أسامة مرسي الذي يضرب سمعة مصر
حتى الآن، قارب عدد الدول التي قرّرت تعطيل الدراسة وإغلاق مدارسها على 20 دولة، منها دول عربية آخرها الجزائر، ولم نسمع أن سمعة واحدة من هذه الدول تأثرت سلبًا أو أن صورتها اهتزّت، بل حدث العكس حيث يحترم العالم حكومات الدول التي تنطلق في حركتها من أن أولويتها هي حياة المواطن وسلامته وأمنه.
فعلتها نيويورك وولايات أميركية أخرى، كما فعلتها دول في أوروبا وآسيا، ولم يحدث انهيار في الاقتصاد، ولم تتراجع السمعة، ولم يُصب الشرف الوطني بالأذى، ولم يعتبر المسؤولون عن الصحة والتعليم في هذه الدول أن الإقدام على إجراءاتٍ وتدابير طارئة دليل ضعف في الإدارة أو علامة فشل.
أما في مصر فالوضع مختلف، إذ لا صوت يعلو فوق صوت الفاشية، ينطلق ناعقًا من البرلمان أو من ميكروفون المسجد، أو أوكار الإعلام المتلفز، كلهم لا يستطيعون إدراك أن الدولة ليست ذلك الصنم الأصم، وإنما هي الفرد، حرًا وسليمًا وآمنًا، كلهم لا يفهمون أن الوطن هو المكان الذي يتشارك ويتساوى فيه مجموع المواطنين..
الوطن هو الإنسان، وليس ذلك المنتجع الذي يستولى عليه ويتربّح منه ويستثمر فيه مجموعة من التجار المغامرين، يلتفّ حولهم فريقٌ من النهازين الخطافين، يحسبون كل صرخة أو نداء أو فكرة أو رأي لمواطن خطرًا على "الوطن" في أقبح معانيه وأبعدها عن المفهوم الحقيقي له.
من نائبٍ في برلمان يحارب ضد مقترح تعليق الدراسة لمواجهة كورونا الذي ترقى من كونه مرضًا عابرًا إلى وباءٍ يجتاح الكوكب كله، بحسب منظمة الصحة العالمية، مرورًا بالمفتي الضال المضلل الذي لم يجد في الجائحة سوى فرصة سانحة لمزيد من التحريض الفاشي ضد الإخوان المسلمين، وليس انتهاءً بالمسؤول الشرير الذي ترك كل شيء، وقرّر تخصيص أرقام هاتف لكي يبلغ المواطنون على بعضهم بعضا فيما يخص الأخبار والحكايات التي يتناقلها الناس عن الفيروس، على اعتبار أن إدارة المشروع الاستثماري المسمّى "الوطن" لا تكذب أبدًا، وأن كل المواطنين الذين هم بنظرها زبائن ومستهلكين كاذبون.
لا يفهم أي من هؤلاء أن وطنًا بلا إنسانية هو للخرائب أقرب، ودولة من دون عدل هي معسكر تعذيب كبير.
لذا من الطبيعي ألا يشعر أحدٌ من نواب برلمان يدار بفكر السجان بأن الإساءة الحقيقية لسمعة مصر هي أن يُقتل رئيسها المدني المنتخب داخل محبسه محرومًا من العلاج والزيارة، وأن يصفّى ابنه الأصغر بعده بشهرين، ثم يكون الابن الأكبر أسامة محمد مرسي عرضةً للقتل في سجنه الذي يقبع فيه منذ أربع سنوات، محرومًا من رؤية طفله الذي جاء إلى الدنيا، وهو في سجنه، بحسب البيان الصادر عن الفريق القانوني البريطاني الذي يتولى الدفاع عن أسرة الرئيس الراحل.
سمعة مصر لا يضيعها اتخاذ تدابير وقائية تصل إلى إغلاق المدارس كما فعلت عشرات الدول المحترمة، وإنما ما يهدر هذه السمعة ويمرّغها في الوحل أن يكون القضاء فيها أداة انتقام من المعارضين، مثل الوزير محمد علي بشر الذي كان النظام الانقلابي يتفاوض معه أكثر من عام، بعلم وعن طريق أطراف دولية، ثم اعتقله وألقى به في السجن عام 2014 ثم يلفق له، وهو في زنزانته محرومًا من الزيارة والعلاج والتريض، تهمة اغتيال النائب العام بعد حبسه بأكثر من عام.
سمعة مصر أهينت وتهان باستمرار التنكيل الإجرامي بعشرات الآلاف من المسجونين والمعتقلين ظلمًا، حتى لقي بعضهم حتفه، تعذيبًا وإهمالًا وحرمانًا من العلاج، فيما ينظر النظام بسخرية لدعوات تطالب بالإفراج عن المعتقلين قبل أن يفترسهم وباء كورونا في زنازينهم.
سمعة مصر يسقطها استمرار تجاهل صرخات واستغاثات متواصلة تطالب بالكشف عن مصير النائب الشاب الطبيب مصطفى النجار الذي تم اعتقاله وإخفاؤه قسريًا منذ أكثر من 500 يوم تاركًا وراءه أطفالا وزوجة وأسرة تنتحب ولا مجيب.
سمعة مصر خدشت، حين أقدمت سلطتها على استباحة حياة المعارضين واستحلال أموالهم وممتلكاتهم، تصادرها وتستولي عليها، وتنفق منها على تسمين وحوش الإعلام الفاشي، وكأنها سلطة احتلال.
سمعة مصر الطيبة لا يمكن أن تتحقق مع إعلان سلطتها حربًا على نساء الزنازين، وتدمير الأسر وتمزيق المجتمع أشلاء يخاف بعضها بعضًا.. ولن تأتي من الإصرار بعناد جهول على عدم تعليق الدراسة.
باختصار: سمعة مصر لا تأتي من مواصلة الكذب على العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق