نظرية دعم الديكتاتور المستبد
ليس من العادة أن أتوقف كثيرًا أو قليلًا أمام ما يتم تداوله في القنوات المصرية حكومية كانت أو خاصة، أو تلك التي أنشأتها أو استحوذت عليها الشركة المتحدة، تلك الشركة التي أصبح معروفًا من يمتلكها.
ووصف قنوات حكومية هو وصف أمقته جدًا، وما تخيلت يومًا أني قضيت من عمري أكثر من ثلاثين عامًا أعمل في ما يمكن أن نصفه بالإعلام الحكومي.
كنت طوال سنوات أجادل أنه إعلام الدولة لا الحكومة ولا النظام، لكن في سنوات خمس بعد 2013 بدأ يتسرب داخلي الإحساس بالقهر والاستبداد الذي جعلني أفقد إيماني بكونه إعلام دولة مؤسسات وشعب وحكومة وتاريخ.
ربما كان هذا السبب الذي جعلني أمضي عقب قرار فصلي من العمل دون نظرة إلى ما كان حلمًا شبابيًا فصار كابوسًا بعدما مضى الكثير من العمر، أما قنوات القطاع الخاص قبل ما أصابها فقد كنت أحيانًا وخاصة في سنوات ما قبل ثورة يناير أتابع التجارب الجديدة خاصة مع وجود أبناء ماسبيرو في معظمها، ولا شك أنها كانت مرحلة في عمر الإعلام جيدة جدًا، وما تخيلت أن تصل إلى ما وصلت إليه من دعم وتأييد لفكرة الحاكم المستبد.
دافعوا عن المستبد
هكذا أطلقها أستاذ العلوم السياسية المتحول بقدرة قادر إلى إعلامي، ويخرج علينا كل يوم أو أيام ليعطي للجمهور دروسًا في السياسة، وأيضًا في الرضا بحكم الديكتاتور المستبد.
في زمن مضى كنا نقول نحن بحاجة لمن نطلق عليه المستبد العادل، كانت تلك أمنيات في زمن فقد فيه الناس القدرة على الحياة، قلنا مجازًا فليكن مستبدًا عادلًا يكفينا أن نتعلم بشكل جيد ويفتح المجال تعليميًا لجميع أبناء الشعب، يحقق عدالة في الصحة فيجد كل فرد من أفراد الشعب فرصته في الصحة، لا أحد يبقى على باب وحدة صحية أو مستشفى بلا علاج، نوفر علاجًا للفقير كما الثري.
قلنا فليكن لنا نصيب في التنمية والعدل والمساواة، إذن فليحقق لنا هذا المستبد العادل مساحات من العدالة الاجتماعية والتنموية، قلنا فترة بناء وتمضي وباتساع مساحة العلم والثقافة والوعي يأتي جيل جديد يستكمل إنجازات جيل النهضة المصرية في بداية القرن العشرين، ولكن حدث ما لم نتوقعه، غاب البناة وجاء الطغاة المستبدون.
إذن فكرة المستبد العادل رُوّج لها مرتبطة جزئيًا بالعدل، أما أن يخرج علينا في زمن البؤس من يطالبنا بالدفاع عن المستبد الديكتاتور لمجرد أنه يجعلنا نحيا أو نعيش فذلك ما لا يمكن تصديقه، ولكن للأسف هذا بالفعل ما دعا إليه الإعلامي وأستاذ العلوم السياسية معتز عبد الفتاح في برنامجه التليفزيوني، أما ما دعاه من مبررات لكي يقنع المشاهد بفكرته وهي تقارب دائمًا فكرة ظل رجل ولا ظل حيطة، أصبحت هنا ظل دولة ولا شمس المخيمات.
بدأ مبرراته بسرد محاولات التحول الديمقراطي في الوطن العربي مرددًا الكلمة الشهيرة للفريق عمر سليمان إبان ثورة يناير أننا شعوب غير مؤهلة للديمقراطية.
بدأ عبد الفتاح استعراض تاريخ المنطقة من الجزائر إلى الصومال، فالعراق، ثم عرج على ثورات الربيع العربي -سماه الخريف العربي- هذا الخريف من وجهة نظره الذي أدى إلى تمزق أربع دول عربية سوريا، اليمن، ليبيا، وتونس، وبعناية الله -بحسبه- أنقذت مصر بالديكتاتورية أو المستبد الذي يناسب الشعوب العربية.
العراق تحت قيادة صدام أفضل من عراق اليوم، لم يشرح كثيرًا ما حدث في العراق، وهل جاءت الدبابات الديمقراطية لتجعل العراق مقسمًا أو حاله هكذا؟ لم يقل لنا كيف اتخذ صدام قراره باحتلال الكويت على أخذه باستفتاء الشعب العراقي؟ أم أن حاكمًا غرته قوته فقرر الغزو؟
هل الثورات العربية تشبه ما فعلته الديكتاتورية بالأمة العربية؟ هل كانت ثورات الربيع العربي سببًا في تمسك الحكام بالبقاء في السلطة؟ لماذا لم يلجأ الحكام إلى الشعوب ليحتكموا لها في الأزمات؟
لماذا لم يطرح الحكام التغيير للشعوب في خطوات ديمقراطية، انتخابات مبكرة، أو استفتاء على البقاء في الحكم؟ أم كان الأسهل لبقائهم في الحكم استعمال العنف والقوة في مواجهة ثورات شعوبهم؟ هل نزل شعب للميادين بالأسلحة؟ أسئلة لم يجب عنها معتز عبد الفتاح في محاولة إقناع المصريين الرضاء بالديكتاتور.
معارضة ديكتاتورية
حاول أستاذ العلوم السياسية أو دارسها أن يقدم لنا تحليله الاجتماعي والنفسي الأكبر حينما بشرنا بأننا حين نحاول خلع ديكتاتور مستبد سيأتينا ديكتاتور مستبد معارض جديد، فهؤلاء المعارضون نشأوا وترعرعوا تحت حكم مستبد، فكيف لمن عاش عمره في حكم ديكتاتوري أن يكون ديمقراطيًا؟ هذا لا يجوز في عرفه.
المظلوم سيصبح ظالمًا يأخذ تارة ممن ظلمه ومن الشعب الذي أتى به، الذي عايش وعانى الاستبداد في السجون سيخرج لنا شاهرًا سيف حسن الهلالي لينتقم من الطغاة والشعب، منتقمًا فينا ممن ظلمه، ليتحول الوطن إلى دائرة انتقام نور الشريف في فيلمه الشهير.
أحزاب المعارضة هي أحزاب ديكتاتورية من داخلها، ورئيس الحزب الذي لا يسمح بانتقاد داخل حزبه لا يسمح حين يكون رئيسًا للجمهورية تحت آمرته الشرطة والقوات المسلحة وقوة التعذيب والحبس، هكذا نحن حين نحاول الثورة فإننا نجئ بديكتاتور مكان آخر، وإلا فمصيرنا العراق وسوريا، اليمن، وأخيرًا السودان، سنصبح دولة مقسمة، والأفضل لنا حسب نظرية معتز الرضا بالنظام المستبد، فلا أمل.
إنها نظريات علم السياسة الجديد الذي لا يوجد إلا في هذه المنطقة المنكوبة بأمثال هؤلاء الحكام وإعلاميهم الذين يروجون لمثل هذه الأحاديث، ويمجدون الاستبداد والديكتاتورية، ولا ينظرون خارج هذه الخريطة، لا يقولون لنا كيف صارت الدول الأخرى ديموقراطية، ولا يستمر فيها حاكم أكثر من دورتين رئاسيتين، يأتي درس معتز عبد الفتاح في دعم المستبد بينما يعلن زميله ورئيس هيئة الاستعلامات عن بدء الحوار الوطني، هذا الحوار الذي يدعون أنه سيرسم مستقبل الوطن، فهل سيرسم لنا الحوار خطوات دعم الديكتاتور المستبد العربي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق