ولكم في السودان عبرة!
أ.د. حاكم المطيري
12 شعبان 1440هـ
17 أبريل 2019م
إذا كانت (الأعمال بالخواتيم) كما قال ﷺ فقد كانت خاتمة نظام البشير في السودان أسوأ خاتمة!
فكما بدأ انقلابه سنة ١٩٨٩م بترتيب أمريكي سري ودعم خليجي بثوب زور إسلامي؛ لضبط الأمن في الحزام الحيوي وهو غرب البحر الأحمر والحزام الحامي لدرة التاج الأمريكي (الخليج وجزيرة العرب)!
انتهى هذا النظام كما بدأ مجرما قاتلا - مؤيدا لقاتل مثله كنظام الأسد - رافضا تسليم السلطة لشعبه؛ فسلمها بعد ٣٠ سنة إلى الجهات الخارجية نفسها التي أتت به لترتب الأمور بعد خلعه بما يحفظ مصالح القوى الدولية والإقليمية!
فإذا من لم ير البشير يوم انقلابه وهو يخادع الأمة ويتظاهر بما ليس فيه ويقبض ثمنه النفط بالمجان! يراه على حقيقته يوم خلعه ٢٠١٩م وقواته تقاتل جنبا إلى جنب مع الإمارات والسعودية لتدمير اليمن؛ لصالح مشروع التقسيم الأمريكي الجديد! فانتهى أمره وبطل سحره! وما يخدع إلا نفسه!
وليس شأن البشير مما يستحق كبير الاهتمام اليوم فقد طويت صفحته السوداء وذهب بعد مصافحته بشار وزيارته موسكو التي كانت تدك صواريخها مساجد الشام على رؤوس أهلها وقد حاقت به خطيئته وأصابته دعوة مظلوم مكلوم في ليلة لقائه مع بشار ليخرجه من عزلته! فذهب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!
وقد لا يكون البديل عن البشير خيرا منه بعد أن ترك السودان ممزقا محطما وأسلمه للعدو الأمريكي وأنظمته الخليجية الوظيفية ومشروع ترامب القادم لتنفيذ صفقة القرن بعد أن بدأت حقبة خلع الثوب الإسلامي الأمريكي على ضفتي البحر الأحمر شرقا وغربا في السعودية والسودان بعد أن استنفد الثوب أغراضه وانتهت جماعاته الوظيفية كما دوله ليبدأ عهد أمريكي جديد!
وإنما السؤال المؤرق: كيف تخدع الأمة ودعاتها ومخلصوها ومصلحوها كل مرة في مثل هذه الأنظمة الوظيفية وبمثل هؤلاء الطغاة؛ ليبرروا لهم جرائمهم ويعتذروا لهم عن كبائرهم؛ لموقف كريم رأوه منهم هنا أو هناك!
إن الأنظمة الوظيفية ليست شرا محضا لتذكر بعد سقوطها مآثرها للاعتذار لها عن جرائرها!
فقد كان نظام الأسد مع كل إجرامه وطغيانه وتبعيته للقوى الدولية الصليبية وتنفيذه لسياساتها منذ انقلابه ١٩٧٠م؛ وهو يستضيف فصائل الثورة والجهاد والمقاومة الفلسطينية ثم العراقية ويرعاها ويقدم لها الدعم لاستثمار ذلك لمصلحته ومصلحة النظام الدولي نفسه؛ لاحتوائها!
ولا يخرجه ذلك كله عن كونه أخطر نظام وظيفي طائفي محمي بالقوى الصليبية في المنطقة العربية كلها!
كما أن القابلية للتوظيف ليست بالضرورة دليل خيانة وسوء نية وخبث طوية، وليست بالضرورة صادرة عن رضا واختيار؛ بل هي في أحيان كثيرة دليل عجز وفقد للقدرة على الخروج عن الخطوط التي يرسمها المحتل الغربي لمهام الدول الوظيفية؛ فلا تجد أنظمتها بدًّا من تنفيذ ما أوكل إليها أو السقوط؛ لأن الأزمة هي في طبيعة الدول العربية القطرية التي لا يمكن لها وفق خرائط سايكس بيكو أن تكون دولا ذات سيادة مهما حاولت ذلك؛ كما جرى للعراق!
إن دولة صغيرة كقطر التي فيها قاعدة العديد العسكرية وتخضع كما دول الخليج للنفوذ الأمريكي المباشر هي نفسها التي آوت قيادات حماس وقيادات المقاومة العراقية وفتحت مكتب طالبان وما تزال ترعى غيرهم من قيادات الجماعات الإسلامية وكل ذلك بترتيب أمريكي كدولة استعمارية كبرى تعرف كيف تدير شئون محمياتها العربية وكيف تحرص على توفير أماكن آمنة لقيادات الثورة والمقاومة ضدها خارج ساحات الصراع!
كما كانت تفعل بريطانيا قبلها حيث كانت مصر وهي تحت الحماية البريطانية تعد ملجأ لقادة الثورة ضد الاستعمار الغربي إلا من تضطر بريطانيا إلى نفيه إلى جزرها البعيدة!
وكذلك لحاجة أمريكا كدولة استعمارية كبرى تحتل المنطقة إلى مكاتب اتصال مع أعدائها في دول موثوقة عندهم؛ تستطيع عبرها عقد مفاوضاتها السرية معهم وإطلاق أسراها حين وقوعهم في الأسر إلى غير ذلك من المهام التي تقوم بها مثل هذه الدول الوظيفية التي توكلها أمريكا بالقيام بأدوار خطيرة؛ كالدعم المالي لفصائل الثورة والمقاومة ضدها والإشراف عليها ثم التحكم بها وجلبها إلى طاولة المفاوضات؛ كما جرى في العراق ثم سوريا؛ لينتهي الدور بتسليم قطر الملفات إلى السعودية لتكمل المهمة كما صرح بذلك وزير خارجية قطر نفسه في شأن الملف السوري!
إن حاجة أمريكا لدول وظيفية تستضيف قيادات الثورة في مستعمراتها المضطربة حتى تهدأ وحتى يتم ترتيب شئونها كما في مصر بعد انقلاب السيسي أشد من حاجة هؤلاء القادة أنفسهم لتلك الدول!
ففيها يتم ضبط سلوكهم وجعلهم تحت الرقابة المباشرة وتوجيههم عبر الدول المستضيفة وتمضي السنون وهم كذلك حتى يفقدوا كل قدرة على التغيير والتأثير في بلدانهم ويتم تأمين حياتهم وربما تم تأهليهم كزعماء لمرحلة لاحقة ليتولوا المسئولية في بلدانهم بعد التأكد من ولائهم لها أو تغير أفكارهم تجاهها كما كانت تفعل بريطانيا بالثوار في مستعمراتها حين تنفيهم إلى جرزها أو سجونها كما فعلت مع السيد طالب النقيب رئيس حزب الحرية في البصرة في العهد العثماني الذي نفته بريطانيا بعد احتلال العراق إلى بومبي خمس سنوات ليعود رافضا الثورة عليها وليصبح وزير الداخلية في أول حكومة تحت الانتداب البريطاني!
وكما فعلت بقادة ثورة عرابي ومن شارك فيها كالشيخ محمد عبده الذي نفته ثم عاد ليتولى الإفتاء وإدارة الشئون الدينية في ظل الاحتلال وكذا ما فعلته مع قادة ثورة ١٩١٩م!
إن من يتصور أن نظام الأسد كان يرعى الجهاد الإسلامي وحماس مدة ربع قرن خارج التفاهم الروسي الأمريكي ولغرض الضبط والسيطرة لقوى المقاومة الفلسطينية وضمان أمن إسرائيل؛ لا يعرف طبيعة نظام الأسد والدور المرسوم له منذ جيء به لحكم سوريا التي لم تخرج منها الحملة الصليبية منذ دخلتها سنة ١٩١٧م!
إن المحكمة الجنائية وحصار السودان والحرب الإعلامية كلها أدوات للضغط والابتزاز والضبط لالتزام نظامه بالدور المنوط به وتنفيذ ما يطلب منه حين يتلكأ!
وقد تستخدمها لأغراض كثيرة سياسية وإعلامية ليس منها حتما إسقاط النظام أو تغييره! وهو ما كشفته مشاركة البشير في حرب اليمن التي كانت تديرها أمريكا وما كشفته الثورة السودانية عن طبيعة نظام العسكر بكل وضوح!
حيث لم يصدر عن الغرب وأمريكا طوال مدة الاحتجاجات أي بيان يؤكد حق الشعب السوداني في حريته؛ فثبت بأن نظام البشير أحد مرابط النظام الدولي الخطيرة في المنطقة العربية إلا أنه الأدهى في تضليل الرأي العام ولبس لبوس الإسلام؛ تماما كما فعله من قبله النظام الإيراني الذي لم يمنعه الحصار الأمريكي من التعاون مع واشنطن في احتلال العراق، ولا من القتال مع المحتل الروسي في سوريا؛ ليذهب ضحية هذا التخادم شعبان عربيان ثائران، ولينهار المشرق العربي أمام جحافل الحملة الصليبية الصفوية في الشام والعراق؛ ومع ذلك ما يزال هناك من يرى أن إيران والأسد كالبشير في خندق المقاومة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق