الثلاثاء، 9 مايو 2023

إسرائيل ليست احتلالًا لكن فلسطين محتلة

 إسرائيل ليست احتلالًا لكن فلسطين محتلة

وائل قنديل

توقّفت أكثر من ساعة أمام بيان الخارجية المصرية أمس بشأن العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، والذي أسفر عن عشرات الشهداء والجرحى، وقرأت البيان الذي جاء في مائة وتسع كلمات أكثر من عشر مرات بحثًا عن كلمة "احتلال" في توصيف الكيان الصهيوني بنظر الدبلوماسية المصرية فلم أعثر عليها.

يقول بيان خارجية القاهرة "تدين جمهورية مصر العربية التصعيد الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ممثلًا في قيام القوات الإسرائيلية بقصف قطاع غزة، مما أسفر عن 13 ضحية و20 مصابًا حتى الآن، من ضمنهم مدنيين (الصحيح مدنيون) من النساء والأطفال، واقتحام مجموعة من المستوطنين للمسجد الأقصى صباح اليوم تحت حماية القوات الإسرائيلية بالإضافة إلى استمرار الاقتحامات للمدن الفلسطينية وآخرها نابلس.

وتؤكد مصر على رفضها الكامل لهذه الاعتداءات التي تتنافى مع قواعد القانون الدولى وأحكام الشرعية الدولية وتؤجج الوضع بشكلٍ قد يخرج عن السيطرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتقوض من جهود تحقيق التهدئة وخفض التوتر في إطار ما تم التوصل إليه من تفاهمات في أجتماعي شرم الشيخ والعقبة بهدف تهيئة المناخ الملائم لإعادة تحريك مسار عملية السلام".

انتهى البيان، لكن الدهشة لا تنتهي حين تكون الدولة العربية التي خاضت أربعة حروبٍ عسكريةٍ ضد الاحتلال الصهيوني خلال ربع قرن غير قادرة أو غير راغبة في تسمية "إسرائيل" باسمها الحقيقي والواقعي، بحسب نص قرارات الشرعية الدولية، فلا تجرُؤ على استعمال مفردة "الاحتلال"، وهي تصف الممارسات الإسرائيلية في أراضي فلسطين المنهوبة.

بحسب البيان لدينا "الأراضي الفلسطينية المحتلة"، لكن من الذي احتلها، فهذا مما تتركه الخارجية المصرية مجهّلًا، وهي مقاربة للقضية المحورية العابرة للأجيال ترضي وتوافق الهوى الصهيوني الذي لا يسمّي وجوده على أراضي فلسطين احتلالًا، ولا يعتبر سلوكه الإجرامي بحق الشعب الفلسطيني اعتداء.

الدبلوماسية المصرية، كذلك، وبحسب منطوق بيانها الرسمي، لا تعتبر الفلسطيني المقتول بالصواريخ الإسرائيلية في داره وعلى أرضه شهيدًا، أو ربما تعتبره كذلك، لكنها لا تريد إغضاب "الصديق الإسرائيلي"، وبالتالي فالذين ماتوا نتيجة القصف الصهيوني مجرّد "13 ضحية"، وكأنهم قضوا في حادث سير أو تدافع أو غرق في بركة سباحة.

يستجيب البيان والقناعة الرسمية المصرية بلعب دور الوسيط النشط في سوق التهدئة، والوريث الذي آلت إليه تركة الاستثمار السياسي والتجاري فيما تسمّى عملية السلام، ومن ثم لا يجد غضاضةً في أن يبقى محتفظًا بتلك المسافة الواحدة بين الطرفين: الاحتلال والواقع تحت الاحتلال، المُعتدي والمجني عليه، غير أنه، حتى بمقتضى هذه القناعة، فإن ما جرى بالأمس في غزّة هو إهانة وسخرية مريرة من هذا الوسيط.

في ذلك الكلام كثير عن أن القيادات الفلسطينية التي جرى اغتيالها وهو تودّع عائلاتها في غزّة كانت ذاهبة إلى القاهرة بدعوة رسمية من "وسيط التهدئة" في زيارة إما أن تكون سرّية لا يعلم بها سوى المضيف والضيف، وبالتالي، يضعنا هذا الأمر أمام كوابيس مُفزعة تتعلق بحجم المضيف وقيمته، ويطرح أسئلة من النوع الثقيل على النفس.

هل بات الوسيط مخترقًا ومستباحًا أو متورّطًا معلوماتيًا إلى هذا الحد الذي لا يستطيع معه تأمين انتقال ضيوفه من قطاع غزة إلى داخل الأراضي المصرية، عبر معبر رفح، بحيث تنجح قوات الاحتلال في الانقضاض على الوفد الفلسطيني قبل أن يتحرّك؟.

والاحتمال الثاني أن هذه الدعوة كانت بعلم الطرف الآخر المباشر المعني بالتهدئة، وبتنسيق معه وهو إسرائيل، وأيضًا مع الراعي الأميركي لما تسمّى عملية السلام، ثم قرّر الطرف الإسرائيلي أن يمارس خسّته الاعتيادية الأصيلة، وينفذ عملية اغتيال تحمل رسائل واضحة لكل الأطراف، وأولها الطرف الفلسطيني المقاوم، فتقول له إن الوسيط الذي تعتبره أخًا لك لا يستطيع استقبالك.

كما أنها توجّه رسالةً أخرى، مهينة، إلى الوسيط المصري تقول فيها بوضوح: نحن لا نهتمّ كثيرًا بما تبادر بالقيام به مما تسمّيها جهودًا لتحقيق التهدئة، وأن التهدئة الوحيدة التي نفهمها ونريدها تبدأ من حيث ننتهي من وليمتنا من الدم واللحم الفلسطينيين، ومن حيث يبدأ الفلسطينيون بالتفكير في الرد والثأر لشهدائهم .. هنا فقط مسموح لك بالقيام بوظيفة "وسيط التهدئة" في الوقت الذي نختاره نحن.

على ضوء ما سبق، كان من المتصوّر أن يأتي البيان الرسمي المصري حاملًا الحد الأدنى من الغضب على الإهانة، ومشتملًا على إجراءاتٍ تحفظ النذر اليسير من الكرامة المهدرة في بورصة التهدئة التي تنتج إلا مزيدًا من الثقة الإسرائيلية بأنها محميةٌ من نظام عربي رسمي بات لا يقدّم لفلسطين سوى بياناتٍ مرتعشة لا تقدّم ولا تؤخّر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق