الجمعة، 25 يونيو 2021

عقبة ابن نافع ومؤاخاة المهاجرين والأنصار

 عقبة ابن نافع ومؤاخاة المهاجرين والأنصار

د.محمد عباس


 فى سنة 55 هجرية كان عقبة بن نافع قد أسس مدينة القيروان وبدأ يعد العدة للخروج إلى الغزو الواسع الكبير ليدين المغرب كله للراية العربية الإسلامية. لكن معاوية عزله وولى مكانه المهاجر بن أبى دينار وهو أحد موالى والى مصر حينذاك، والذى كان قد أمره أن يهين عقبة حتى أنه حبسه قيده بالحديد. وواصل المهاجر بن دينار فتوحاته فى أفريقيا بنجاح واستطاع استمالة أعداد هائلة من البربر حيث أسلم أميرهم كسيلة الذى أصبح من المقربين من المهاجر بن أبى دينار وأسلم معظم قومه وشاركوا المسلمين فى حرب الروم. وفى سنة 60 هجرية أعيد عقبة بن نافع إلى موقعة بعد عزلوا غريمه و أوعزوا له أن يقتص مما فعله أبو المهاجر به، و أسرف عقبة فى الانتقام حيث أمر بتكبيل أبى المهاجر بالحديد و أن يكون برفقته على الدوام. وهنا تتبدى العظمة السابغة، فإن المكبل بالحديد أخذ ينصح عقبة بن نافع فيما فيه صالح الإسلام والمسلمين، أخذ ينصحه بأن يتألف قلب كسيلة حرصا على تحالفه، لكن عقبة لم يسمع له و أخذ يسىء معاملة كسيلة، ونسى أبو المهاجر ما هو فيه، ونسى صداقته لكسيلة، تذكر فقط صالح الإسلام والمسلمين، فتوسل إلى عقبة أن يحبس صديقه كسيلة لأنه يرى نيته على الغدر بعد أن أسيئت معاملته، ومرة أخرى لم يسمع عقبة، وصدقت ظنون أبى المهاجر فهرب كسيلة وارتد عن الإسلام، وواصل عقبة بن نافع انتصاراته الباهرة حتى وصل إلى شاطئ المحيط ووقف بعد أن خاض فرسه فى الماء قائلا: يا رب، لولا هذا البحر لمضيت فى البلاد مجاهدا فى سبيلك، وفى أثناء عودته، أمر أصحابه أن يسبقوه بمعظم الجيش ثقة منه بما نال من العدو و أنه لم يبق أحد يخشاه.وفى الطريق، وكان معه خمسة آلاف من بقية جنده، وكان أبو المهاجر ما يزال فى صحبته موثقا بالحديد، وقع الجميع فى كمين من كسيلة وقومه حيث جمع لهم جيشا من خمسين ألف مقاتل .و طلب أبو المهاجر فك وثاقه كى يقاتل دفاعا عن الإسلام والمسلمين، و أمر عقبة بفك وثاقه، وهنا دارت أغرب مجادلة يمكن أن تحدث خلال التاريخ كله، فقد راح العدوان اللدودان يتنافسان لا على من ينجو بل على من يستشهد، أمره عقبة أن يلحق بالجيش و أن يتولى قيادته و أن يتركه هو ليواجه كسيلة وقومه حتى يغتنم الشهادة، لكن المهاجر أبى، قال له أنه هو القائد وأن الجيش بدونه يمكن أن يتفتت، طلب منه هو أن يلحق بالجيش على أن يبقى هو فى فريق من الجند يبايعون على الاستشهاد كى يعطلوا كسيلة عن تعقب عقبة بن نافع، أصر على أن يستشهد هو دونه، ورفض عقبة مكررا أنه منذ خرج فى سبيل الله كان يطلب الشهادة وقد حان أوانها، و أصر كل من الرجلين على موقفه، ارصدوا هنا النبل حتى أقصاه، لقد أصر كل من الرجلين على موقفه، وفى النهاية قررا خوض المعركة جنبا إلى جنب، وخاضاها مع من معهما من الجيش فاستشهدا واستشهد الجيش كله.. لم ينج إلا واحد …!!

هذا الواحد نقل للجيش ما حدث..
وكان الإيثار والتضحية وقودا نوويا للجيش كله.. فاندفع يعوض الهزائم ويكرس الانتصارات حتى استقر الأمر للإسلام.. منذ ذلك الوقت وحتى الآن..
بمثل هذا الإيمان واليقين والتوحيد كانوا ينتصرون ويسودون الدنيا..
كانت كل الخلافات تقف عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين.
هكذا كان الإيمان والتوحيد والولاء والبراء وبمثله كانوا ينتصرون..
فتوقفوا عن خلافاتكم..اجتمعوا.. تآلفوا.. تآخوا.. مؤاخاة المهاجرين والأنصار..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق