لماذا يعدم “الاخوان” ؟!
الزمان والمكان والهدف..
د. وثاب آل جعفر
إبتداءً: ليس اعتباطاً ولا صدفة هذا التوقيت في تنفيذ أحكام الإعدام بقادة الإخوان، كما أن الهدف أبعد من أن يختزل بالجماعة .
ومن يريد تناول هذا الملف بجدية، لأجل تدارك الوضع والوقوف عند عتبة الحقيقة الغائبة المضللة المشوشة، حتى من قبل “الجماعة” نفسها أو المتعاطفين معها كونها قضية “أمة”، عليه ابتداء مغادرة لغة الشجب والتنديد وصراخ المنابر الذي ماعاد يستجلب حقا ولا يستحضر إلا دموع “دراويش” تعطلت إرادتهم، راح يطرب لنشيجهم عدو وطاغية ونظام هدفه حدود ذلك، والذهاب إلى لغة النقد والنظر والتحليل واستحضار كل عناصر اللعبة السياسية ومقارباتها وظروفها الزمانية والمكانية ،ودوائر تأثيرها، من أجل تقديم قراءة واعية مستفزة فيها روح وإحياء للأمة .. ومراكزنا البحثية أحوج ما تكون إليها، ومنها هذا المركز الفكري الجامع “رسالة بوست” وقد انتدبت منبرها لهذه المهمة دراسة وتحليلا وتبويباً.
من هنا، ومن هذا المنطلق جاءت أحاطتنا بالقضية قضية “الاعدامات” من باب توقيتها والأحداث المسايرة لها، والهدف منها والرسائل التي تحملها أو حمّلها إياها القائمون على تنفيذها،عسى أن يتناول الآخرون جوانبا وزوايا اخر يمكن أن تشكل بالمجموع ملفا تحليليا شاملا نستودعه “هذا المركز” لقضية ماعادت ملك أصحابها لأهميتها وخطورتها، وأثرها على مسار ذلك “الربيع” المستهدف وقد خُطت مثابة انطلاقه ونقطة بدايته بعد انتظار طويل عجلت فيه “مظالم وإرادات وحراك وتدافع وفقد وتضحيات ودماء ووعي وصحوة ومخاض عسير” حتى نضج، وحين “آتت أكلها” إذا هي تضرب في اهم صفحاتها ومفصلها “مصر” الثقل والمرتكز .
ان هذه الاحكام وهذه التطورات، ومما يلفت النظر إليها أنها جاءت بعيد تحسن العلاقات ولو بعض الشيء مع نظام تركيا الداعم للجماعة، وحركة حماس الاخوانية، وقطر الحليف .. في تطور مخالف للمتوقع حيث ظن الكثير أن البوصلة تشير لتقارب وتصالح وانفراج ؛وإذا به العكس تماماً .
النظام المصري كان أضعف وأعجز و”اجبن” من أن يقدم على هكذا خطوة طيلة الفترة السابقة ،بسبب موجة الانتقادات الموجهة إليه من دوائر دولية رسمية والرأي العام الدولي، ومشاكله الداخلية في المال والاقتصاد .. والإقليمة وأوجاع خاصرته “غزة”، وساحله المتوسط المتشنج مع الند الصاعد تركيا الأردوغانية، وكذا حدود تماسه وخطوطه الحمراء في ليبيا والصراع المحتدم هناك .
لكن، ومن بين كل تلك المعطيات، ووفق مبدأ “ان لا صدف في السياسية” وانها قرينة الرسم والتخطيط !
فهذه حرب غزة الأخيرة، وما نتج عنها من دخول للنظام المصري .. ليست صدفة .
وان التضييق على غزة قبل ذلك، وإغراء قطر للتحرك من أجل دفع رواتب غزة مقابل إجراء بعض الزحزحة في موقفها تجاه مصر .. ليس صدفة .
وكذا ضرب الليرة التركية وإحراج نظامها، ليس صدفة .
وقبلها الاتفاق على حكومة ليبيا التوافقية التي قيل في ظاهرها انتصار للجماعة على غريمهم السيسي وحليفه حفر ،ليس صدفة ايضا !! .
وفي العودة إلى تطورات المشهد “الاعدامات” والتي اعطت مؤشرات خاطئة تماما للراصد والمتتبع لها وقد تمخضت عن نتائج غير متوقعة .. يمكن أن نصل من خلالها للهدف الذي نحن بصدده .
الهدف : بظاهره حركة الاخوان المسلمين بمصر تحديدا .
بيد هناك أهداف أخر لا تقل خطورة واهمية عن ذلك الهدف الظاهر .. لعل ابينه : تحقيق الدعم الكامل لشخص “السيسي” واظهاره برجل المرحلة القوي .. وتكليفه بدور “الزعيم” بعد غياب ظاهرة الزعامات المكلفة باشغال عقول الجماهير من جهة، وتسليمها ملف قضايا المنطقة الشائكة وتعطيلها وفق عقلية اهلها.
التغطية على مشكلة سد إثيوبيا.
إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد من قبل مايسمون بتيار “المحافظين الجدد” ورهانهم “بايدن” بعد فشل ترامب من القيام بالمهمة .. ذلك التيار الذي ظن الكثير موته لكنه القائم الفاعل الباحث عن شريك “شرق اوسطي” ملائم قد هم يرونه في شخص السيسي ونظام العسكرة هناك ودولة مصر .
تحركات استغلها نظام مصر بذكاء سريع، وخطوة ملعوبة .. مستغلة تلك المساحة او الفسحة القدرية التي لم تولد من الصدفة، وقد تكللت وتوجت باتخاذ قرار إعدام قادة الإخوان، وتنفيذه بارتياح مصري .. مع الف علامة استفهام واستفهام على جهات تم ذكرها،قد تتقاسم الدور معه في افضل حالات حسن الظن بهم .
لنصل إلى نتائج منها :
مصر ونظامها هم اللاعب الجديد المعول عليه في صناعة الشرق الاوسط الجديد ،ومنها الدولتان في فلسطين .تيار المحافظين الجدد ومشروع الشرق الأوسط الجديد مازال قائم وفتاهم المعول عليه بايدن وإدارته .تنظيم الإخوان المسلمين وتراثهم وبقية مدرستهم آخر الجدران المطلوب معالجتها بالتطويع أوالترويض أو الاستمالة أو التفكيك .ما يكتنف الداخل الأردني والأسرة المالكة ،والخوف من تحرك ذلك الفصيل الوحيد الذي يتمتع بالتنظيم فيه ،ليس ببعيد عما حدث ويحدث،وسياسة التخويف بلغة الإشارة ،من أجل تنفيذ ما مطلوب دون شوشرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق