مهما اختلف الإسلاميون وعامة العقلاء والمفكرون في شأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإنهم يتفقون -ولا بد- في أن البديل من المرشحين للانتخابات التركية يعتبر تضييعا لتركيا، وإسلاما لها لعدوها، ونصرا لعموم الكفار والمنافقين.
تركيا في ظل حكم أردوغان
وحال تركيا لا يخفى على المتابع؛ فمنذ أكثر من قرن من الزمان -وعلى يد المجرم مصطفى كمال- انغمست تركيا في أنواع الكفر والفسوق والعصيان من جهة، والفقر والتخلف وشيوع صنوف الإجرام من جهة أخرى.
وما بدأ تراجع كل ذلك إلا بظهور أردوغان وتملكه لشيء من السلطة في تركيا.
لا نقول إنه حول تركيا لبلد مثالي – دينا وخلقا واقتصادا …-.
ولكن العودة للإسلام بدأت خطواتها؛ فقد وجدنا أردوغان:
– يبني المساجد، ويعيد مسجد آيا صوفيا لوضعه الحقيقي كمسجد – بعد أن حوله مصطفى كمال لمتحف لنحو مائة عام-.
– ويقيم الصلاة في جيش انغمس في الكفر فلا يعرف غيره نحو قرن من الزمان.
– ويفتح مراكز تحفيظ القرآن، ويكرم الحفظة، ويطبع المصاحف.
– ويعيد للحجاب والستر مكانته -بعد أن كان لا يسمح للنساء الفاضلات به في الجامعات والمراكز التعليمية والأماكن العامة ومقار الأعمال- بعد أن تعرت نساء تركيا وصارت مرتعا لكل فاجر يشبع نظره بما شاء من أجسادهن، ويمتدح الإسلام ويفخر بأمجاده ورجاله وأعلامه، ويتلو القرآن خاشعًا، ويرفع الأذان متحديا…
وفي مجال السياسة التركية الخارجية
في ظل حكم أردوغان سعى للدفاع عن قضايا المسلمين في كافة أنحاء الأرض حتى ذمه أعداؤه -بما هو مدح وفخر له- بإطلاق وصف “السلطان العثماني” عليه، في إشارة لسيره بسير بني خلفاء عثمان الذين كانوا يحكمون عموم المسلمين لعدة قرون حتى ضعف أمرهم وأطاح بهم المجرم مصطفى كمال.
– فساند أردوغان مسلمي إقليم أراكان ببورما المكلومة.
– وساند مسلمي تركستان الشرقية التي تعاني من محنة تسلط العدو البوذي الصيني الغاشم.
– وساعد المسلمين في الصومال في أسوأ أحوالهم -وما زال-.
– وقدم العون للمهاجرين والفصائل المقاومة السورية التي وقفت في وجه النظام النصيري الفاجر في دمشق.
– وبنى علاقات استراتيجية مع قطر وليبيا، وأقام علاقات جيدة مع دول عربية وإسلامية.
– وأصبحت تركيا لاعبًا هاما في السياسة الإقليمية والدولية كما شاهدناه في حرب أوكرانيا وغيرها.
وفي مجال الاقتصاد
فقد رفع تركيا من أسفل التصنيفات الاقتصادية إلى مصاف الدول الكبرى، وقد ذكرت مجلة إسبانية اسمها: موي نيغوثيوس واي إيكونوميا -المتخصصة في الاقتصاد- أن تركيا في وضعها الحالي في المرتبة الثالثة عشر بين دول العالم في قوة اقتصادها، وفي تقرير لها حول قوة الدول اقتصادياً خلال العام ٢٠٣٠م بناء على عدة مؤشرات- وضعت تركيا أردوغان في المرتبة الخامسة مؤكدة أن الاقتصاد التركي يثير الإعجاب …. وغير ذلك الكثير مما يسهل التعرف عليه لمن أراد.
وفي محنة الزلزال الذي اجتاح الجنوب التركي
انتصب وهجر النوم وسخر نفسه وكافة الأجهزة لإغاثة المتضررين وإعانتهم على تجاوز المحنة بأقل الخسائر بما لا يوجد على وجه الأرض مثله في زماننا هذا.
إن منظومة أردوغان -التي يزداد رصيدها دوما- تعتبر فخرا للأتراك، ويكفيهم النظر فيمن حولهم من بلدان المسلمين التي تخطو خطوات متسارعة نحو الفساد في كافة المجالات، بينما خطوات تركيا على العكس..
إن الانتخابات التركية تقسم الناس في زماننا هذا إلى فسطاطين:
فسطاط إيمان وصلاح، وفسطاط كفر وفساد.
ويكفي لمعرفة ذلك أن تطلع على ما يدور في الإعلام الغربي الكافر وذيوله من بني جلدتنا من تشويه كبير لأردوغان ودعم وتلميع لخصومه النكرات مما يشي بحجم المؤامرة الهائل.
ومن ذلك؛ تقول صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية -مظهرة رشوة واضحة للأتراك لينصروا خصوم أردوغان عليه-:
سيتم تمويل تركيا في حال فازت المعارضة بالانتخابات….
على الغرب أن يقدم المساعدة لتركيا في حال خسر أردوغان الانتخابات المقبلة…
الفوز المحتمل للمعارضة التركية يوم ١٤ أيار/ مايو يعني تغير قواعد اللعبة بالنسبة لتركيا وللغرب معا.
وفي المقابل؛ يرجوا المؤمنون أن يوفق الله أردوغان في الانتخابات -وفيما بعدها من إصلاحات وفي اقترابه من الشرع المطهر- ؛ يقول فاتح أربكان -نجل الراحل العظيم نجم الدين أربكان رحمه الله تعالى أكبر مكافح للعلمانية في تركيا الحديثة، والذي يعد أردوغان من أكبر تلامذته- في مؤتمر جماهيري في ولاية قونية:
نظام التعليم سيربي الأجيال على الحلال والحرام….
علينا أن نحمي عائلاتنا، علينا أن نحمي شبابنا، علينا أن نحمي أطفالنا، سنجعل نظام التعليم يولي أولوية للقيم الوطنية والمعنوية، وبتعبير أستاذنا أربكان؛ سنجعل نظام التعليم يعلم الطالب أن الحلال أكبر وأفضل من الحرام كما نعلمه أن العدد ٥ أكبر من العدد ٤.
نظام التعليم سيري أجيالا تولي اهتماما بآخرتها، سيربي أجيالا تخاف الله، سيربي أجيالا على التزكية وتربية النفس وليس على المادية واتباع الهوى.
ولن نكتفي بالتعليم، بل علينا إصلاح ما يبثه الإعلام مما يفسد الأخلاق، علينا أن نجعل الإعلام يبث ما يتناسب مع قيمنا وثقافتنا وتاريخنا وعائلاتنا، فللإعلام تأثير كبير على شباب الجيل الجديد. اهـ
تأمل ما يخطط له ويرجوه أردوغان ورجاله الصادقون -نحسبهم والله حسيبهم-؛ فهم -ولله الحمد والمنة- على ما يحب أهل الإيمان ويبغض أهل الكفر والنفاق.
ونرجو أن نرى هذا اليوم الطيب الذي يوفق فيه الطيب رجب أردوغان ذو النبرة الإسلامية المتصاعدة، والمشاعر الفياضة، ورقة القلب لذوي القربى وكل مسلم، ونرجو له أن تصدق فيه الأولى والثانية من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: … وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال….1.
فيا أهل تركيا الأفاضل
إن أردوغان خياركم الوحيد -المتاح حاليا- لترتقوا دينيا ودنيوياً، وإن من يريد وجه الله عز وجل يجب ألا يستسلم لما يروجه أعداؤه، ولا يضعف في مواجهة أعداء الإسلام، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:104].
فأنتم في مؤامرة ومعركة منظورة، وخيانات ومؤامرات غير منظورة، وكما يصيب الصابرين المتمسكين بدينهم الألم والأحزان والهموم فكذلك يصيب أعداء الإسلام الخسارة المادية الفادحة ونحو ذلك مما يكرهون؛ إلا أن المتمسكين بدين الله عز وجل يرجون منه الفضل العظيم في الدنيا والآخرة.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى – في تفسير هذه الآية:
أي: لا تضعفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار، أي: في جهادهم والمرابطة على ذلك، فإن وهن القلب مستدع لوهن البدن، وذلك يضعف عن مقاومة الأعداء. بل كونوا أقوياء نشيطين في قتالهم…. ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين:
الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك؛ لأن العادة الجارية؛ لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى.
الأمر الثاني: أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه، بل خواص المؤمنين لهم مقاصد عالية وآمال رفيعة من نصر دين الله، وإقامة شرعه واتساع دائرة الإسلام، وهداية الضالين، وقمع أعداء الدين، فهذه الأمور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة، وتضاعف النشاط والشجاعة التامة؛ لأن من يقاتل ويصير على نيل عزه الدنيوي إن ناله ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والأخروية والفوز برضوان الله وجنته، فسبحان من فاوت بين العباد وفرق بينهم بعلمه وحكمته، ولهذا قال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) كامل العلم كامل الحكمة2.
فيا أيها الشعب التركي لا يكن تضييع وإضعاف تركيا وتسليمها لأعداء الإسلام على أيديكم.
واعلموا أنه بأردوغان أو بغيره فإن تركيا لن تضيع بعون الله تعالى فإن جذوة الإسلام لن تنطفئ منها ولا من أي بلد مازال أهله يدينون به ويتمسكون به ،ويحبونه، ولنا العبرة فيما شاهدناه في الجمهوريات الإسلامية التي رزحت تحت احتلال الروس المجرمين عقوداً طويلة، ثم لما انقشعت الغمة رجع الناس بشوق جارف إلى دينهم، وها هي تلك البلاد المسلمة تموج بحفظة القرآن وطلبة العلم ومحبيه مما يثير دهشة من لا علم له بسنن الله عز وجل ووعده بنصر المؤمنين.
نصر الله تعالى الإسلام، ووفق الله عز وجل أردوغان ونفع به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق