هوامش على دفتر الاستفتاء
وفى تعبيربليغ لسيدة مصرية بسيطة قالت: خفت على البطاقة التموينية، وأخذت الكرتونة وصوت بلا.. نعم: إيه بلا خيبة
علي أبو هميلة
1-آفة الثورة الانشقاقات
جاءت أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية لتكشف بوضوح آفة الثورة والثوار في مصر، وبين قوى المعارضة المصرية ضد نظام الحكم الجاثم على صدر مصر بقوة الاستبداد والقهر..
فمنذ 12 من فبراير/شباط ٢٠١١ حتى الآن لم تشهد قوى الثورة هذه اللحظة الفريدة عبر الإجماع والتوافق على رفض التعديات على الدستور من أقصى يسار القوى إلى أقصى يمينها؛ إلا أن مرض الثورة والثوار ظهر بوضوح قبل الاستفتاء بأيام قليلة ليشق وحدة الرفض إلى فريقين، الأول: هو الأكثرية بين هذه القوى وضم حركة ٦ أبريل، حزب الدستور والحركة المدنية للتغيير، وشخصيات مؤثرة داخل مصر وخارجها من التيار المدني، إذ توافقت صراحة أو ضمنا على التصويت بلا، والاشتباك في المعركة ميدانيا عبر الرفض في ميدان الاستفتاء، أو بعد ذلك في ميادين أخرى ..
وإذ بنا نفاجأ بانشقاق على الدعوة للنزول والتصويت بلا من جانب التيار الإسلامي بقيادة الإخوان المسلمين، وتداعت المقولات الخالدة للإخوان بعدم شرعية النظام، وعدم شرعية الدستور، وكلاهما أصبح عمره الآن ست سنوات لتفلت بذلك لحظة مهمة في تاريخ مقاومة نظام الحكم تستعيد فيه القوى تماسكها والتحامها.
وللتاريخ فتلك ليست اللحظة الأولى للإخوان إذ كان أولها في انتخابات ٢٠١٠ ثم بعد ذلك في ثورة يناير، ثم كرروا الانشقاق لنصل لما نحن فيه من عدم التوحد في لحظة كهذه .. ويقيني أن تيار الإخوان المسلمين في حاجة ماسة إلى إيجاد وسيلة توافق مع القوى المدنية والسياسية في مصر إلا أنهم يصرون على موقفهم كالعادة.
٢_ منطق الانشقاق
قد يكون منطق هؤلاء الذين رفضوا التصويت وفضلوا المقاطعة مقبولا لو كان موقفا سياسيا واضح الملامح، مثلما حدث في موقف حزب التحالف الشعبي المصري إذ رأى أن التعديلات باطلة، وأن كل ما بُنى على باطل فهو باطل من حيث مواد التعديل أو المواد المستحدثة، فحزب التحالف يرى المقاطعة لبطلان التصويت على تعديلات باطلة؛ لكنه يعترف بالدستور ويرفض العبث به والتعدي عليه.
أما أن تكون المقاطعة ناتجة عن عدم الاعتراف بالدستور لأنه ناتج عن انقلاب ٣ يوليو، وهو دستور قائم منذ ست سنوات، أو عدم الاعتراف بشرعية نظام يعترف به العالم منذ خمس سنوات، والحديث عن شرعية الرئيس محمد مرسي وبرلمانه وحكومته، فهذا غريب بعد كل هذه السنوات..
فغالبا يُعتبر عودة مرسي والإخوان للحكم دربا من الخيال، وعلى الإخوان أن يعترفوا بذلك إن كانت لديهم عزيمة، أو هدف العودة للساحة السياسية في مصر، ولا مجال هنا للحديث عما حدث في سنة حكم الإخوان لمصر..
ولدي اعتقاد أن كثيرين من داخل الجماعة لديهم يقين بذلك، والأغرب أن قطاعات بالخارج وبالتحديد في تركيا من الإخوان والمتعاطفين معهم ومن شبابهم دعوا مع القوى المدنية لرفض التعديلات بالتصويت بلا.
أما منطق المشاركين بالتصويت بلا، فيتلخض في أنهم قاطعوا كثيرا ولم يتم الاستفادة من المقاطعة حتى صارت مقاومة النظام لا تخرج عن صفحات التواصل الاجتماعي، وأن النزول في معركة "التعديات" على الدستور هو استعادة لوجودهم في الشارع والاشتباك مع هذه الكارثة التي ستحل بالوطن ومقاومتها، وربما تكون سبيلا لحركة جماهيرية مفتقدة منذ زمن وخطوة نحو إسقاط نظام أفقر المصريين واستبد بهم، والأهم أن نتعود على التوافق في القادم.
٣- عودة الرقم الصعب
كان شباب يناير دائما هم الرقم الصعب في معارك الثورة منذ ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٣، وطوال هذه الفترة كانت كل الحسابات تبنى على هؤلاء الثوار حتى بعد يوليو ٢٠١٣..
وفى معارك محددة عندما تحرك هؤلاء كان لتحركهم تأثير كبير؛ فقد كانوا أصحاب القوة الحقيقية على الأرض لما يتمتعوا به من مرونة التفكير والخطط وابتكار أدوات وأفكار جديدة، وخارجة عن المألوف
ولعلنا نذكر أهم مظاهرات شهدتها الفترة الماضية بعد الحكم ببراءة المخلوع مبارك في ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥، وهى المظاهرة التي شهدها ميدان عبدالمنعم رياض بقلب ألقاهرة وذكرت الناس بليلة الخامس والعشرين من يناير إذ تجاوزت عشرة آلاف متظاهر، وشارك فيها شباب ٦ أبريل، وائتلاف شباب الثورة، وحزب الدستور والتيار الشعبي ومصر القوية ..
ثم كانت مظاهرات الأرض في 15 من أبريل ٢٠١٦ والتي شهدتها شوارع وسط القاهرة وأمام نقابة الصحفيين، وهي من أضخم المظاهرات في عهد السيسي.
وفي معركة الدستور خلع شباب الثورة ثياب الإحباط والاكتئاب واليأس وعادوا مره أخرى إلى الميدان، فكانت دعوة حركة ٦ أبريل والدستور ثم كتلة الشباب في الحركة المدنية للتغيير نقاطا مهمة في إحياء الأمل بمعركة جديدة لشباب يناير..
وبدأت دعوات وأفكار ابتكارية من حركة باطل التي حصلت على توقيع نصف مليون مواطن في أيام قليلة وحاربها النظام بكل قوة إلى أفكار نشرها شباب الثورة بالذهاب إلى اللجان مع الأسرة أو الأصدقاء أو الجيران وتحفيز المتكاسل من الرافضين للتعديلات..
وشهدت صفحات التواصل عودة وجوه اختفت طويلا عن الساحة وهو حدث لو تعلمون عظيم، والذى ينبغي أن نبنى عليه كثيرا.. فتخلص شباب يناير من ركام اليأس والاكتئاب السنوات الأخيرة يبشر بانتصار قريب للثورة المصرية.
٤- احصل على (الكرتونة) وصوت بلا
هل أفقر نظام المصريين مثلما فعل هذا النظام الذي يحكم مصر منذ خمس سنوات؟
لا نظن أن مصر شهدت نظاما يتعامل بمثل هذه القسوة مع أهل بلاده..
لقد جمع هذا النظام ٨ مليارات دولار من الشعب ليقدم على مشروع تفريعة قناة السويس التي تمت بدون دراسة جدوى وبقرار فردى في مكالمة هاتفية (تذكرني بمكالمات عصابات المافيا) في منتصف الليل حتى حلق الحاجة زينب أو سعاد الذي أخذوه وهو كل ما تملك!
هذا النظام أفقد المصريين نصف مدخراتهم بقرار تعويم الجنيه المصري..
هذا النظام أطلق العنان لرفع الدعم عن كل ما يحتاجه المصريون من أساسيات الحياة، وتركهم يعانون الغلاء وارتفاع الأسعار الجنوني ...
هذا النظام أفقر ٧٠٪ من الطبقة الوسطى وأنزلهم إلى تحت خط الفقر..
فلماذا نغضب الآن حينما نرى هؤلاء الفقراء ضحايا نظام السيسي، وهم يفرحون بكراتين الرشوة الانتخابية التي يقدمها نظام سرق قوت يومهم ويسرقهم كل لحظة الحقيقة؟
إن صور كرتونة الاستفتاء مهينة لكل مصري؛ ولكن أليست هذه أموالهم، أو ليست الحقيقة أن هؤلاء ضحايا نظام أفقرهم ..
ومع ذلك فقد أبدع المصريون كثيرا حينما حصلوا على جزء مما سرق منهم ثم صوتوا بلا في الاستفتاء..
وفى تعبير بليغ لسيدة مصرية بسيطة قالت: خفت على البطاقة التموينية، وأخذت الكرتونة وصوت بلا.. نعم: إيه بلا خيبة"..
٥- توافق غير المتوافق واختلاط الزيت بالماء!
في حادث فريد تاريخيا وأيدلوجيا وفكريا شهد الاستفتاء أسوأ توافق حادث بين أربع قوى من الصعب؛ بل من المستحيل توافقها على شيء إيجابي؛ فقد توافق حزب النور السلفي مع حزب التجمع اليساري مع حزب الوفد الليبرالي، وبعض المنشقين عن الحزب الناصري على التصويت بنعم والموافقة على التعديلات الدستورية وهي معجزة فكرية وسياسية.
والحقيقة أن وجود حزب الوفد الجديد منذ سنوات طويلة في معية السلطة والسلطان الحاكم ليس غريبا على حزب استحوذ على مقاعد القيادة فيه رجال أعمال نتاج عصر الإفساد الأكبر بعصر مبارك..
أما حزب التجمع الاشتراكي فقد الكثير من مقوماته وجوده بغياب زعيمه التاريخي خالد محى الدين منذ سنوات طويلة، وتاه الحزب الذي كان كيانا جامعا لليسار المصري، وخرج منه كثير من أبنائه، وبحث قيادات الحزب عن مصالح خاصة لهم، وتوافقت مع بعض منشقي الحزب العربي الديموقراطي الناصري.
أما حزب النور فالحقيقة أننا لانعرف هم مع من، وضد من؟!
فقد كان مع مرسي والإخوان، ثم أصبح ضد مرسي والاخوان، والآن مع السيسي، وسيكون في الغد ضد السيسي، وقد كان مع الدستور قبل التعديلات والآن مع الدستور بالتعديلات ..
لكن الغريب هو تجمع هذا الكوكتيل الفريد على تأبيد حكم السيسي وتحصينه وتدخل القوات المسلحة في السياسة.
هامش أخير.. إقبال لا تزال غائبة عن المشهد!
لم تكن سرعة إنجاز التعديلات والدعوة للاستفتاء، وإجرائه خلال أيام قليلة عاملا لزيادة الإقبال عليه؛ بل كانت عاملا في ضعف الإقبال، وقد حاول النظام عبر وسائل كثيرة دفع المواطنين للمشاركة عن طريق تقديم رشاوي انتخابيه وعبر جولات لحافلات احتفاليه في أنحاء كثيرة وعبر سيارات الشرطة والقوات المسلحة التي قدمت مساعدات غذائية للفقراء ...
إلا أن هذا كله وكما توقعنا منذ أسبوعين لم يجعل "الحالة إقبال" تأتى إلى لجان الاستفتاء في كل المحافظات وهذا ناتج كما أشرنا في مقال: (استفتاء الرز) إلى عدم الثقة لدى الشعب بجدوى صوته أو أمانة النظام في إعلان النتيجة الصحيحة..
وهذا لن يحدث إلا بتغيير كامل في الظروف السياسية والاجتماعية في مصر، وهو الأمل الذي يتطلع إليه شباب الثورة في معارضته ومقاومته لهذا التعدي على الدستور المصري.
فمنذ 12 من فبراير/شباط ٢٠١١ حتى الآن لم تشهد قوى الثورة هذه اللحظة الفريدة عبر الإجماع والتوافق على رفض التعديات على الدستور من أقصى يسار القوى إلى أقصى يمينها؛ إلا أن مرض الثورة والثوار ظهر بوضوح قبل الاستفتاء بأيام قليلة ليشق وحدة الرفض إلى فريقين، الأول: هو الأكثرية بين هذه القوى وضم حركة ٦ أبريل، حزب الدستور والحركة المدنية للتغيير، وشخصيات مؤثرة داخل مصر وخارجها من التيار المدني، إذ توافقت صراحة أو ضمنا على التصويت بلا، والاشتباك في المعركة ميدانيا عبر الرفض في ميدان الاستفتاء، أو بعد ذلك في ميادين أخرى ..
وللتاريخ فتلك ليست اللحظة الأولى للإخوان إذ كان أولها في انتخابات ٢٠١٠ ثم بعد ذلك في ثورة يناير، ثم كرروا الانشقاق لنصل لما نحن فيه من عدم التوحد في لحظة كهذه .. ويقيني أن تيار الإخوان المسلمين في حاجة ماسة إلى إيجاد وسيلة توافق مع القوى المدنية والسياسية في مصر إلا أنهم يصرون على موقفهم كالعادة.
فغالبا يُعتبر عودة مرسي والإخوان للحكم دربا من الخيال، وعلى الإخوان أن يعترفوا بذلك إن كانت لديهم عزيمة، أو هدف العودة للساحة السياسية في مصر، ولا مجال هنا للحديث عما حدث في سنة حكم الإخوان لمصر..
وفى معارك محددة عندما تحرك هؤلاء كان لتحركهم تأثير كبير؛ فقد كانوا أصحاب القوة الحقيقية على الأرض لما يتمتعوا به من مرونة التفكير والخطط وابتكار أدوات وأفكار جديدة، وخارجة عن المألوف
ولعلنا نذكر أهم مظاهرات شهدتها الفترة الماضية بعد الحكم ببراءة المخلوع مبارك في ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥، وهى المظاهرة التي شهدها ميدان عبدالمنعم رياض بقلب ألقاهرة وذكرت الناس بليلة الخامس والعشرين من يناير إذ تجاوزت عشرة آلاف متظاهر، وشارك فيها شباب ٦ أبريل، وائتلاف شباب الثورة، وحزب الدستور والتيار الشعبي ومصر القوية ..
وبدأت دعوات وأفكار ابتكارية من حركة باطل التي حصلت على توقيع نصف مليون مواطن في أيام قليلة وحاربها النظام بكل قوة إلى أفكار نشرها شباب الثورة بالذهاب إلى اللجان مع الأسرة أو الأصدقاء أو الجيران وتحفيز المتكاسل من الرافضين للتعديلات..
وشهدت صفحات التواصل عودة وجوه اختفت طويلا عن الساحة وهو حدث لو تعلمون عظيم، والذى ينبغي أن نبنى عليه كثيرا.. فتخلص شباب يناير من ركام اليأس والاكتئاب السنوات الأخيرة يبشر بانتصار قريب للثورة المصرية.
إن صور كرتونة الاستفتاء مهينة لكل مصري؛ ولكن أليست هذه أموالهم، أو ليست الحقيقة أن هؤلاء ضحايا نظام أفقرهم ..
ومع ذلك فقد أبدع المصريون كثيرا حينما حصلوا على جزء مما سرق منهم ثم صوتوا بلا في الاستفتاء..
وفى تعبير بليغ لسيدة مصرية بسيطة قالت: خفت على البطاقة التموينية، وأخذت الكرتونة وصوت بلا.. نعم: إيه بلا خيبة"..
فقد كان مع مرسي والإخوان، ثم أصبح ضد مرسي والاخوان، والآن مع السيسي، وسيكون في الغد ضد السيسي، وقد كان مع الدستور قبل التعديلات والآن مع الدستور بالتعديلات ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق