الثلاثاء، 2 مايو 2023

الأصابع الإسرائيلية في الخرطوم!

 الأصابع الإسرائيلية في الخرطوم!

البرهان

اختفاء الجامعة العربية ودخول الإسرائيليين في الوساطة بين البرهان وحمديتي يؤكد حالة الانهيار العربي؛ فالسودان الذي كان يدعم الشعب الفلسطيني وموقفه الثابت ضد الاحتلال عبر تاريخه تحول منذ سقوط البشير إلى ساحة للتطبيع العلني، حيث يتسابق قائدا المكون العسكري بشقيه ومعظم المكون المدني لاسترضاء الصهاينة، والموافقة على إقامة علاقات تطبيع كاملة بدون خجل أو حياء!

نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية أن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين والمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية رونين ليفي على علاقات طيبة مع الطرفين، ويتواصلان بشكل مباشر مع البرهان وحميدتي منذ بدء القتال، لحثهما على تنفيذ وقف إطلاق النار، وقد عرضا عليهما عقد مفاوضات في “إسرائيل”، وأن كلا منهما أبدى ردا إيجابيا!

هذه الحميمية في العلاقة بين الإسرائيليين من ناحية، والبرهان الذي وافق على التوقيع على اتفاقية التطبيع مع الحكومة الإسرائيلية وحميدتي المرتبط بالموساد من ناحية أخرى، يقابلها جفاء وقطيعة مع الدول العربية باستثناء الإمارات التي تدعم وترعى الدعم السريع، والسعودية التي تقف مع الطرفين، ومصر المستبعدة من الملف، وهذه العلاقة تجعل السودان لعبة في أيدي قوى خارجية لا تريد خيرا للسودانيين.

الإسرائيليون يفضلون المليشيا على الجيش

كان واضحا أن الإسرائيليين يميلون أكثر إلى حميدتي ومليشيا الدعم السريع، فهذا الجيش القبلي الذي يديره شخص له طموحات يسهل توظيفه وتوجيهه، أما الجيش فهو مؤسسة تخضع لتوازنات وحسابات معقدة تصعب السيطرة عليه، وحتى لو تمت استمالته في لحظة تاريخية لظروف معينة تحت الضغط والابتزاز؛ فإن موقفه قد يتغير مع زوال هذه الظروف أو على يد قائد آخر يأتي من المؤسسة.

ظهرت الظروف المواتية للاختراق الإسرائيلي فور سقوط البشير، وقد أشار إلى ذلك ضابط المخابرات الإسرائيلي آري بن مناشي -وهو صاحب شركة علاقات عامة في كندا تابعة للموساد- في فيديو له أثناء الانتخابات التونسية في أكتوبر 2019 عندما اختلف مع المرشح التونسي لمنصب الرئاسة نبيل القروي الذي نفى –بعد الفضيحة- تعاقده مع الشركة لتحسين صورته في الولايات المتحدة، حيث أكد بن مناشي أن القروي متعاقد مع الشركة مقابل مليون دولار، وقال إن قادة في العالم العربي ومنهم قادة سودانيون تعاقدوا معه للحصول على الاستشارات.

تم تمتين علاقة الإسرائيليين بالدعم السريع بشكل خاص من خلال شقيق حميدتي الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو، نائب رئيس “قوات الدعم السريع” الذي زار إسرائيل وحصل على دعم تقني وأجهزة تجسس، جعلت جهاز المخابرات التابع للدعم السريع أقوى من المخابرات السودانية، التي تم التخلص من قياداتها والتضييق عليها واتهامها بالتبعية للنظام السابق.

من خلال الدعم الإماراتي تمت تقوية الدعم السريع بزيادة عدد القوات من 20 ألف إلى 100 ألف، نصفهم تقريبا في الخرطوم وحدها، وتقوية تسليحه وإمداده بالمعدات والمدرعات والقذائف، مما جعله أقوى من الدولة السودانية، فوسع حميدتي من نفوذه وسيطر على مناجم الذهب في دارفور وأنشأ إمبراطورية لاستقدم المرتزقة من غرب السودان وتشاد لصالح قوات الدعم ولدول خارج السودان.

نجح الإسرائيليون بالتأييد الأمريكي والأوربي في التقريب بين حميدتي والمكون المدني التابع في معظمه للنفوذ الخارجي، لتمرير الاتفاق الإطاري الذي يبقي على مليشيا الدعم السريع ويجعلها تحت إمرة رئيس الوزراء المدني، ويفكك الجيش ويعيد هيكلته بقيادة جديدة تضم قادة الحركات المسلحة، لكن البرهان طلب دمج قوات الدعم السريع أولا وقلب الطاولة عليهم.

 

صناعة رأسين والإبقاء على الحرب مشتعلة

رغم تضخم القوة العسكرية لحميدتي والإمبراطورية المالية التي يمتلكها فإنه يفتقد الحاضنة الشعبية ويحظى بكراهية السودانيين، فمشروعية وجوده كانت مرتبطة بموافقة الجيش منذ أيام البشير وحتى محاولة انقلابه الأخيرة، وبنزع هذه المشروعية تحول إلى قائد مليشيا متمردة، مصيرها الهزيمة والتلاشي.

ما يجري في الخرطوم ليس حربا أهلية بين جيشين، أو بين قائدين عسكريين كما يصور الإعلام الغربي، وإنما عملية تصحيح تأخرت كثيرا بسبب التدخل الدولي، يقوم بها الجيش السوداني ضد مكون عسكري قبلي متمرد، وبالحسابات العسكرية سينتهي القتال لصالح الجيش، لكن الدوائر التي تدير معركة السيطرة على السودان لتقسيمه هي التي تعمل على إطالة أمد الحرب، وتدعم حميدتي كي يستمر القتال إلى ما لا نهاية.

عدم ترك رأس واحد يدير الدولة والعمل على صناعة رأسين، هذه هي لعبة القوى الخارجية المكررة في كل عواصم العرب التي سقطت، لا حسم للصراع، وكلما اقترب طرف من الانتصار بالضربة القاضية يتدخلون بفرض الهدن وإضعاف الطرف القوي، لإنقاذ الطرف المهزوم، ويضخون في شرايينه الدعم حتى ينهض مرة أخرى لتبقى النار مشتعلة.

الدوائر الخارجية التي تمثل الهيمنة الغربية والصهيونية لها أجندة واضحة في بلاد المسلمين، ويتعاملون مع التطورات حسب الظروف المواتية والأوراق والأدوات المتاحة، وهدفهم في كل الأحوال هو منع الشعوب من أن تحكم نفسها وتختار حكامها، لأن الانتخابات ستأتي بمن يمثل هويتها ويدافع عن عقيدتها، لذلك فهم طوال الوقت يستبعدون الشعب ويصنعون رؤوسا متصارعة كي تبقى إدارة الملف في أيديهم.

الجديد في مرحلة التحولات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم أن الشعوب بدأت تعي حقيقة الصراع مع تطور الإنترنت والقفزات التقنية وانتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعد ممكنا تجاهل قوة الجماهير التي أفقروها واستنزفوها، فالعالم تغير وبدأت الأمم تعود لجذورها وثوابتها، وأصبح التحرر والاستقلال وبناء أنظمة حكم جديدة على أسس وطنية وقومية وحضارية هو أساس التغيير القادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق