الثلاثاء، 29 يونيو 2021

صُكوكُ الغفران بين السعافين ونزار

 

صُكوكُ الغفران بين السعافين ونزار


يُذكِّرُني (نزار بنات) بـ(عصام السعافين).. كِلا الرجلين قُتلَ تحت التعذيب في سجون تُجَّارِ القضية.. الأول عَذَّبَتهُ (سلطة فتح) حتى الموت هذه الأيام، والثاني عَذَّبَتهُ (سلطة حماس) حتى الموت العام الماضي!!
يقول العوامُ في غزة:" الدنيا ثلاثة أيام: يومٌ لفتح، ويومٌ لحماس، ويومُ القيامة"!!
أهل غزة الذين استبشروا خيراً بيوم حماس؛ اكتشفوا- بعد سنوات من التجربة- أنَّ:
المستجير بعمرو عند كُربته
كالمستجير من الرمضاء بالنارِ
انتظارهُم لليومِ الثالث يبدو أكثرَ واقعيةً من خلاصهم من أصحاب اليومين!!
***
تكمن عبثية المشهد في عدم اكتفاء الإخوة الأعداء بقمع الص،،هاينة لهم ولأشقائهم؛ فيزيدون الطين بلة بممارسة القمع التبادلي على بعضهم البعض تحت شعار:" نحملُ القمعَ للجميع"!!
المُدهش أنَّ هذه المناكفات التي يدفع الفلسطينيون من الجانبين ثمنها دماً وقوتاً وشتاتاً؛ لم يعد لها ما يبررها على أرض الواقع، خاصةً بعدما تماهت الحدود الفاصلة بين فتح وحماس إلى الحدِّ الذي لا نكاد نعرفُ فيه الفتحاوي من الحمساوي إلا باللحية.. وما أقلَّ غَنَاءَ اللحية إنْ تساقطت مبادئ صاحبها!!
مقتل السعافين العام الماضي على يد زبانية حماس لم يحظ بذات الضجة الإعلامية التي حظي بها مقتل نزار على يد زبانية فتح هذه الأيام.. ربما لأنَّ قاتل السعافين هو المجرم الخاص بنا.. المجرم الذي (نَبلعُ له الزَّلَط).. المجرم الذي يجوز له ما لا يجوز لغيره.. (والقِردُ في عين أمه غزال)!!
***
تقول سلطة عباس اليوم: إنَّ نزار بنات مات بسبب مشاكل صحية خاصة!!
يضحك الجميع ضحكة رقيعة، ويتذكرون (خاشقجي)!!
قالت سلطة السنوار بالأمس: إنَّ عصام السعافين مات بسبب مشاكل صحية خاصة!!
ضحك الجميع ضحكة (محتشمة) احتراماً لللحية والمسبحة، وتذكروا أيضاً (خاشقجي)!!
ولأنَّ فتحاً وحماساً يملكان صكوكَ الغفران وعقودَ مراتب الشهادة؛ فقد أصدرت سلطةُ فتح العام الماضي بياناً نَدَّدتْ فيه بالقمع في سجون حماس، واعتبرت عصام السعافين شهيداً.. كما أصدرت سلطة حماس هذه الأيام بياناً نَّدَّدتْ فيه بالقمع في سجون فتح واعتبرت نزار بنات مناضلاً شهيداً!!
المذهل في الأمر أن نزار بنات- الذي رفعته حماس إلى مقام الشهادة- لم يكن شبيحاً لنظام الأسد وميلشيات إيران فقط؛ بل كان يتشفى ويشمت ويسخر من دماء السوريين وعذاباتهم، ويحتفل بتهجيرهم في الباصات الخضر، ويتوعد أهل الغوطة وإدلب بمن سماهم جنود سوريا الأبطال، ويثني ليل نهار على ميلشيات القتل الإيرانية التي أحرقت الأخضر واليابس في الشام والعراق واليمن.. حتى وصلت به الوضاعة إلى الشماتة في مقتل الناشط السياسي اللبناني (لقمان سليم) على يد مجرمي حزب اللات اللبناني!!
وضاعة هذا المغدور لم تقتصر على أبناء دينه وقوميته المسلمين والعرب في الشام والعراق واليمن؛ بل وصلت إلى أبناء وطنه الفلسطينيين أنفسهم، فقد تفاخر- في تسجيل مصورٍ له- بأنه كان من القلائل الذين أيدوا حماس في قمعها لحراك (بَدنَا نعيش) في غزة، وأنَّه تَفَرَّدَ بالدعوة لقمع الحراك قائلاً:" حراك بدنا نتحرر وبدنا نعيش يجب قمعه"؛ مخالفاً بذلك- على حد قوله- منظمات حقوق الإنسان، والجبهة الشعبية، وحزب الشعب، وفتح، والجهاد الإسلامي، الذين وقفوا مع الحراك، ومنتقداً لهم!!
الغريب أن الرجل- في تسجيلاته- يستخدم كلمة (القمع) بأريحية شديدة وكأنه يلقي التحية على أصدقائه في الشارع، مستهيناً بالكلمة وبمعناها وبمواطنيه الفلسطينيين الذين ستقع آثار الكلمة الدموية عليهم.. مما جعلني أربط- سببياً- بين طريقة قتله وبين استهانته بالدعوة صراحةً للقمع والقتل؛ متذكراً قول الشاعر:
مَن يَحتَفر حفرةً يوماً سينزلها
فإن حَفَرتَ فَوسِّع حين تَحتفرُ
أمَّا حراك (بَدنا نعيش) لمن لا يعرفه- مِن الذين لا يعرفون شيئاً عن حماس إلا من خلال برنامج (ما خفي أعظم) على قناة الجزيرة-؛ فهو حراك شعبي سلمي دعا إليه بعض النشطاء السلميين سنة 2019 تنديداً بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب.. وانطلقت مظاهرات الحراك السلمية في جباليا، ودير البلح وخانيوس والبريج.. وغيرها.
وكما ترى الآن قمعَ سلطة عباس للمتظاهرين.. وكما رأيتَ تَعاملَ الأنظمة العربية مع المتظاهرين السلميين؛ قامت ميليشيات حماس بعمل الشيء ذاته فلاحقت المتظاهرين في الشوارع بالعصي والهراوات، وسحلت بعضهم، وأطلقت الرصاص الحي على بعضهم، واقتحمت البيوت واعتقلت عشرات من المتظاهرين رجالاً ونساءً.. ولم يسلم الصحفيون أنفسهم من هذه الإجراءات؛ فمُنعوا من التغطية الإعلامية وصودرت أجهزتهم واعتُقل بعضهم.. وما تراه من تسجيلات مصورة عن الحراك في اليوتيوب الآن هو توثيق فردي عبر حسابات شخصية في مواقع التواصل، وهو- مع قِلَّتِهِ- يُظهر مدى العنف الذي مارسته سلطة حماس ضد هذه التظاهرات السلمية.. ولولا ظهور اللهجة الغزاوية في بعض المقاطع المنشورة ما ظَنَّ الرائي إلا أنَّ الأمن المركزي المصري يُفرق مظاهرةً في مصر!!
هذا الحراك السلمي الغزاوي هو الذي تفاخر نزار بنات بالدعوة لقمعه.. تماماً كما يدعو أيُّ سيساوي الآن لقمع الإسلاميين وقتلهم!!
كل هذا في كفة وتجرؤ هذا المغدور على سَبِّ الله جل وعلا والسخرية من بعض الشعائر الإسلامية في كفة أخرى، فقد وصل به الحال إلى أن يكتب لأحدهم قائلاً:" ليذهب ربك إلى المزبلة إن نصر وطنك التافه".. تعالى الله جل وعلا عن ذلك علواً كبيراً.. بالإضافة إلى تغريداتٍ أخرى لا يُمكن لأشد الحمقى إرجاءً ألا يعتبرها كفراً بواحاً عنده من الله فيها برهان!!
المضحك المبكي في الأمر.. أنَّ صكَّ الشهادة الممنوح لهذا السَابِّ لله عز وجل لم يصدر ابتداءً من سلطة فتح العلمانية؛ بل من سلطة حماس الإسلامية!!
(لا يضر مع الولاء لحماس ذنب، ولا تنفع مع البراءة من حماس طاعة)!!
هذا ما يقوله لك هذا الصك الممنوح لساب الله من قِبَلِ الذين يَدَّعُونَ أنهم يجاهدون في سبيل الله!!
***
حين قلنا من قبل:" لن تتحرر فلسطين إلا إذا سَقَطَتْ (القضية الفلسطينية)، ولن تسقط القضية الفلسطينية إلا إذا صار الإسلام هو القضية"؛ هَبَّ أوشابٌ من الإسلاميين الذين لا يزالون يعيشون (على قَدِيْمِه) ليتهموننا بالفذلكة اللغوية، وغَمْزِ ولَمْزِ ما يسمونها المقاومة.. وإنه لمن أعجب العجب أن تُذَكِّرَ الناس بالأصول والأسس والغايات فلا يعترض عليك العلمانيون بقدر ما يعترض عليك إسلاميون أعماهم التحزب.. حتى لقد صارت مناقشاتنا للعلمانيين حول الإسلام أهون من مناقشتنا للإسلاميين حول أصولهم.. وإنه والله لمرارٌ طافح!!
***
هَا قد رأيتَ أيها الأحمق البائس أن القضية الفلسطينية، بل القضية الغزاوية، بل القضية الحمساوية؛ صارت- عند حزبك الإسلامي- صنماً يُعبد من دون الله، وأنَّ صَكَّ الشهادة يُمكن أن يُعطى لسابِّ الله عز وجل ما دام هذا السَابّ من حزبنا وطائفتنا وجماعتنا!!
أعرفتَ الآن الفرقَ بين القضية الفلسطينية والقضية الإسلامية؟!
أعرفت الآن أهمية تحديد المنطلقات وتأسيس الأسس والتذكير بالغايات؟!
أعرفت الآن أنَّ القضية الإسلامية- التي تَدَّعِي ألا فرق بينها وبين القضية الفلسطينية- ليس لها وجود واقعي إلا في خيالك المعتمد على أدبيات قديمة تجاوزها تُجَّارُ القضية منذ زمن، ثم ثبتوها في عقلك بالسحر الإعلامي والشعوذة الدعائية؛ لتظل معهم وحولهم كحمار الرحى تدور والمكان الذي ارتحلت إليه هو الذي ارتحلتَ عنه!!
فإن تحامقتَ للمرة الألف وقلتَ: إنَّ هذا من قبيل المناورات السياسية والمناكفات الحزبية التي لا تُسقطُ هُويةً ولا تهدم أساساً؛ فأخبرني عن الحَدِّ الذي يمكن أن يقف عنده هؤلاء التجار الإسلاميون بعد سَبِّ الله عز وجل والسخرية من شعائر الإسلام؟!
أخبرني عن الحَدِّ الذي إذا وصل إليه هؤلاء اقتنعتَ بما اقتنعنا به فيهم، بعدما كنا أشدَّ منكَ حباً وتبريراً وتفهماً لهم.
احذر أن يُعميكَ التعصب للبشر عن الغضب لرب البشر فتكون كالذي قال لمسيلمة:" والله إني أعلمُ أنك كاذب وأنَّ محمداً صادق ولكن كذاب ربيعة أحبُّ إليَّ من صادق مضر"!!
إنَّ القضيةَ ليست فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن أو مصر.. القضية الإسلام، فمن انطلق منه انطلقنا معه، ومن انطلق من وطنية يعبدها أو حزبية يمجدها فإلى حيث ألقت.. هو وما انطلق منه!!
***
نزار بنات لم يكن أكثر من مُجرمٍ تلفظ بألفاظ كُ...فرية واستهان بعذابات ملايين المسلمين في الشام والعراق واليمن، وحرض على قمع مواطنيه في غزة، وسخر من الدماء المسفوكة، وشمت في مقتل أمثاله من النشطاء.. وكم كنا نتمنى ألا يموتَ على يد هؤلاء المجرمين بهذه الطريقة البشعة التي كان يتمناها هو لخصومه من أبناء دينه وقوميته ووطنه؛ ليقف أمام قضاءٍ شرعي عادل فَيُحَاكَمُ ويُحْكَم أو يُسْتَتَاب فيتوب.. ولكن أنَّى ذلك ولا شرع ولا شريعة!!
***
لقد أظهرَ هذا المغدور للناس إجراماً وك.. فراً.. والناس تحكم بالظاهر، والباطن والختام أمره إلى الله، بيد أنَّ رَفْع هذا وأمثاله إلى مرتبة الشهادة يدل على أنَّ الإسلام صار ألعوبةً في يد بعض الإسلاميين، وأنَّ معقد الولاء والبراء الحقيقي ليس الله أو الإسلام؛ بل القضية الفلسطينية التي بدأت إسلامية، ثم أصبحت قومية ثم صارت وطنية ثم تحولت غزاوية.. ثم كأنما هانت على الله وعلى الناس حتى سُخِطَتْ حمساوية!!
أبوكَ أبٌ حُرٌّ وأُمُّكَ حُرةٌ
وقد يَلِدُ الحُرَّانِ غَيرَ نَجِيبِ

جانب من حراك بدنا نعيش


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق