الأربعاء، 3 مايو 2023

“المدخلية المدنية” تنافس نظيرتها السلفية تبريرا للاستبداد!

 

“المدخلية المدنية” تنافس نظيرتها السلفية تبريرا للاستبداد!

معتز عبد الفتاح في الدعاية لنفسه عن برنامج جديد له

في أحدث عروضه، قدّم الدكتور معتز عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة نظرية جديدة دفاعا عن الاستبداد و”شرعنة” له، موجّها نداء عبر برنامجه التلفزيوني إلى المواطنين العرب عموما “أخي المواطن العربي، دافع عن حاكمك المستبد، وإن ضرب ظهرك وأكل مالك”.

ربما ظن كثيرون في البداية أن الرجل يسخر من الأوضاع السياسية الراهنة التي علاها الاستبداد والقهر، لكن متابعة بقية شرحه أظهرت جديته في ما يقول، فهو يردد الرواية التي طالما رددها نظام مبارك ورددتها نظم استبدادية عربية أخرى أننا شعوب غير جاهزة للديمقراطية، وهو يستشهد بأن الانفراجات الديمقراطية التي أتت بها ثورات الربيع العربي مكنت الإسلاميين من الفوز في الانتخابات، وهو ما تكرر من قبل في الانفراجة الديمقراطية في الجزائر مطلع التسعينيات التي منحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أغلبية برلمانية سرعان ما انقلب عليها الجيش، كما استشهد معتز عبد الفتاح بالاضطرابات والحروب الأهلية في بعض الدول مثل الصومال والسودان والعراق، مبرّرا للقبول بالحكام المستبدين، كما ردد الحجة الكلاسيكية أن من الضروري أولا قبل المطالبة بديمقراطية الحكم أن تُمارَس الديمقراطية في المجتمع وفي الأسرة وفي الأحزاب إلخ، وكذا الإلمام بمهارات الممارسة الديمقراطية عموما.

معتز عبد الفتاح أستاذ علوم سياسية، وهو ناشط سياسي شارك في ثورة 25 يناير، وكان من أبرز من تبنوا شعاراتها، وشارك في تطوير المسار السياسي بعدها، وكان جزءا من بعض أطرها مثل عضويته للجمعية التأسيسية لدستورها، لكنه نسي كل ذلك ودعم الانقلاب عليها، وأصبح مُنظّرا للاستبداد منذ انقلاب 2013، وبرر كل السياسات القمعية بعده، كما برر تعديل الدستور في 2014 وتضمينه مواد صعبة التحقيق بهدف إحراج الإخوان، وهو ما اعترف به شخصيا بعد ذلك، مؤكدا أنهم قصدوا نصب فخ للإخوان فوقعوا هم فيه، ثم برر التعديلات التالية في 2019 التي أفرغت الدستور من الكثير من نصوصه الجيدة لتحل محلها نصوص استبدادية.

الوجه المدني للسلفية المدخلية

نحن أمام وجه مدني هذه المرة مُنظّرا ومؤصلا للاستبداد، ينافس وجوها دينية تنتمي بشكل خاص إلى المدرسة الجامية المدخلية، وهي المدرسة التي ترى عدم جواز الخروج على الحكام، أو حتى مجرد نقدهم مهما كان الحاكم ظالما أو مستبدا أو فاسدا أو قاتلا، وإن جلد ظهرك وأكل مالك، أو حتى زنى بزوجتك، أو شرب الخمر حسب ما أفتى بذلك مؤخرا أحد رموز هذه المدرسة (الشيخ عبد العزيز الريس).

والحقيقة أن هذا الفهم السقيم لبعض الأحاديث النبوية -حتى لو كانت صحيحة- هو ما روجه وعاظ السلاطين طيلة فترات الركود الإسلامي، ولكن غالبية العلماء والفقهاء لم يُسلّموا لهم بذلك، وصدحوا بالحق ودفعوا أثمانا بالغة في سبيل ذلك، نتذكر مثلا مواجهة الإمام أحمد بن حنبل مع الخليفة المأمون في قضية خلق القرآن، وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية مع التتار ومن ناصرهم من حكام المسلمين، ونتذكر موقف سلطان العلماء العز بن عبد السلام في مواجهة المماليك رغم جبروتهم، حيث أمرهم بتحرير أنفسهم أولا حتى يصبح من حقهم حكم غيرهم، فنزلوا إلى أسواق النخاسة وحرروا أنفسهم بأموالهم، والأمثلة في التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه كثيرة، وهم جميعا يستندون إلى آيات محكمات، وأحاديث نبوية صحيحة، تشترط في الحاكم الوصول إلى السلطة بطريقة شرعية، وإقامة العدل بين الرعية.

احتقار الدساتير

وإذا كان الرد على المدخلية السلفية هو اختصاص الفقهاء، فإننا نردّ هنا على “المدخلية المدنية” التي ظهرت على يد معتز، وقد ينضم إليها آخرون مع الوقت، والرد هنا من نصوص الدساتير المدنية الحديثة التي هي بمثابة عقد شرعي ومدني بين الحاكم والمحكوم، وضعت تصورا واضحا ومُفصَّلا للعلاقة بين الطرفين، بدءا من طريقة اختيار الحاكم سواء وفق انتخابات تنافسية أو بيعة عامة، وطريقة تعامل هذا الحاكم مع شعبه، وأخيرا طريقة عزل هذا الحاكم إذا خالف شروط ذلك العقد (الدستور)، وهنا يضمن الدستور للشعب أن ينتقد الحاكم، وأن يكشف أوجه الفساد والقصور، وأن يعبّر عن رأيه بالقول أو الكتابة، أو التظاهر أو حتى الاعتصام السلمي والإضراب عن العمل إلخ، وله أن يطالب بعزله بكل الصور السلمية المشروعة، سواء عبر سحب الثقة منه في البرلمان وفقا للنصوص الدستورية التي تحدد ذلك، أو الضغط عليه لدفعه إلى الاستقالة، أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، أو حتى إسقاطه في انتخابات عادية، لكن مشكلتنا الآن هي تجاهل أو حتى احتقار الدستور الذي أقسم كل الحكام على احترامه، وهذا أكبر إخلال بعقد الحكم من الحاكم نفسه، ويكون بذلك هو الخارج على الشرعية والدستور، وليس من يقاومونه.

إن دور العلماء (سواء كانوا علماء شريعة أو قانون أو سياسة أو اقتصاد أو اجتماع) هو أن ينيروا الطريق للتحول الديمقراطي في بلدانهم، وأن يرفعوا صوت شعوبهم إلى حكامهم، لتسود قيم العدل والحرية والكرامة والرحمة والاتحاد، ولينعم الوطن بالتقدم والازدهار والاستقرار في ظل أنظمة حكم عادلة يصل فيها الحاكم إلى الحكم برضا شعبي، ويبقى فيه برضا شعبي، ويغادره حين يعجز عن أداء مهمته وفقا للطرق التي يحددها الدستور أيضا، من دون حاجة إلى خروج جماعي قد تُزهق فيه أرواح الناس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق