ما قل ودل: رفض مجلس الأمن وقف الحرب وقراره وقف القتال عام 1948
المستشار شفيق إمام
إسرائيل هي صنيعة الاستعمار العالمي الجديد وأداته الاستيطانية في العالم مع قواعده العسكرية، ووسيلة في مواجهة ما سمي الخطر الإسلامي، سواء في توكيد سيادته على منطقة الشرق الأوسط، وجوهر هذه السيادة هو أن تقف عائقاً دون تحقيق الحلم العربي في وطن واحد ودولة واحدة
لم يكن قرار مجلس الأمن برفض مشروع قرار وقف الحرب على غزة مفاجئا لي بقدر ما كان مفاجئا لي أن إحدى الدول الدائمة العضوية لم تستخدم حق نقض هذا القرار (الفيتو) حيث لم يفز القرار بأغلبية أعضاء المجلس الدائمين وغير الدائمين، إلا أنني استعدت من الذاكرة أول قرار أصدره مجلس الأمن بوقف القتال بين العرب وإسرائيل في 22 مايو سنة 1948 فدفعني الخاطر بتحليل هذين القرارين في ضوء الواقع المستجد.
ولعل البعض يتساءل عن الرابط بين القرارين، وأجيب بأن الحربين كانتا بين العرب وإسرائيل، لكن القرار كان مختلفا في كل منهما، في ظل نظام عالمي واحد، ومجلس أمن واحد، لم تتغير الدول الأعضاء فيه، عدا حلول الصين الشعبية محل الصين الوطنية في العضوية الدائمة بمجلس الأمن، وزيادة أعضاء مجلس الأمن من تسعة أعضاء إلى خمسة عشر عضوا، وهو ما يعني المزيد من مشاركة الدول الأعضاء في المنظمة في اتخاذ قرارات المجلس.
ولا يخفى على كل ذي بصر أو بصيرة أسباب الاختلاف بين القرارين كلها أو بعضها، إلا أنني أردت في هذا المقال أن أردها إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تشكل سببين مشتركين للقرارين، ومجموعة تشكل سببين للقرار الأول، والثالثة تتعلق بالقرار الثاني، والجامع بينها جميعا أن إسرئيل صنيعة النظام العالمي الجديد، أو بالأحرى الاستعمار في ثوبه الجديد، أو الداعم للديموقراطية وحقوق الإنسان، والقائم على سيطرة الدول الاستعمارية على العالم كله سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
فإسرائيل هي صنيعة الاستعمار العالمي الجديد وأداته الاستيطانية في العالم مع قواعده العسكرية، ووسيلة في مواجهة ما سماه الخطر الإسلامي، سواء في توكيد سيادته على منطقة الشرق الأوسط، وجوهر هذه السيادة هو أن تقف عائقا دون تحقيق الحلم العربي في وطن واحد ودولة واحدة مركزية تحمي ثرواته الكثيرة وعلى رأسها البترول الغنية أرضه به.
أولاً: سببان مشتركان بين القرارين:
ذلك أنه بالرغم من التناقض البادي لأول وهلة من أن مجلس الأمن عندما أوقف القتال في 22 مايو سنة 1948 بين المتحاربين من العرب واليهود رفض وقف حرب إسرائيل وعدوانها على الحرب في غزة، فإن الجامع بينهما أسباب واحدة هي:
السبب الأول: أن إسرائيل هي صنيعة النظام العالمي الجديد، فالدولة اليهودية، وإن كانت وفاء بعهد قطعته على نفسها الحكومة البريطانية، فيما سمي وعد بلفور، فإن حاييم وايزمان زعيم الصهيونية في العالم هو الذي أعد وصاغ وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين لإنشاء وطن يهودي في فلسطين بدعوى من الخارجية البريطانية، وقد سجل ذلك في كتابه «التجربة والخطأ».
السبب الثاني: أن إسرائيل يجب أن تبقى لأداء دورها في النظام العالمي مخلب قط في حماية مصالحه في الأرض العربية، وتنفيذ سياساته، وإسفينا يشطر الوطن العربي ويمنع امتداده الجغرافي بما يحقق وحدته.
ثانيا: أسباب صدور القرار الأول:
الصادر في 22/ 5/ 1948 بوقف القتال بين الجيوش العربية والجيوش الصهيونية الثلاثة السبب الأول: أن الانتداب البريطاني كان قد انتهى بقرار من الأمم المتحدة، اعتبارا من 15/ 5/ 1948، بعد أن حقق أهدافه بتوطين اليهود من أنحاء العالم كل في فلسطين، وبعد أن شكل اليهود ثلاثة جيوش هي:
الهاغاناه، وهي الأكبر والأوفر عددا وعتادا، و(الأرغون)، وجيش العصابات (شتيرن)، وأن هذه الجيوش الثلاثة استطاعت ترهيب الفلسطينيين وترويعهم، وتهجير 360 ألفا منهم إلى مصر والأردن وسورية، فضلا عن نزوحهم من أراضيهم إلى مدن أخرى في فلسطين أكثر أمنا، بعد المذابح الدامية للشعب الفلسطيني، وعلى الأخص مذبحة دير ياسين.
السبب الثاني: انتصار الجيوش العربية على الجيوش الثلاثة الإسرائيلية انتصارا ساحقا، حيث تمكنت القوات المصرية من السيطرة على جنوب فلسطين، وتمكن الجيشان العراقي والأردني من اجتياح المناطق المحددة لهما في وقت أقصر بكثير مما خطط له، وأن الجيش السوري وجيش الإنقاذ قد تمكنا من السيطرة على الخليل، وأن الجيش اللبناني اقترب من عكا.
السبب الثالث: أن الجيوش العربية لم تحترم قرارا رسميا أصدرته الهيئة العام للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، لذلك صدر القرار الأول بعد أسبوع واحد من الحرب التي ألحقت هزيمة ساحقة بالصهاينة، وذلك في 22/ 5/ 1948 والذي رفضته الحكومات العربية.
فمارست الولايات المتحدة وبريطانيا ضغوطا على مجلس الأمن والحكومات العربية، وقدمت بريطانيا مشروعا آخر لوقف القتال لمدة أربعة أسابيع، فقبلته الجامعة العربية في 2/ 6/ 1984 تحت هذه الضغوط.
وقد تمكن الصهاينة خلال فترة الهدنة، وبدعم كامل من الدول الاستعمارية من تعزيز تسليحهم، واستنفار يهود العالم للانضمام إلى الجيوش الإسرائيلية الثلاثة، وخيانة اللورد غلوب باشا قائد الجيش الأردني الذي ذهل لتقدم الجيشين الأردني والعراقي في اجتياح المناطق المحددة لهما، بسرعة فائقة، فأوقف هذا التقدم عند حدود التقسيم الذي قررته الأمم المتحدة، احتراما لقرار التقسيم، كما أهمل تحصين مدينتي اللد والرملة اللتين كانتا لا تبعدان عن تل أبيب أكثر من 15 كيلومترا.
فكشفت المجنبة اليمنى للقوات المصرية وأدت إلى حصار الجيش المصري في الفالوجا التي كان جمال عبدالناصر قائدا لكتيبة منها، الأمر الذي مكن القوات الصهيونية من قاعدة جوية هامة في اللد، ومن طريق الوصول هذه القوات إلى القدس، وهناك أسباب أخرى لهذه الهزيمة لا يتسع المقال للخوض فيها. كما كان من أسباب هزيمة الجيوش العربية التآمر الدولي، وترحيب الصهاينة باغتيال الوسيط الدولي الذي عينته الأمم المتحدة لعمل تسوية بين الطرفين، وهو الكونت السويدي فولك برنادوت لأنه في محاولته وضع تسوية مقبولة عارض ضم بعض الأراضي الفلسطينية إلى الدولة اليهودية المقترحة، وللحديث بقية غداً عن الأسباب التي حالت بين مجلس الأمن والموافقة على مشروع قرار وقف الحرب على غزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق