استراتيجية السيطرة على الشعوب وقصة الحاكم ووسام الحيوانات
تقرير إعداد الباحث والمحلل السياسى
د.صلاح الدوبى
الأمين العام لمنظمة اعلاميون حول العالم
ورئيس فرع منظمة اعلاميون حول العالم
رئيس حزب الشعب المصرى
جنيف – سويسرا
إن أردت السيطرة على شخص ما فما عليك سوى الاستحواذ على الجزء المفكر والمدبر منه وهو العقل وإن أردت السيطرة على ذاك العقل المفكر وأردته خالصا لك فعليك بالتحكم فيما يصل لهذا العقل وأيسر الطرق للتحكم فيما يصل للعقل هي وسائل الاعلام، ويعتبر الإعلام بشكل عام سواء كان قديما تهيمن عليه النخبة أم جديدا متمثل بشبكات التواصل الاجتماعي المرجع الاول للشعوب والناقل الرسمي لكل ما يحدث في العالم من أحداث وحركات بل وسكنات وهم جالسون تحت أسقف بيوتهم متكئين على وسائدهم محدقين في هواتفهم. لكن من يدير هذا الناقل هو وحده قادر على تكوين بوصلة لعقلك والهيمنة على تفكيرك بل وغض طرفك عما لا يريد منك رؤيته وإطلاق بصرك نحو ما يريد منك أن تراه.
توقف يجب أن تكون يقظا في كل لحظة ومفكرا فى كل مايدور من حولك.. كفاك دور الحي الميت الذى تعيش فيه.. اقرأ.. لتحمل هما وأملًا في كل خطواتك.. نعم الاثنان معا!، لتمضي عاملًا، ليس لآخر نفس وتحرر للروح من الجسد في هذه الحياة، بل لتعمل أفعالك الصادقة المتقنة وإن قلّت.. حتى بعدما يتحلل جسدك في الأرض تمامًا.. لتُنبت أفكارك.. في الأرض نفسها لمن يأتى بعدك..
أن الإعلام مهمته الأولى والأخيرة حشو عقول البغال وقد يكون ما يدخل للعقل من خلال وسائل الإعلام ينمي التفكير أو يثبطه أو يوجهه.. وهذا يتوقف على من يدير تلك الآلة الجهنمية الإعلامية ومن هنا يمكن تقسيم الإعلام إلى قسمين..
النوع الأول: إعلام قديم أو تقليدي وهو تتحكم فيه نخبة بعينها وحدها تحدد ما يصل للمستقبِل وما لا يصل وحدها تحدد البوصلة لعقل المستقبِل وتفكيره وهذا النوع ينحصر في وسائل الإعلام القديمة كالتلفاز والراديو.
والنوع الثاني: وهو الإعلام الجديد ويسمى بالإعلام البديل أو الاجتماعي وهو متاح للجميع ويتميز بالحرية وتوجيه العقل في أكثر من اتجاه للمعرفة والتعرف على مختلف الأفكار هو ساحة لتلاقى جميع الثقافات لا تهيمن عليه فئة بعينها ولا تتحكم به.
وبما للإعلام من خصائص متمثلة في التفاعلية واللاتزامنية والمشاركة والانتشار وتكوين بيئة عالمية للاتصال تتخطى حواجز المكان جعله ذلك عامل أساسي وفعال في تكوين الرأي العام واختراق صفوف الجماهير وأحيانا تفتيت تلك الصفوف إن كانت متجمعة وتجميعها إن كانت مشتتة. تخطى دور الإعلام من كونه منصة لتلاقى الفكر ليشمل التسلية والترفيه مما جعل تأثيره يمتد للأخلاق أيضا.
هنا كانت بداية الصدمة الحقيقة. حقا انها كانت صدمة مدويه. فقد الكثير منا ثقته بالرساله الادبية التى كانت تقدمها الدوله تجاه مواطنيها عندما علموا انها كانت تغذى بداخلهم مشاعر مقصود من ورائها خلق الشعور بالرضى حتى لا تطمح بالافضل الذى لا تستطيع تقديمه الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة.
وهم عبد الناصر وواقعه على الأمة العربية
عشنا وهم المصرى الذى يرغبة كل بنو البشر ويمجدونه من حيث القوه والذكاء والابداع ،عشنا وهم ان المصرى هو محور الكون وباقى الشعوب تدور حوله مبهوره بشخصيته.
عشنا وهم الدولة العربية المتقدمه والحديثة والمنتجه للعلم وصاحبة اكبر قلعه صناعيه فى الشرق الاوسط. ياله من فخر.
نعيش فى حرب نفسية قد اجتاحت العقول بامتياز ،أصبحنا فى حالة عدم اتزان نفسى وتفكيك فى آراء الآخرين وسفسطة فى الآراء ، تغلغل اليأس داخل النفوس الضعيفة الواهية الفكر ومن السهل انقيادها والسيطرة عليها وأصبحنا سجناء للكلمة وسجناء للفكر المصدر لنا.
ينفق الحكام الطغاة فى منظقطنا العربية ملايين الجنيهات بل الدولارات لإنتاج الأفلام الساقطة الهابطة التي تجعل من شباب الأمة ورجال الصحوة مسوخا بشرية تتحرك فطرتهم بشكل حيواني طاغ على حدود النفس والغريزة النقية.
و لا تتوقف سياسة التغييب على إذاعة هذا الجهل فحسب، ولا يتوقف تأثيرهم على الأخلاق وتشويه الروح والخروج عن الفطرة وفقط. فمن ضمن هذه السياسة التي باتت وكأنها بروتوكولات للاستحواذ على أي شعب البرامج السياسية التي يذيعها مقدمي برامج محنكين واعين.
أولئك أصحاب الألسنة السليطة، يجلس الفرد منهم الساعة والساعتين موجها وجهه للكاميرات فتارة يخفض صوته وتارة أخرى يصيح. تارة يسب وتارة أخرى يتلطف ويمدح.
يأخذ عقل المشاهد إلى لب الحدث الذي يريده أن يعرفه بالصياغة وبالشكل الذي يريده ثم تغلق تلك الكاميرات ويخرج المستمع وكأنه جهبذا في السياسة فيصيح في المجالس بما في جعبته من معرفة وفكر والمسكين لا يدرى أن عقله مُشكل بما أرادته النخبة وأن تفكيره مسير كما أرادوا، وأن كل ما يردده مخالفًا للعقل والدين.. بل يخالف آراء من يردد كلامهم.
المصريون يصبرون على حكامهم مثل الجمال ولكنهم لا ينسوا شقاءهم مع الفقر والمرض والبطالة والإساءة والإهانة، رغم أن كل حكام مصر كانوا يعدونهم بالخير والرخاء، فلم يجدوا غير البؤس والشقاء، لذلك لم تعد تنطلى عليهم أكاذيب الرؤساء التى كانت تأخذ منهم الحرية من أجل رغيف العيش، فلم ينالوا الحرية ولا العيش، وصار صعباً بعد ثورة يناير ، وتم خداعهم بشماعة الظروف الصعبة التى يمر بها الوطن فربطوا الحزام حتى استغاثت البطون، وأصبحت حياة المصريين يوم مر ويوم أكثر مرارة.
وبالرغم من ذلك خرج الألاف يحتفلون بفوز الأهلى على الزمالك منذ عدة أيام بدلا من الخروج بثورة على النظام السادى الديكتاتورى !!!!
استراتيجية إلهاء الشعوب وقصة الحاكم ووسام الحيوانات
مسألةُ إلهاء الشعوب عن القضايا الرئيسية قديمة، وقد استخدمتها بعض الحكومات منذ زمن بعيد وبأساليب مختلفة. وتختلف طريقة الإلهاء من بلد لآخر، حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكلِّ بلد.
لذا نرى أنّ بعض الدول – قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ألهت مواطنيها بكرة القدم وبالفن؛ وأسّست في سبيل ذلك، الكثير من المجلات الفنية وكذلك القنوات الرياضية، وأنشأت العديد من الصحف الرياضية، التي تتناول الشأن الرياضي لفترات طويلة. وكان الهدف من ذلك إلهاء الشعب عن الاهتمام بالقضايا الأساسية؛ كالمطالبة بالمساواة والعدالة والحقوق، وحرية التعبير وإبداء الرأي في القضايا العامة وغيرها من الحقوق المغيّبة.
كان الإعلام ولا يزال هو الأداة الرئيسية التي تعتمد عليها الحكومات في مسألة الإلهاء؛ وذلك بإشغال الرأي العام بقضية هامشية لفترة والتركيز عليها، قبل الانتقال إلى قضية أخرى. أنّ هناك عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب. وهناك وثيقة مصنّفة بأنها سرية للغاية، يعود تاريخها إلى عام 1979م ، وتم العثور عليها عام 1986م ، وتحمل عنواناً مثيراً هو “الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة”؛ وهي عبارة عن كتيّب أو دليل للتحكم في البشر والمجتمعات، ويرجِّح المختصون أنها تعود إلى بعض دوائر النفوذ العالمي، التي عادةً ما تجمع كبار الساسة والرأسماليين والخبراء في مختلف المجالات.
يأتي في مقدمتها الإلهاء. فتقول هذه الاستراتيجية: “حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدًا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وألهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا.. مشغولا.. مشغولا.. دون أن يكون لديه أيُّ وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى”. “إنّ عنصرًا أساسيًا في التحكم الاجتماعي هو إلهاء العامة عن الانتباه للقضايا والتغييرات الاجتماعية الهامة التي تحدِّدها النخب السياسية والاقتصادية، من خلال تصدير كَمّ كبير من الإلهاءات والمعلومات التافهة. وتتضمن تلك الاستراتيجية أيضًا منع العامة من الاطلاع والمعرفة الأساسية بمجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس والعلوم البيولوجية”.
أما الاستراتيجية التالية بعنوان “خاطِب العامّة كأنهم أطفال”، فتقول: “إذا تمَّ التوجه إلى شخص مّا، كما لو أنّه لم يتجاوز بعد، الثانيةَ عشرة من عمره، فإنه يتم الإيحاء له بأنه فعلا كذلك؛ وبسبب قابليته للتأثر، من المحتمل، إذن، أن تكون إجابته التلقائية أو ردّ فعله مفرغة من أي حس نقدي، كما لو أنه صادر فعلا عن طفل ذي اثنتي عشرة سنة”؛ وهذا مُشَاهَدٌ وواقعٌ في الوطن العربي؛ فدائمًا يتم التعامل مع الشعوب على أنها قاصرة لم تبلغ الحلم بعد، وأنها لا تعرف ما يضرّها وما ينفعها، لذا على الحكومات أن تفكر عن هذه الشعوب وتتخذ القرارات بدلاً منها؛ فهي الأدرى بمصلحتها.
ولكن الأنكى ممّا سبق هي التي جاءت بعنوان “إبقاء العامة في حالة من الجهل والغباء”؛ وهذه الاستراتيجية كفيلة بتدمير أي أمة على وجه الأرض. فلا أخطر على الأمم والشعوب والحكومات بل وعلى الحكّام أنفسهم، من الجهل والغباء.
تقول هذه الاستراتيجية..“يجب أن تكون جودة التعليم المقدَّم للطبقات الدّنيا، رديئةً بشكلٍ يعمِّق الفجوة بين تلك الطبقات والطبقات الراقية، التي تمثل صفوة المجتمع، ويصبح من المستحيل على تلك الطبقات الدّنيا معرفة أسرار تلك الفجوة”.
وبذلك تصبح الشعوب مثل الأغنام عليها أن تأكل وتنام، لأنها عاجزة عن فهم كل ما يدور حولها؛ وبهذا الجهل والغباء يسهل السيطرة عليها.
الديكتاتور الطاغية الحاكم الأوحد فى الدول العربية
هو “رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع، فيمكن أن يكون قد اغتصب الحكم بالمؤامرات، أو الاغتيالات، أو القهر، أو الغلبة. باختصار هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيراً طبيعياً لكنه قفز إلى الحكم عن غير طريق شرعي، وهو لهذا يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم أنه غاصب ومعتد فيضع كعب رجله في أفواه ملايين الناس لسدها عن النطق بالحق، أو التداعي للمطالبة به”.
ووفق تأريخ موسع، يضيف الكاتب عن الطاغية أنه “لا يعترف بقانون أو دستور في البلاد، بل تصبح إرادته هي القانون الذي يحكم، وما يقوله هو أمر واجب التنفيذ، وما على المواطنين سوى السمع والطاعة، ويسخّر كل موارد البلاد لإشباع رغباته أو ملذاته أو متعه التي قد تكون في الأعم الأغلب حسية، أو قد تكون متعته في طموحاته إلى توسيع ملكه، أو إقامة إمبراطورية“.
وحسب التعريف المطول للطاغية فإنه “ينفرد بخاصية أساسية في جميع العصور، وهي أنه لا يخضع للمساءلة ولا المحاسبة ولا للرقابة، والطغيان في كل عصر صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شؤون الرعية بلا خشية حساب ولا عقاب”، وهو يؤكد أن “الحساب بالغ الأهمية لأنه يفرق بين عائلة الطغيان أياً كان أفرادها، وبين الأنظمة الديمقراطية التي يحاسب فيها رئيس الدولة كأي فرد آخر”.
نستطيع أن نقول إن البلدان العربية، نجحت في العقود الماضية، في تنفيذ استراتيجيات الإلهاء، وقد تمثل النجاح في تضييق فكر الناس، عبر تشكيل وعيهم وقناعاتهم بما يرمي إلى إخضاعهم لإرادة الحكومات؛ وذلك بالاهتمام بالتوافه من الأمور، دون أن يكون لهم رأيٌ أو إرادةٌ حرّة، حتى وصلوا إلى مرحلة الاهتمام بالأكل والنوم فقط؛ وها هو الأكل بدأ الآن يعزّ على الناس، وبدأت الأوضاع الاقتصادية تنهار حتى في الدول التي تصنّفُ بأنها غنيّة؛ وهي الدول التي بعثرت ملياراتها على التوافه، وعلى شراء أسلحة خيالية لن تُستخدم إلا ضد الشعوب العربية. ومع كل ما أخذ ترامب من بعض الدول العربية، إلا أنه سماه “فتات”.
تم إلهاء الناس بمعارك الحكومات العربية السياسية؛ وكانت الأزمة الخليجية القطرية العنوان الأبرز في ذلك، وكذلك الحرب على اليمن. كما تمّ إشغالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأوضاع العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر والسودان؛ وبخوض معارك وهميّة عن الاختلاف الديني والمذهبي. والأغرب من ذلك استدعاء التاريخ وإثارة الحروب بسببه، وغيرها من المعارك، التي ألهت الناس عن الأساسيات المعيشية.
تنبه الكاتب التركي الراحل عزيز نيسين إلى مسألة الإلهاء هذه، وذلك في قِصّتِه القصيرة بعنوان “وسامٌ للحمار” التي أجد أنه من المناسب سردها.
كان في قديم الزمان بلاد, أشرقت شمس الحرية عليها, واخضوضرت شجرة الديمقراطية في تربتها. الخير كثير، والراحة أكثر. سكّانها لا همَّ لهم ولا غم. راحت أيام وجاءت أيام, حلَّ فيها قحط لا يوصف. الذين كانوا يأكلون الكثير واللذيذ، أصبحوا محرومين حتى من كسرة الخبز اليابس. وجد الحاكم أنّ المجاعة ستفتك بالرعية؛ فبحث عن طريق للخلاص. أطلق المنادين في أنحاء البلاد. كان القرار الذي نادى به هكذا: يا أهالي البلد؛ الحاضر يعلم الغائب، كلّ من قدّم خدمة للمملكة أو نفعًا للوطن, فليسرع إلى القصر ليقدم له مولانا الحاكم وسامًا.
نسي الناس جوعهم, حرمانهم, همومهم, ديونهم, مصاريفهم.. وهُرعوا إلى الحاكم هائمين بأوسمته. فلكل وسام حسب حجم خدماته. وسام المرتبة الأولى مطليّ بالذهب؛ وسام المرتية الثانبة بماء الذهب؛ وسام المرتبة الثالثة بالفضة؛ وسام المرتبة الرابعة بالقصدير؛ والخامس توتياء؛ والسادس تنك؛ وهكذا.. وهكذا فالأوسمةُ أنواع. الذاهب يحصل على وسام، والآيب يحصل على وسام؛ وبقي الحال على هذا حتى أنه من فرط صنع الأوسمة, لم يبق في بلاد الحاكم ذاك، شيءٌ من خردة حديد أو توتياء أو تنك.
سمعت بقرة عن الأوسمة التي تقرقع على صدور الناس, وأنّ الحاكم يمنح قاصديه أوسمة. ففكّرت: الوسام في الواقع من حقِّي أنا!.
وضعَتْ البقرة في ذهنها فكرة الحصول على الوسام. وبالرغم من كون عمودها الفقري وقفصها الصدري ناقبين, وأنها تطب على الأرض كمن يزحف زحفًا, فقد حضرت إلى باب القصر ركضًا. قالت لرئيس البوابين: أخبروا الحاكم بأنّ بقرة تريد مقابلته. أرادوا صرفها، فبدأت تخور: لا أخطو خطوة واحدة من أمام الباب قبل أن أقابل الحاكم!
أرسلوا للحاكم: مولانا؛ بقرة من رعيّتكم تود المثول أمامكم. أجاب الحاكم : لتأت لنرى بأية حال هي هذه البقرة! وعندما أُدخلتْ عليه قال: خوري لنرى ما ستخورين به! قالت: مولاي؛ سمعت بأنك توزِّع أوسمة. أريد وساما.
فصرخ الحاكم: بأيِّ حق؟ وماذا قدَّمتِ؟ ما نفعك للوطن حتى نعطيك وسامًا؟!
قالت: إذا لم أعطَ أنا وسامًا فمن يُعطاه؟ تأكلون لحمي وتشربون حليبي وتلبسون جلدي. حتى روثي لا تتركونه؛ بل تستعملونه. من أجل وسام من التنك ماذا عليَّ أن أعمل أكثر من هذا؟!.
وجد الحاكم الحقّ في طلب البقرة، فأعطاها وسامًا من المرتبة الثانية. علقت البقرة الوسام في رقبتها؛ وبينما هي عائدة من القصر, ترقص فرحًا, التقت البغل الذي بادرها بالسلام:
مرحبًا يا أختي البقرة.
مرحبًا يا أخي البغل
ما كلّ هذا الانشراح؟ من أين أنت قادمة؟.
شرحت البقرة كلَّ شيء بالتفصيل؛ وإذ قالت إنها أخذت وسامًا من الحاكم, هاج البغل. وذهب إلى قصر الحاكم: أريد مقابلة مولانا!. قيل له: ممنوع. إلا أنه وبعناده الموروث عن أبيه, حرن وتعاطى على قائميه الخلفيين. أبى التراجع عن باب القصر. نقلوا الصورة إلى الحاكم فقال: البغل أيضًا من رعيّتي, فليأت ونرى.
مثل البغل بين يديه. ألقى سلامًا بغليًا, قبّل اليد والثوب, ثم قال إنه يريد وسامًا. فسأله الحاكم: ما الذي قدّمتَه حتى تحصل على وسام؟. رد البغل: ومن قدَّم أكثر ممّا قدّمتُ أنا؟. ألستُ من يحملُ مدافعكم وبنادقكم على ظهره أيام الحرب؟ ألستُ من يركب أطفالُكم وعيالُكم ظهرَه أيام السلم؟. لولاي ما استطعتم فعل شيء. أصدر الحاكم – إذ رأى البغل على حق – قرارًا:
اعطوا مواطني البغل وسامًا من المرتبة الأولى.
وبينما كان البغل عائدًا من القصر بنعاله الأربعة, وهو في حالة فرح قصوى. التقى بالحمار. قال الحمار: مرحبا يا ابن الأخ. قال البغل: مرحبا أيها العم. من أين أنت قادم وإلى أين أنت ذاهب؟ حكى له البغل حكايته. قال الحمار: ما دام الأمر هكذا؛ سأذهب أنا الآخر إلى حاكمنا وآخذُ وسامًا. وركض بنعله الأربعة إلى القصر. صاح حراس القصر بالحمار، لكنهم لم يستطيعوا صدَّه بشكلٍ من الأشكال.
فذهبوا إلى الحاكم: مواطنكم الحمار يريد المثول بين أيديكم. هلا تفضلتم باستقباله؟. استقبل الحاكم مواطنه الحمار وسأله: ماذا تبغي يا مواطننا الحمار؟. فأخبر الحمارُ الحاكمَ برغبته. فقال الحاكم وقد وصلت روحه إلى أنفه: البقرة تنفع الوطن والرعيّة بلحمها وحليبها وجلدها وروثها؛ وإذا قلتَ البغل, فإنه يحمل الأحمال على ظهره في الحرب والسلم, ومن ثم فإنه ينفع وطنه, ماذا قدّمتَ أنتَ؟.
فقال الحمار وهو يتصدر مسرورًا: إنّ أعظم الخدمات هي تلك التي تُقدَّم إليكم من رعاياكم الحمير؛ فلو لم يكن الألوف من الحمير مثلي بين رعيتكم, أفكنتم تستطيعون الجلوس على العرش؟. هل كانت استمرت سلطتكم؟ احمد ربَّك على كون رعيتكم حميراً مثلي تمامًا, ومن ثمّ على استمرار حُكمكم!.
أيقن الحاكم أنّ الحمار الذي أمامه لن يرضى بوسام من التنك كغيره. فقال: يا مُواطني الحمار, ليس عندي وسامٌ يليق بخدماتكم الجليلة؛ لذا آمر بأن يُقدَّم لك عدل من التبن يوميًا في اسطبل القصر. كُلْ.. كُلْ.. كُلْ حتى يستمر حكمي.
يرى عزيز نيسين إذن أن الشعوب اليوم ارتضت بلقمة العيش الذليلة فقط، وتنازلت عن حقوقها في سبيل أن تأكل وتعيش – حالها كحال الحمير -، دون أن يحق لها أن تطالب بالحرية والعزة الكرامة، وأنه تم إلهاءُ الناس بأشياء تبدو أنها تكريم، ولكنّ التكريم تمّ بأشياء غير مفيدة، مثل الأوسمة؛ فالناس تتضوّر جوعاً والحاكمُ يعطي النّاس أوسمة من التنك. وكان من نتيجة إلهاء الشعوب أنّ الحكومات رفضت مبدأ النقد، حتى وإن كان بنّاء يؤدي إلى مصلحة الوطن؛ وفي ذلك ضرر، بل كل الضرر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق