الصراع التركي الإماراتي في البحر الأحمر.. كيف انتصر أردوغان؟
معتز علي
باحث في الشؤون السياسية
يمتد الصراع السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط بين تركيا والإمارات، حيث ترغب تركيا في استثمار النجاح الاقتصادي الكبير التي حققته منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 ومن ثم توسعه دائرة نفوذها الاقتصادي والسياسي، لشرق ووسط أفريقيا. على الجانب الأخر تحاول الإمارات فرض نفوذها وسيطرتها على منطقة البحر الأحمر لإفشال أي محاولة لإنشاء ميناء يقدم خدمات لوجستية للسفن ويقلل من تنافسية ميناء جبل على بدبي.
ويتنامى الوجود التركي في دول ساحل البحر الأحمر، الأمر الذي ترفضه الإمارات وتحاول طرده بأي طريقة، حيث تحاول تركيا أن تستثمر في الدول العربية والإفريقية التي تمتلك ميزة نسبية مثل جيبوتي والصومال والسودان والتي تقع على خليج عدن ومضيق باب المندب، الذي يعتبر من أهم شرايين التجارة العالمية بسبب مرور خمس التجارة العالمية في تلك البقعة الحيوية، بدون عائد مادي ملموس يعود على شعوب تلك الدول التي تعاني الفقر الشديد. بعكس جزيرة صغيرة مثل سنغافورة التي تطل على مضيق ملقا، والذي يمر منه ربع تجارة العالم، حيث تحولت لأكبر مقدم خدمات لوجيستية في العالم، وانعكس ذلك على الدخل القومي للبلاد. حيث ترغب الحكومة التركية في الاستفادة من منطقة مضيق باب المندب في إنشاء قاعدة خدمات لوجيستية ومنطقة اقتصادية لتكون قاعدة انطلاق للأسواق الأفريقية في حوض نهر النيل وشرق إفريقيا، اعتمادا على العلاقات التاريخية المتميزة مع شعوب تلك المنطقة منذ أيام الخلافة العثمانية.
التهديد الاقتصادي لميناء دبي
وفي الخليج العربي حيث يقبع ميناء جبل على الذي يعتبر واحد من أكبر مواني المنطقة، والذي يقدم خدمات لوجستية في منطقة الخليج العربي وجنوب أسيا، إلا أن موقعه داخل الخليج يصعب من استمرار تقديمه للخدمات اللوجستية بنفس المعدل، بسبب وجود بدائل محتملة في المنطقة مثل ميناء جوادر الباكستاني في منطقة بحر العرب، ووجود موانئ أقرب للخط التجاري في البحر الأحمر في اليمن والصومال وجيبوتي وأريتريا والسودان. مما دفع إمارة دبي لفكرة إدارة وتشغيل موانئ في محيطها الحيوي وفي مناطق أكثر نشاطا، اعتمادا على خبرتها في إدارة ميناء جبل على في دبي صاحب السمعة العالمية.
حيث بدأت حكومة الإمارات في التوسع في نشاطها في مجال إدارة الموانئ فدخلت في عقود طويلة الأمد لتشغيل موانئ دوراليه في جيبوتي عام 2004 وميناء عدن اليمني وميناء العين السخنة في مصر عام 2008، كما حصلت على امتياز لتشغيل ميناء عصب في إريتريا عام 2015. المشكلة أن إدارة موانئ دبي كانت تتعمد التباطؤ في تطوير خدمات الشحن والتفريغ، لأن تطوير تلك الموانئ الحيوية التي تطل على البحر الأحمر وباب المندب ينقل تجارة الخدمات من ميناء جبل على إلى تلك الموانئ لوقوعها مباشرة على خطوط التجارة العالمية، الأمر الذي يترتب عليه تقليل النشاط الاقتصادي للميناء، وهو ما تخشاه إمارة دبي.
كانت تركيا تخطط لإنشاء منطقة اقتصادية في جيبوتي أواخر عام 2017، لتكون قاعدة تنطلق منها لشرق إفريقيا، وفي سبيل ذلك قامت بتعبيد طريق تاجورة الذي يربط بين جيبوتي وأثيوبيا |
الأمر الذي دفع اليمن في 2012 إلى إلغاء عقد شركة موانئ دبي المشغلة لميناء عدن بسبب التراجع الكبير في أداءه، حيث تراجع عدد الحاويات قبل العقد في عام 2008 من 492 ألف حاوية إلى 146 ألف فقط في 2012. ذلك الإجراء شجع حكومة جيبوتي لطرد شركة موانئ دبي من ميناء دوراليه فبراير 2018 بعد رفضهم توسعة الميناء أو إقامة أي منشآت عليه، الأمر الذ اعتبرته جيبوتي انتقاصا من سيادتها.
عمت الاضطرابات السياسية أثيوبيا في أخر 3 سنوات، والتي أسفرت عن استقالة رئيس الوزراء وانتخاب أبي أحمد من عرقية الأورومو في مارس 2018، وبعد تنصيبه مباشرة منحت الإمارات مساعدات لأثيوبيا بقيمة 3 مليار دولار، مقابل تحويل التجارة الإثيوبية من ميناء دورالية الجيبوتي الذي طردت منه الإمارات، إلى مينائي عصب الإرتري وبربرة الصومالي الذي يقع تحت الإدارة الإماراتية. وفي سبيل ذلك أعطت خمس أرباح ميناء بربرة الصومالي للحكومة الأثيوبية دون الرجوع للحكومة الصومالية، والتي ردت بإلغاء عقد إدارة ميناء بربرة بسبب تحويل جزء من الأرباح لإثيوبيا، الأمر الذي يعكس رغبة انتقامية من حكومة جيبوتي دون الأخذ في الاعتبار الحقوق المالية للحكومة الصومالية المركزية.
التواجد التركي الاقتصادي في جيبوتي وأثيوبيا
علي الجانب الأخر كانت تركيا تخطط لإنشاء منطقة اقتصادية في جيبوتي أواخر عام 2017، لتكون قاعدة تنطلق منها لشرق إفريقيا، وفي سبيل ذلك قامت بتعبيد طريق تاجورة الذي يربط بين جيبوتي وأثيوبيا، كما تجاوزت استثماراتها في أثيوبيا 3 مليار دولار تشمل مد خطوط سكك حديد وإنشاء العديد من المصانع، حيث تعتبر أثيوبيا من النمور الأفريقية في شرق أفريقيا وبتعداد سكان يقترب من 100 مليون نسمة، مما تعتبر سوق كبير للمنتجات التركية.
التواجد التركي في الصومال
بادرت تركيا بدعم الحكومة الصومالية منذ 2011 برغم الوضع الأمني والاقتصادي الهش حينها، وقدمت خدمات صحية وتعليمية في العاصمة مقديشو، كما ساهمت في مشاريع لحفر الآبار وتعبيد الطرق الرئيسية في العاصمة. كما قامت الخطوط الجوية التركية بربط الصومال بالمطارات الأوروبية حيث تدير شركة تركية مطار مقديشو منذ 2014، وفي نفس السياق قامت أحد الشركات التركية بالحصول على عقد لإدارة ميناء مقديشو القريب من خطوط التجارة العالمية، كما قام الرئيس التركي أردوغان بافتتاح قاعدة عسكرية تركية في عام 2017، لتامين المصالح التركية في القرن الإفريقي ولتدريب القوات الأمنية الصومالية.
التواجد التركي في السودان
وقعت تركيا مع السودان في ديسمبر 2017 عقدا لتأجير جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر لإعادة ترميمها على الطراز العثماني لأغراض سياحية، إلا أن زيارة وزير الدفاع التركي للجزيرة في أواخر 2018 عززت التكهنات بإقامة قاعدة عسكرية بها لتأمين المصالح التركية، ولحماية السودان من الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة من القاعدة العسكرية الإسرائيلية في أرخبيل دهلك الإريتري، حيث تم قصف السودان في عامي 2012 و2015 من قبل الطائرات الإسرائيلية تحت زعم ضرب مخازن سلاح لحماس في الخرطوم. كما قام أردوغان بتوقيع عقد لإنشاء أكبر مطار في أفريقيا في الخرطوم مقابل حق الإدارة لمدة 30 عاما، في إطار خطط الحكومة التركية لاقتحام السوق الإفريقية في مجال الخدمات الجوية والبحرية.
يعتمد المشروع التركي على الاستغلال الأمثل لطاقات وإمكانيات تلك الدول
التي تملك موقع استراتيجي متميز، الأمر الذي تعود بالنفع على شعوب المنطقة
وعلى المستثمرين الأتراك في نفس الوقت، في إطار المنافسة القوية مع التغلغل الصيني في المنطقة
استحواذ الإمارات على قناة السويس
في إطار الصراع الإماراتي مع تركيا على الوجود في البحر الأحمر أعلنت الحكومة المصرية في ديسمبر 2018، عن اتفاق بين هيئة قناة السويس وموانئ دبي لاستحواذ الأخيرة على نصف مشاريع المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس، في ما يشبه رد اعتبار أمام تركيا بعد طرد الإمارات من جيبوتي وإحلال تركيا محلها لتكون الشريك الاقتصادي للحكومة الجيبوتية.
لماذا انتصر أردوغان على الإمارات؟
وبالرغم من التشبث الإماراتي بالوجود في الصومال وتدخل المال السياسي والذي نتج عنه استمرار موانئ دبي في ميناء بربرة وإقامة قاعدة عسكرية بجوار الميناء، إلا أن ذلك الوجود لا يشكل تهديدا للاستثمارات التركية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، والتي تم التخطيط لها منذ سنوات، حيث تعمل عشرات الشركات في مجالات الطرق والموانئ والمطارات في السودان والصومال، وفي مشاريع تعبيد الطرق وإمداد سكك حديدية وتوليد الطاقة الكهربائية في أثيوبيا، ومشاريع لإنشاء طرق وسدود في جيبوتي.
كما أن القواعد العسكرية التركية في الصومال والسودان، بالإضافة للمنطقة الاقتصادية في جيبوتي تؤسس لرسوخ الوجود التركي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وهو الأمر الذي تخشاه الإمارات في إطار حربها على الإسلام السياسي في المنطقة. ومع توقيع قطر عقد مع الجانب السوداني لإنشاء أكبر ميناء للحاويات على البحر الأحمر في السودان في نوفمبر 2017، الأمر الذي أظهر التنسيق التركي القطري المشترك في التوجه نحو السوق الإفريقية الواعدة، مما يجعل من فكرة طرد التحالف القطري التركي من البحر الأحمر حلم بعدي المنال.
كلمة أخيرة:
مما سبق اتضح أن التواجد الإماراتي في خليج عدن والقرن الإفريقي كان من أجل منع وتثبيط أي مشروع خدمات لوجستية في موانئ البحر الأحمر وخليج عدن، من أجل الحفاظ على استمرار تدفق الحاويات إلى ميناء جبل علي، دون مراعاة لطموحات وآمال شعوب تلك المنطقة التي تئن من الفقر ولا ينظر لتلك المنطقة إلا كمنطقة لإقامة قواعد عسكرية للحماية من القرصنة. بينما يعتمد المشروع التركي على الاستغلال الأمثل لطاقات وإمكانيات تلك الدول التي تملك موقع استراتيجي متميز، الأمر الذي تعود بالنفع على شعوب المنطقة وعلى المستثمرين الأتراك في نفس الوقت، في إطار المنافسة القوية مع التغلغل الصيني في المنطقة، حيث تعتبر إفريقيا أرض بكر تحتوي على ثروات غير مستغلة وأسواق كبيرة مع فرص كبيرة للنمو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق