها صورة معبرة لاهتمامات خلفاء العرب بالجواري واعدادها واشكالها الى سبل الحديثة التي تتماشى مع الحداثة، وتبقى تقارير الامم المتحدة عن الاتجار بالبشر تشير الى بلدان العرب. ولا ينسى منيف تاثير تلك السفينة على رجال حران وامانيهم واحلامهم.
تمكن حسن رضائي بالاستثمار في حران مقابل تلك الهدايا، وقد نصح الامير بالاستماع الى لندن في المذياع، وربما توارثنا الثقة في اذاعة لندن من تلك السنوات. لقد اظهر منيف عجز العرب عن التشريع باساليب حديثة لحفظ حقوق شعبهم. وربما يثير اليات التشريع وخلافاتنا مع الانظمة الديمقراطية باعتبار الشعب مصدر التشريع. انها مشكلة التعامل مع المشاكل ويلمس القاريء الفرق الواضح بين مدير شركة نفط والامير في تناول المشاكل ومحاولة حلها.
تنهي الشركة علاقة بعض العمال بها، ويثور العمال مطالبين بحقوقهم، وتشتعل حران مظاهرات وشعارات القوم واهازيجهم تتناول تلك المشكلة "الفصل التعسفي بدون حقوق وضمان للحياة". لم يحسن الامير التصرف فهو مشغول بالراديو والهاتف (الهدية الجديدة من الشركة) لياخذ قائد جيشه (جوهر) المبادرة باطلاق النار على بعضهم ويقدم للناس قتلى وجرحى. ويثور سكان حران مع العمال مهاجمة الشركة وجوهر.
لا يفاجأ منيف القاريء بجيش البادية، فينقل اشكاليات التدريب والملابس العسكرية والايعازات مثل سلام خذ. وما يحمل جوهر من نياشين واوسمة وغيرها، وكان الاخير احد خدم الامير! ويصبح قائدا لجيش ويملك ان يقتل من الشعب ويجرح ويسجن. وربما يطرح منيف اشكالية العدل لدى الشعوب العربية، والمحاكم العسكرية. ولا زال العراقيون يتذكرون المجالس العرفية واحكام قرقوش فيها، ونقل لي البعض بان الحاكم فيها يضع مسدسا على منضدته! ولا يمكن استثناء اي دولة من ذلك وحتى عند استلام الاحزاب الاسلامية الحكم.
يهمل عبد الرحمن منيف دور التنظيمات السياسية في قيادة المظاهرات والاضرابات والدعوة لها والمطالبة بحقوق العمال والطبقات المحرومة. فصور التظاهرة بالعفوية ولكنه يذكر اسماء قادة لها، ويجتمعون مع الوجهاء وغيرهم. كما يوحي بمسؤولية فردية لرجال الامن، فجوهر وحده قرر اطلاق النار! دون الامير والاخير رجل صالح، طفل يلهو بالراديو ورغباته، وكذلك دون ضغط من الشركة النفطية. انه يقدم براءة ذمة لطغاة مثل سعيد قزاز وبهجت العطية وغيرهم. وقد ذكر استاذ بالتاريخ مؤخرا بان التحقيقات لم تثبت اوامر القزاز باطلاق النار في البصرة. ويهمل منيف حقا تاريخيا لابطال التغير في ملاحم العرب وفي العراق منها سنوات 1948 و 1952 و1956 وغيرها. وتضاف لها 1991 وقدم العديد منهم حياته ثمنا لذلك
سلام على جاعلين الحتوف جسرا الى الموكب العابر
قدم عبد الرحمن منيف ضعف الامير الفكري وعدم حرصه على منطقته، وكذلك جوهر "خاشع خاضع مقيم على ذله صابر". وربما اوضح اهمال الحكام العرب حماية العمال من شعبهم بالضد من الشركات الاجنبية.
وتخلف الامام عن الصلاة الفجر يوم المظاهرة والاضراب، وربما يرمز منيف الى مهادنة رجال الدين للامراء والسلاطين، ولكنها اشارة عابرة لم يركز عليها ولم يسهب في شخصية امام المسجد، بل لم يبرز له دور في اصلاح سكان حران او حتى تعريته للظلم الذي لحق بهم. 




خارج النص

كتاب "مدن الملح" للكاتب عبد الرحمن منيف




استطاع الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف في خماسية "مدن الملح" أن يقف على بداية الكلام لسرد تاريخ ما أسماه "مدن الملح"، حيث يتحدث عن المدن التي ظهرت نتيجة الثروات خاصة عقب اكتشاف النفط في صحراء الجزيرة العربية.
حلقة (2019/4/21) من برنامج "خارج النص" تحدثت عن ما أحدثته الرواية من جدل، فقد منعت "مدن الملح" من النشر في كثير من دول الخليج، وسحبت جنسية الكاتب ليبقى خارج المملكة طوال حياته، بعد أن اعتبرت السلطات السعودية الرواية تحريضا على حكم آل سعود وتحمل لهجة تثويرية.
وقال منيف في مقابلة تلفزيونية له على التلفزيون الأردني عام1993 إنه كان من الواجب معالجة موضعي النفط والصحراء في مرحلة تاريخية معينة، لأنها مواضيع لم يتم التطرق أو التصدي لها في ذلك الوقت، موضحا أنه كان من الضروري التحدث عن تأثير النفط في تغيير المنطقة العربية في ذلك القرن.
واعتبر مؤسس جريدة السفير اللبنانية طلال سلمان أن عبد الرحمن منيف كان عبقريا في اختياره لذلك الاسم الذي نُحت بدقة شديدة ليتناسب مع عمق وصلب الرواية، حيث ساعد على كشف المخبوء عن السعودية والدول الخليجية إبان ظهور النفط، وعن الوحشية في نظامها، وعكس طريقة المعيشة وعادات وتقاليد تلك المناطق.
وحلل الناقد والكاتب فيصل درّاج سبب هذه التسمية بأنها تقترن بضعف المدن التي تعتمد على النفط، حيث إن هطول المطر سيتسبب في ذوبان الأبنية المشيدة بالملح وبالتالي انتهاء المدينة كاملة.
نظرة خاطئة
أما الكاتبة والأديبة سعدية مفرّح فانتقدت توصيف ورؤية منيف لأهل الجزيرة العربية على أنهم لا يعلمون شيئا قبل ظهور النفط، حيث قالت إنها "تشبه نظرة المستشرقين".
كما انتقدت "الرؤية القاصرة" التي تصور منطقة الجزيرة العربية على أنها لم تكن ذات قيمة قبل ظهور النفط، موضحة أنها رؤية شائعة خاطئة لم تطلع على تاريخ هذه المنطقة.
وقال الناقد والكاتب نبيه القاسم إن منيف أهمل ذكر الدور المهم والإيجابي للنفط، حيث كان له دور في تحويل المجتمع البدوي في الجزيرة العربية إلى مجتمع مدني متحضر، كما أسهم في إنتاج دول تمتلك تقدما حضاريا واقتصاديا وثقافيا وعمليا.
وفي المقابل، قال درّاج إن النفط كان من المفترض أن يُستعمل كقوة محرضة دافعة على إنتاج المعرفة الاقتصاد ومحاربة إسرائيل، إلا أنه استعمل بشكل مختلف كليا حيث استفاد منه الغرب بمليارات الدولارات.
اقتباسات من خماسية مدن الملح
  • الذاكرة لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفراً دائماً نحو الحرية، فإنها تصبح سجنه، وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام. 
  • الكثير من الأشياء الجميلة، أو الأشياء التي يتمناها الإنسان، تأتي متأخرة. 
  • الغريب أن الإنسان لا يرى الأشياء القريبة. لابدّ أن يبتعد عنها مسافة كافيه، أو وقتاً غير قصير، لكي يراها بوضوح. 
  • قيمة الإنسان بالمعرفة وبخدمة الآخرين، وعلى الفرد أن لا يتوقف لحظة واحدة عن التعلم ومساعدة الناس، لأنهما المصدر الوحيد لاستمرار الإنسان على الأرض. 
  • هل هناك شيء في كل إنسان يخبو لكن لا يموت، ويظل هذا الشيء يحركه ويدفعه من مكان إلى آخر حتى يعود إلى منابعه.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق