الأحد، 1 مارس 2020

اتخذنا الشيطان إماما!!

اتخذنا الشيطان إماما!!
الأربعاء , 2 يوليه , 2014
 د محمد عباس

دعوني أسرد عليكم هذه الحكاية من القصص الشعبي المفعم بحكمة الأجيال عبر الزمن، إذ يحكى أن رجلا كان يذهب لصلاة الصبح في المسجد كل صباح فأراد الشيطان أن يعطله عن صلاته فكمن له في الطريق إلى المسجد بعد أن تشكل في صورة أحد أصدقائه، وتصنع الشيطان في صورة الصديق أنه سيصحبه إلى المسجد للصلاة معه، وفي الطريق صرخ الشيطان فجأة لأن شوكة دخلت في قدمه وطلب من صديقه أن يخرجها، وهرع الصديق لنجدة صديقه الذي مدّ قدمه ففوجئ الرجل أن القدم ذات حافر مشقوق، فأدرك والرعب يكاد يقتله أنه الشيطان يعبث به فصرخ عاليا، وانطلق لا يلوي علي شيء والشيطان يقهقه خلفه، كان يجري مبتعدا عن طريق المسجد، و ظل الرجل يجري حتى أدرك حيهم فقابل جاره في طريقه إلى المسجد، و حاول الجار أن يهدئ من روعه حتى هدأت نفسه، فسأله عما أفزعه كل هذا الفزع، فأخذ الرجل يحكي له الحكاية حتى وصل إلى الحافر المشقوق فتساءل الجار : مشقوق مثل هذا؟ ومد قدمه فإذا به هو الآخر مشقوق وأدرك الرجل أن الشيطان قد تجسد في صورة جاره، فولى منه فرارا بعد أن ملئ رعبا، واندفع يجري حتى أدرك شارعهم فوجد أخاه خارجا من بيته متوجها للمسجد، و حاول أخوه أن يهدئ من روعه حتى هدأت نفسه، فسأله عما أفزعه كل هذا الفزع، فأخذ الرجل يحكي له الحكاية حتى وصل إلى الحافر المشقوق فتساءل أخوه : مشقوق مثل هذا؟ ومد قدمه فإذا به هو الآخر مشقوق وأدرك الرجل أن الشيطان قد تجسد في صورة أخيه، فانطلق يجري صائحا وهو من الرعب في غاية، إلى أن وصل إلى بيته فهرعت إليه زوجته وأخذت تهدئ من روعه متسائلة عما به، فأخذ يحكي لها عما ألم به حتى وصل إلى الحافر المشقوق فمدت زوجته قدمها صائحة به : مثل هذا ؟

لا تذكر القصة الشعبية تلك نهاية الحكاية ، أغلب الظن لأنها بلا نهاية.

تذكرت هذه الحكاية وأنا أرقب المسيرة الدامية للأمة عبر القرنين الأخيرين.
فحكاية الليبرالية كحكاية الاشتراكية كحكاية الماركسية كحكاية القومية العربية تشبه قصة ذلك الرجل الذي روعه الشيطان ليصرفه عن الصلاة حين تشكل بشكل صاحبه و جاره و أخيه وزوجته، ولم يكن أيا منهم، والنهاية المفتوحة للقصة توحي بإمكانيات للخداع لا حصر لها.

القومية العربية هي العلمانية هي الليبرإلية هي الرأسمإلية هي الاشتراكية هي الشيوعية هي البراجماتية هي الحداثة هي ما بعد الحداثة هي النظام العالمي الجديد..

هي أيضا الحرية و الإخاء و المساواة هي الديموقراطية هي تحرير المرأة هي القطرية هي الماسونية هي الروتاري هي الليونز هي العولمة ..

هي كل ذلك وكل ما قبله وكل ما بعدة .. إلى ما لانهاية..

لكن هذا التعدد كله لا يحمل داخله أي ثراء و لا أي تنوع، فما كل واحدة مما ذكرت إلا شكلا، مجرد شكل تجسد الشيطان فيه..

نعم..

شكل تجسد الشيطان فيه..

و كلما انكشف منها شكل لجأ إلى شكل آخر..
و كانت – دائما – كل الأشكال خداع وما كان سوى الشيطان.
و الكفر ملة واحدة..
و لن يختلف الأمر حين يرتد المسلم إلى ماركسية أو قومية أو علمانية..أو..أو..أو..

نعم..

تجسد الشيطان نفس الشيطان في كل اتجاه من تلك الاتجاهات..

الصديق الذي تجسد الشيطان على صورته لم يكن فيه من الصديق أي شئ، و لا من الجار و لا من الأخ و لا من الزوجة.

كان الشيطان خالصا بلا زيادة ولا نقصان.

و كان الهدف كله هو الخديعة..
في الحكاية أن يصرف صاحبنا عن صلاة الصبح..

و في القومية و مرادفاتها كان الشيطان هو نفس الشيطان و إن اختلفت تجسداته، وكان هدفه في كل الأحوال أن يصرفنا عن الدين كله.

لا أريد أن أصدمكم و لا أن أدعكم تشعرون بالفجيعة و أنتم تستعيدون ماضيا فعل فيه الشيطان بكم أكثر مما فعله بصاحبنا ذاك..

ففي القومية كان هناك طائفتان: الأقلون ، فلاسفة القومية و قادتها و مفكروها و كتبتها و طائفة المنتفعين بها، و جل أولئك كانوا يدركون أن القومية مروق من الإسلام..

أقول جل.. لأن هناك استثناءات نادرة أدعو الله أن يغفر لها بالجهل..

أما الغالبية العظمى من تلك الفئة الأولى فقد كانت تدرك منذ البداية أن القومية خروج على الإسلام.

الطائفة الثانية هي الأغلبية ، هم الناس في الشارع، هم الجماهير الذين أضلهم سادتهم فضلوا، تلك الأغلبية المسكينة التي خدعتها الأقلية كان وضعها أسوأ من وضع صاحبنا ذاك الذي حكيت لكم للتو حكايته..

لأن هذه الأغلبية لم تكتف من الغنيمة بالإياب، لم ترجع عن المسجد فقط، بل راحت تصلي خلف الشيطان نفسه..

نعم ..

كان الشيطان لهم إماما..

و كانوا يحسبون أنهم لم يثلموا من الإسلام شيئا.
غفر الله لهم بجهلهم.
***
لو صفي الفكر و استقام العقل و صلحت النية لكان مثلا واحدا من سيرتنا كافيا لوأد كل تلك الأفكار المستوردة منذ البداية، كان يكفي مثلا لوأد فكرة القومية يوم ولدت، ذلك أن سيدنا بلال بن رباح، العبد الحبشي، أفضل بما لا يقاس من أبي طالب، العربي القرشي، عم النبي صلى الله عليه و سلم و سنده في الدين.

ألم تكن تلك فقط كافية لتدحض فكرا نتنا متخلفا يقوم على التمايز بين الناس على أساس العنصر والجنس؟.
***
التمايز على أساس العنصر..
العنصر..
فهل نسينا..
ألم تكن تلك خطيئة إبليس حين ظن أن عنصره الناري أسمى من عنصر الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام.

حقا..

فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور..

بقلم المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق