الخميس، 11 مايو 2023

مهرجان الخصام الوطني

 مهرجان الخصام الوطني

وائل قنديل

مع انطلاق مهرجان الحوار الوطني في مصر حدث الآتي: استدعاء سياسيين إلى المحاكمة مجدّدًا، بعد الإفراج عنهم بمقتضى عفو رئاسي، كما جرى مع المهندس يحيى حسين عبد الهادي، الذي أمضى سنوات في الحبس الاحتياطي.

اعتقالات جماعية لذوي سياسيين معارضين في الخارج، حالة النائب البرلماني والرئيس السابق لحزب معارض، أحمد طنطاوي، نموذجًا. اعتقال قيادي في حزب المحافظين، وإصدار أحكام قضائية بوضع معارضين على قوائم الإرهاب، ثم تجديد القوائم القديمة التي تضم 1500 شخصية مصرية، بعضهم رحلوا عن عالمنا منذ سنوات، أمثال الرئيس محمد مرسي، شهيد السجون الظالمة، والعلامة الفقيه فضيلة الدكتور، يوسف القرضاوي، بالإضافة إلى رؤساء وقيادات أحزاب وحقوقيين وإعلاميين. ثم أخيرًا، مصادرة مسكن ابني السياسية المشاركة بقوة في جلسات الحوار الوطني، جميلة إسماعيل، وإغلاقه بالشمع الأحمر، بزعم إنّ المسكن يعود لزوجها السابق السياسي، أيمن نور، المدرج على قوائم الإرهاب مع انطلاق الحوار الوطني، المفترض أنه ينعقد للبحث عن مخرج من حالة انسداد سياسي ومجتمعي واضحة، يكاد الوطن يختنق بها على كلّ الأصعدة، سيما على صعيد الحالة الاقتصادية البائسة التي تتردّى فيها البلاد.

نحن هنا بصدد إعادة إنتاج لحزمة من السلوكيات السياسة المشهورة في النظم المستبدة،، إذ اعتادت هذه النظم دومًا على أن تعطي إشارة إلى اليسار، ثم تتجه يمينًا، أو العكس، فيما يمكن وصفه بالمناورة أو المراوغة السياسية المحسوبة، غير أنها هذه المرّة تتخذ شكلًا أكثر غلظةً ورعونةً في الانعطاف، بما يجعلها تبتعد كثيرًا عن منطق المناورة وتقترب كثيرًا من الرغبة في التلاعب السادي بالأطراف المستهدفة.

لسان حال السلطة يقول: نرحّب بالحوار من دون أن نحيد عن القمع والبطش بالمدعوين للحوار، وهو الوضع الذي يبدّد التصوّرات الأولية عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء دعوة السلطة إلى  الحوار، وهو ما عبّرت عنه مبكرًا جدًا بالقول إن "هذا الطقس الصناعي، الذي  تدور فيه محاولة استمطار صورة ديمقراطية من سحب وهمية، أقرب إلى الخدع البصرية وألعاب السيرك، التي يمارسها النظام".

أستطيع أن أعترف الآن بأنّ هذا التصوّر كان خاطئًا، أو مفرطًا في التفاؤل الساذج، إذ يتّضح على ضوء الوقائع المجسّدة على الأرض الآن، أنّ الحوار عند هذا النظام ليس أكثر من نزوةٍ مؤقّتة، بينما الثابت الوحيد عنده هو التمسّك بحالة "الخصام الوطني" التي لا يستطيع العيش بدونها، وبالتالي، هو حريصٌ كلّ الوقت على صناعة العداوات وزيادة عدد الأعداء، ليبقى الناس طوال الوقت مهدّدين بالأخطار العظيمة التي تحاصر الوطن من أعداء الخارج والداخل. وبناءً عليه، لا وقت للديمقراطية، ولا وقت للانتخابات، وما تجلبه من صداعٍ في رأس الوطن المتصدّع أصلًا.

من المهم الإشارة هنا إلى هذه البهرجة والإنفاق الباذخ على مهرجان الحوار الوطني الاستعراضي، على الرغم من التأكيد مسبقًا على أنّ لا مجال فيه للنقاش والجدال في القضايا الحقيقية التي تشغل الناس، وهي تعديل الدستور وموضوعات الأمن القومي الاستراتيجي والسياسة الخارجية. وبالتالي، يكون الهدف الحقيقي من الحوار هو الإمعان في إخضاع المعارضة وشحنها، كرهًا أو طوعًا، إلى غرف السلطة لكي تتكلّم لمجرّد الكلام، من دون أن يكون لهذا الكلام أيّ اعتبارٍ عند صاحب السلطة، ومن دون أن يكون مسموحًا لهذه المعارضة بمقاطعة هذه المكلمة من حيث المبدأ أو الانسحاب منها.

الشاهد أنّ عقيدة هذا النظام هي الخصومة الممتدة رأسيًا في عمق الماضي، وأفقيًا في اتساع الواقع المعاش، تلك هي الاستراتيجية الوحيدة المعتمدة، وخصوصًا أنه مسكونٌ بإحساس متعاظم بأنه لم يعد بحاجة إلى تجميل صورته، داخليًا، حيث انعدام القدرة على المقاومة والمناوأة لسياسات وإجراءات تسحق عظام الجميع ... 

وخارجيًا، حيث يعيش الاستبداد أزهى عصوره إقليميًا ودوليًا، وأمامك حالة بشّار الأسد الذي يُكافأ بجائزة العرب التقديرية، على مجمل أعماله الإجرامية بحق الشعب السوري على مدار 12 عامًا مضت، هي عمر الثورة السورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق