الإصرار رغم الانكسار ضد اليأس والانهيار..!
السعيد الخميسي
** ما أجمل العطاء والإصرار حين يكون وقت الانكسار.
قد يصاب الإنسان في حياته بأي مصيبة لاقدر الله فيسقط في بئر اليأس ويغرق تحت موج الهموم والغموم ولايستطيع أن ينتشل نفسه فتسحبه أمواج الاستسلام إلى قاع البحر حيث يتوارى هناك في ظلمات فوقها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها من هول الظلام ومرارة الآلام. لكن في لحظة جوهرية يرى الإنسان خيطا رفيعا من الأمل فيتمسك به كي ينجو بنفسه إلى شاطئ الحياة مرة أخرى وينجو من موت محقق قد قاب قوسين أو أدنى. ** قد تهب ريح عاصف فتهوي بها النخلة الشاهقة إلى الأرض ولكنها رغم الألم والانهيار لاتتوقف عن العطاء والثمر وتأبي الموت رغم مرارة السقوط، هكذا الإنسان القوى قد تلم به الملمات وتعتريه الأحداث الجسام فلايستسلم ولايسقط وإن سقط على الأرض فسرعان ماينهض كالاسد الجريح يزأر بقوة ويرفع رأسه بعزة فيخشاه الجميع. الحياة ليست نزهة خلوية في ليلة قمرية ولكن الحياة كفاح وجهاد ومعارك مستمرة مع النفس والهوى والشيطان.
**هاهو الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي يقول :
سأظل رغم الداء والأعداء … كالنسر فوق القمة الشماء
وهل هناك أعداء للإنسان أشد خطورة من الداء والذين يتربصون به ليل نهار حتى يستسلم وينهار؟ إنها روح الصمود والعزة والتحدي عندما تسري في نفس الإنسان سريان الدم في العروق. كم من بلاد ضعيفة قاومت المحتل القوى الغاشم وانتصرت عليه وأخرجته من بلادها يجر اذيال الخزي والعار والهزيمة كالثعلب الذي قطع ذيله فظل يصرخ ويعوي حتى بالت عليه القطط والكلاب. وكم من إنسان ضعيف فقير ولد في بيئة بسيطة متواضعة ولكن روح الإصرار والتحدي جعلته يصعد سلم المجد ويرتقي ويرتقي حتى صار اسمه مخلدا في صفحات التاريخ يشار إليه بالبنان.
**ما اجمل ان يتسلح الإنسان بسلاح الأمل في الله وبالله ويضرب اليأس برصاصات مباشرة في سويداء قلبه فيخر صريعا غارقا في دمائه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ما أعظم أن يستنشق الإنسان أريج عطر العزة فيابي الضعف والهوان والرضا بالواقع حتى تسري في دمائه روح النهوض من الكبوات والعثرات فيقول مثلما قال الشاعر حين انفض الناس عنه قائلا :عادني الدهر نصف يوم فانكشف الناس لي وبانوا… أيها المعرضون عني عودوا فقد عاد لي الزمان
فالبشر إلا ما رحم ربك لا يلتفون إلا حول القوى الغني الذي يملك القدرة على المساعدة والعطاء وينصرفون عن الفقير الضعيف. فالمؤمن القوى أحب إلى الله من المؤمن الضعيف. القوى في عقيدته في شخصيته في عطائه في مظهره وجوهره.
** ولا تنسى صفحات التاريخ المضيئة ذلكم العالم الفذ الكبير الملقب بسلطان العلماء” العز بن عبد السلام” عندما استشاره السلطان وجنوده بعد أن اجتاح التتار العراق وصارت مصر على وشك السقوط , واستسلم علماء السوء والاستسلام للتتار وقالوا لاطاقة لنا اليوم بهم , إلا أن سلطان العلماء هو الذي حرض المصريين على قتال التتار فى موقعة “عين جالوت” وهزموهم شر هزيمة . فهل التاريخ يذكر أسماء هؤلاء الضعفاء المستسلمين للتتار من العلماء أم يذكر العز بن عبد السلام..؟ ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل قال له السلطان قبل المعركة: إن المال في خزانتي قليل وأنا أريد أن أقترض من التجار، فقال الشيخ عز الدين: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقدًا، وفرقته في الجيش، ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا .إنها روح الإرادة والقوة والعزيمة التي تصهر الحديد. **
لامكان اليوم تحت شعاع الشمس ولا تحت ضوء القمر للضعفاء سواء كانوا دولا أو أفرادا. لابد من البحث عن كل الطرق والوسائل التي تجعلنا أقوياء أعزاء لانقف على رصيف الحضارة نسأل الناس الحافا اعطونا أم منعونا. فاليد التي تمتد تضعف ولا تشتد.
وتذكروا أن الحياة رحلة كفاح وسوف يصل قطار العمر إلى محطة الوصول يوما ما فإما نكون أو لانكون وإن لم نكن سوف يسبقنا غيرنا وساعتها لن ينفعنا عض أصابع الندم لأنك لن يكون لديك ساعتها الأصابع التي تعضها فقد وهنت وضعفت من كثرة السؤال.
فشمروا عن سواعد الجد واعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون. والله من وراء القصد والنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق