النظام الدولي لا يهدي وطنًا
تتزايد فرص ثورتي الجزائر والسودان في تحقيق النتائج المستهدفة، بقدر ابتعاد الثوار في البلدين الشقيقين عن الرهان على النظامين، الدولي والإقليمي، في دعم الحراك.
أظهرت تجارب ثورات الربيع العربي منذ العام 2011 أن هذا النظام الدولي المزعوم اضطلع بدور كبير في إجهاض هذه الثورات، والالتفاف عليها، وتفريغها من محتواها التحرّري، والقضاء عليها بالانقلابات والثورات المضادة.
ولعل أروع ما في المشهدين، الجزائري والسوداني، أن الثوار لا يراهنون إلا على شعبهم، ولا يرهنون أحلامهم وتطلعاتهم بالمواقف الدولية والإقليمية، ولم يقفوا على أبواب القوى العالمية، أو يطرقوا أبواب حكوماتٍ أو مجالس تشريعية، في هذه العاصمة أو تلك، ذلك أنهم شاهدوا كيف تتحول الثورات إلى أضغاث أحلام وكوابيس، بالاعتماد على أطراف دولية تدرك أن التحكّم في مفاصل المنطقة العربية مرهون بإقصاء الشعوب وإخراجها من معادلات السياسة.
والشاهد أن الحضور الدولي والإقليمي يأتي غالبًا في صف المشاريع المناهضة للثورات، وها هي الساحة الليبية تقدّم كل يوم دليلًا على التورط الدولي والإقليمي الكامل في قتل أية فرصة للشعب الليبي في الكفاح ضد الجنرال المكلف بالقضاء على أية إمكانية للتغيير الديمقراطي في ليبيا، إذ تحارب فرنسا الماكرونية في الصفوف الأولى لقوات خليفة حفتر، ولا تتورّع عن إقحام نفسها طرفًا في الصراع، تحت عناوين استعمارية صريحة، تنتمي كليةً إلى عصور الهيمنة الكولونيالية الصريحة في منتصف القرن الماضي.
وما نشهده في الساحة الليبيبة عينه ما جرى في كل من سورية واليمن، ربما من دون اختلاف في اللاعبين وأدوارهم، حيث المحور الإقليمي المعادي لثورات الشعوب، ممثلًا في الإمارات والسعودية ومصر، جاهز دائمًا لتنفيذ مهامه في الحرب على الثورات، مكلفًا من العدو الأول والمباشر والصريح لربيع الشعوب العربية، وهو الكيان الصهيوني الذي قاد ما يسمى النظام الدولي للحفاظ على بشار الأسد حاكمًا على سورية.
وبالنظر إلى الحالة المصرية، فإن أحد أسباب إصابتها بالهزال والعجز وقلة الحيلة أنها استسلمت لأوهام مبكرة، روجها دجالون محترفون، تقول إن حلحلة المعضلة مرهونة بالمواقف الإقليمية والدولية، من أو ذلك المهرج الذي استثمر في تسويق أكذوبة أن رحيل العاهل السعودي، عبدالله بن عبدالعزيز، وصعود أخيه سلمان إلى قمة السلطة، يعنيان بداية العد التنازلي لسلطة الانقلاب في مصر، وليس انتهاء بتلك المجموعات التي تفتش عن الحلول في الكونغرس الأميركي والبرلمانات الأوروبية، ومرورًا، بالطبع، بأصنافٍ من التجار والسماسرة الذين ردّدوا على مدار سنوات ثلاث على الأقل أن النظام الدولي مستعدٌّ للتدخل لفرض التغيير في مصر، شريطة تقديم البديل المدني المقبول، والتخلي عن جوهر المسألة المصرية وإسقاط الرئيس المنتخب، المنسي في ظلام الزنزانة، من الذاكرة الوطنية.
هذه الأوهام التي راجت على نطاق واسع خلال سنوات، وأراد أصحابها من قطاعٍ هائلٍ في جماهير الثورة المصرية أن يوقعوا صكوك الاستسلام، وتسليم مفاتيح المستقبل لتلك البدائل المدنية المزعومة، ذات الثقل الدولي، سقطت بالتجربة العملية، وكل ما أسفرت عنه أنها مكّنت النظام الانقلابي في مصر من مضاعفة كميات الدعم والإسناد الدولي والإقليمي، مواصلًا طرح نفسه سلاحًا طيعًا، ورخيص الكلفة في يد القوى التي تعيد استعمار المنطقة بمشروع الحرب على الإرهاب، الذي هو الإسلام السياسي، أو بالأحرى هو الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي.
والحاصل، فعليًا، أن تلك المشاريع الثورية التجارية التي تطرح نفسها بديلًا مدنيًا مستجيبًا للرؤى الدولية للمنطقة، ومشاطرًا لها في ضرورة استبعاد الإسلام السياسي من معادلات الحاضر والمستقبل، تتحول، بوعي أو من دون وعي، إلى وقودٍ إضافي ومجانيٍّ للرواية الكولونيالية، الرواية التي تبدأ من مصلحة العدو الصهيوني وتنتهي إليها.
أخيرًا، والأبصار والقلوب معلقة بمسارات المشهدين، الجزائري والسوداني، أكرّر ما قلته قبل سنوات إن البديل لا يُصنع في الخارج، أو يُستورد منه، بل هو هناك تحت أقدام من يبحثون عنه، في تربةٍ لا تمنح زرعها إلا لمن يوفيها حقها من الكفاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق