الاثنين، 15 مايو 2023

بعد انتهاء المعركة.. حقائق حول العدوان وكلّ عدوان على غزة والضّفة والأقصى

 بعد انتهاء المعركة.. حقائق حول العدوان وكلّ عدوان على غزة والضّفة والأقصى

مع كلّ عدوانٍ صهيونيّ غادرٍ على قطاع غزة أو على الضّفّة الغربيّة أو على المسجد الأقصى المبارك يجد المرءُ نفسه مضطرًّا للحديث عن حقائق ينبغي استحضارها عند كلّ معركة وبعد انتهائها، ولعلها تكون من البديهيّات غير أنّنا نعيشُ اليوم عصر تأكيد المؤكّدات وتوضيح الواضحات.

الحقيقة الأولى: في طبيعة العدوان

العدوان على غزّة المكلومة أو الاغتيالات في الضّفة الغربيّة أو اقتحامات الأقصى المبارك؛ عدوان على كلّ مسلمٍ وعلى عقيدته في الأرض، فمن يبذل جهده وكلماته ووقته لمواجهة العدوان الصّهيونيّ فهو يدافع عن العقيدة وعن الأخوّة الإيمانيّة وعن الأمة الإسلاميّة جمعاء، ولا يدافع عن فلسطين وأهلها فحسب.

وينبغي أن نستحضر دومًا أنّ فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم، بل هي لكلّ مسلم، وقضيّتها قضيّة كل مسلم وكل حرّ في هذه الأرض، والأقصى المبارك هو ثالث مقدسات المسلمين ولا يجوز أن نتعامل معه على أنّه محض مَعلمٍ فلسطينيّ.

الحقيقة الثّانية: في اجتماع الألم والإيلام

في الحرب على غزة يجتمع الألم والإيلام، والقهر والعزة، والمطلوب في هذه الحالة عدم اختزال المشهد في جانبٍ واحد من الجانبين؛ المعاناة الإنسانيّة أو النكاية بالعدوّ بل لا بد من تقديم صورة متوازنة عن المشهدين معًا؛ ووجود الإيلام مع الألم يقتضي عدم التهاون في المواجهة بل لا بدّ أن يكون حافزًا لبذل مزيد من الطاقة فيها، قال تعالى في سورة النّساء: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

وهنا يكون من الجليل والجميل لشحذ الطاقات ورفع الهمم تقديم نماذج الشهداء التي تذكّرنا بالجيل الأول من الصحابة؛ ففي المعركة الأخيرة -على سبيل المثال- يذكرنا اغتيال القائد جهاد غنام المبتور القدمين، والقائد طارق عز الدين المصاب بالسرطان، بعمرو بن الجموح، وابن أم مكتوم، وجعفر الطيار رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

الحقيقة الثّالثة: في ضرورة توسيع المفاهيم

في العدوان الصّهيونيّ يغدو من  الضروريّ استحضار مفهوم النصرة بمعناه الواسع الذي يجعل كلّ مسلمٍ منخرطًا فيه بما يستطيعه من إمكانات وقدراتٍ ماديّة ومعنويّة، واستحضار مفهوم الخذلان والنصر بوصفهما يشملان كلّ مسلم أمرٌ مهمّ لصناعة الطاقة الإيجابيّة الفاعلة في مواقف خطيرة كهذه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلمًا في موطنٍ ينتقصُ فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته”.

وكذلك من الضرورة بمكان في أيّ عدوانٍ على الأقصى المبارك وعلى غزّة والضّفة؛ إحياء المفهوم الواسع لمعنى النفير، النفير بالكلمة والموقف والجهد والبذل المادي والمعنوي، قال تعالى في سورة التوبة: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

فمن لم يستطع الجهاد بنفسه فلا يعذر في ترك الجهاد بما يستطيعه من الجهاد بالمال أو الجهاد بالكلمة أو الجهاد بالموقف أو الجهاد بصرخةٍ في مظاهرة أو اعتصام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “جاهِدُوا المُشرِكينَ بِأَموالِكُمْ وأَنْفُسِكُم وأَلسِنَتِكُم”. رواهُ أبو داود بإسنادٍ صحيح.

وهنا لا بدّ من تأكيد أنّه لا تجوز الاستهانة بالفعاليات الشعبية الاحتجاجية من مظاهرات ومسيرات واعتصامات بحجة أنّه لا جدوى منها، بل إن فيها جدوى كبيرة بشد أزر المسلمين تحت العدوان، وتعرية الباطل الصهيوني وإساءة وجه اليهود الصّهاينة؛ فالمعركة اليوم هي معركة إساءة الوجه كما بيّن ربّنا تبارك وتعالى في سورة الإسراء إذ يقول جلّ وعلا: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}.

الحقيقة الرّابعة: في أهميّة اللجوء إلى الله تعالى

من الواجب في عند احتدام المعركة، والتقاء الصفوف، وحصول عدوان ومواجهة له؛ الفزع إلى الله تعالى بالدعاء والضراعة في الأسحار، فالدعاء عنوان العبودية والخضوع لله الناصر، وعند اتخاذ الأسباب لا بد من إظهار الافتقار إلى مسبّب الأسباب، ومن الواجبات عند التقاء الصّفوف أيضًا الإكثار من ذكر الله تعالى القائل في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

الحقيقة الخامسة: في بعث الطّمأنينة في نفوس المجاهدين

إنّ شعور المجاهدين بأنّ من ورائهم أمّةً تعيشُ معهم المواجهة بكلّ مسؤوليّة، ويقينهم بأنّ هذه الأمّة ستكفل أبناءهم حال استشهادهم، وسترعى أسرهم في غيابهم في الجبهات، وستبني منازلهم التي يهدمها الاحتلال؛ له أثر كبير في تعزيز ثباتهم وصمودهم، وفي إقدامهم هم وفي تحفيز غيرهم للإقدام في أيّة جولةٍ قادمة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا”. متفقٌ عليهِ.

وكذلك روى مسلم في صحيحه عنْ أنسٍ أنَّ فَتًى مِن أسْلَمَ قَالَ: “يَا رَسُول اللَّهِ إنِّي أُريد الغَزْوَ ولَيْس معِي مَا أتَجهَّزُ بِهِ، قَالَ: ائتِ فُلانًا، فَإنَّه قَد كانَ تَجهَّزَ فَمَرِضَ فَأتَاهُ فَقَال: إنَّ رسولَ اللَّهِ يُقْرِئَكَ السَّلامَ ويقولُ: أعطِني الَّذِي تَجهَّزتَ بِهِ، قَالَ: يَا فُلانَةُ، أعْطِيهِ، الَّذِي كُنْتُ تَجهَّزْتُ بِهِ، وَلاَ تَحْبِسي عِنْهُ شَيْئًا، فوَاللَّهِ لاَ تَحْبِسي مِنْه شَيْئًا فَيُبارَكَ لَكِ فِيهِ”.

هي خمس حقائق موجزة تصلح لأن تكون بين أعيننا عند وقوع أي عدوان قادم على المسجد الأقصى المبارك أو على غزة أو الضفة وعموم فلسطين، فالقضيّة جامعة والعملُ كلّ عملٍ يجب أن يكون عنوان المرحلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق