الخميس، 16 نوفمبر 2023

المعركة الفاضحة!

المعركة الفاضحة!

محمود عبد الهادي

محمود عبد الهادي

كيف يطلب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دول العالم أن تتحرك لنجدته، وتوقف العدوان الصهيوني الهمجي عليه، وسلطته الفلسطينية، لا تحرك ساكناً إلا ضد أبناء شعبها الذين اشتعلت نار النخوة في صدورهم، وهبوا لنصرة إخوانهم رغم قلة حيلتهم؟؟

أولاً: فضيحة السلطة الفلسطينية

لم تستطع السلطة الفلسطينية، الخصم السياسي اللدود لحركة حماس، أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية التاريخية، بصفتها -كما تزعم- الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، فلم يصدر عن رئيسها ولا عن رئيس وزرائها كلمة واحدة تشير صراحة إلى حركة حماس وفصائل المقاومة المسلحة في قطاع غزة، باعتبارها مكونات أصيلة من الشعب الفلسطيني، فاقتصرت تصريحات السلطة وآهاتها ودموع الصراصير المتغلغلة في داخلها؛ على المدنيين والدمار المتراكم فوقهم، دون أن تذكر حماس التي تواجه دولة الكيان الصهيوني بكل جيشها ومعداتها ودعم مفتوح من الولايات المتحدة والغرب. أم أن السلطة مازالت تصنّف حماس على أنها (إمارة ظلامية) على حد تعبير رئيسها محمود عباس؟!

لقد فضحت هذه المعركة موقف السلطة الفلسطينية المتواطئ مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة للتخلص من حركة حماس، وسارعت -بسذاجة متناهية- للإعلان عن استعدادها للقيام بإدارة قطاع غزة بعد انتهاء المعركة، ونسيت أنه قد لا يكون حينها لا قطاع تديره ولا شعب تتسلط عليه وتقمعه لصالح الاحتلال، كما تفعل حالياً في الضفة الغربية.

السلطة الفلسطينية شاهدت الخارطة الجديدة لدولة الكيان الصهيوني التي عرضها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي ضم إليها الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي تشهد حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، والدمار الشامل والنزوح الإجباري التي يشهدها قطاع غزة تمهيداً لتفريغه من سكانه وضمه، ما لم يأت الله بأمر من عنده يحول دون ذلك، وإلا فالمخطط قيد التنفيذ في قطاع غزة، والدور القادم على الضفة الغربية ولو بعد حين ليس بطويل.

لقد فضحت هذه المعركة الوضع السياسي الفلسطيني والسياسيين الفلسطينيين والنخبة الفلسطينية؛ الذين لم يستطيعوا حتى الآن معالجة الشرخ الفلسطيني الداخلي، ولم يستطيعوا تقويم اعوجاج الوضع الداخلي، ولا الانقلاب على اتفاقيات الإذعان المتسلطة على الشعب الفلسطيني. فأي انهيار للمؤسسات والأنظمة والمفاهيم والإجراءات والأولويات تعيشه السلطة الفلسطينية؟ وأي قيادة متخاذلة فاسدة متصهينة تتربع على سدة السلطة الحبيسة، التي لا تستطيع أن تمنع أي عملية لجيش الاحتلال ومستوطنيه في أي شبر من الضفة الغربية، من اعتقال أو اغتيال أو هدم أو حرق أو إذلال، حتى لو كان في مقر السلطة نفسه.

وأخيراً وليس بآخر، كيف يطلب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دول العالم أن تتحرك لنجدته، وتوقف العدوان الصهيوني الهمجي عليه، وسلطته الفلسطينية، لا تحرك ساكناً إلا ضد أبناء شعبها الذين اشتعلت نار النخوة في صدورهم، وهبوا لنصرة إخوانهم رغم قلة حيلتهم؟؟ يا للفضيحة! ويا للعار!

كتلة الدول العربية والإسلامية مجتمعة، مجرد كتلة رملية هشّة، أضعف بكثير من أن تشكّل أي ضغط على دولة الكيان الصهيوني، فضلاً عن أن تشكّل نفوذاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على الساحة الدولية

ثانياً: فضيحة العالم العربي والإسلامي

كانت فضيحة الدول العربية هذه المرة مدوية في ثلاثة اتجاهات، على النحو التالي:

  • الأول: الإصرار القاطع عند العدد الأكبر منها على التخلّص من المقاومة الفلسطينية المسلحة، وفي مقدمتها حركة حماس، والتفاهم المسبق مع الكيان الصهيوني على ذلك، فهذه الدول تنظر إلى حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة باعتبارها مزعزع كبير لاستقراره المنطقة ومشروعاتها الاستثمارية المستقبلية مع التحالف الصهيو-أميركي، وباعتبارها مهدداً رئيسياً للاجتياح العلماني الرأسمالي الذي يغزو دول المنطقة بعد الضربة الكبيرة التي وجهتها لحركات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين التي أصبحت العدو الإقليمي المشترك البديل للكيان الصهيوني. وليس خافياً أن البناء الأيديولوجي لحركة حماس يقوم على فكر الإخوان المسلمين.
  • الثاني: الهرولة المخادعة التي ظهرت بها خطابات قادة الدول العربية ووزرائها في المحافل الإقليمية والأممية، والتي جاء معظمها متماهياً مع الموقف الصهيو-أميركي، ومتطابقاً مع المخططات السابقة لإفراغ قطاع غزة، ونقل شعبه إلى مصر أو الدول الغربية أو غيرها.
  • الثالث: التناقض التام لحقيقة مواقف معظم الدول العربية مع مواقف شعوبها، المطالبة باتخاذ إجراءات حاسمة ضاغطة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، ورفض الخنوع للتهديدات الصهيونية. هذا التناقض يعني اتساع الفجوة بين معظم الأنظمة العربية الحاكمة وبين شعوبها، وهذا يعني افتقاد الأنظمة إلى أكبر قوّة تحمي عروشهم ويواجهون بها أعدائهم.

أما كتلة الدول الإسلامية مجتمعة، ومن ضمنها الدول العربية، مجرد كتلة رملية هشّة، أضعف بكثير من أن تشكّل أي ضغط على دولة الكيان الصهيوني، فضلاً عن أن تشكّل نفوذاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على الساحة الدولية.

العلاقة بين الولايات المتحدة والدول الغربية والكيان الصهيوني، تدعونا إلى إعادة قراءة التاريخ، وتصحيح فهمنا للنظام العالمي الحديث والجديد، والأسس الحقيقية التي يقوم عليها والقوى الفعلية المتحكمة فيه.

ثالثاً: فضيحة الكيان الصهيوني والنظام العالمي الغربي

فضحت معركة (طوفان الأقصى) الكيان الصهيوني على أعين الملأ، فضيحة أطاحت بنقاب الزيف والكذب والمظلومية والضغط السياسي والنفوذ الاقتصادي؛ الذي يداري به الوحشية والعنصرية والفوقية والغطرسة التي تضعه في منزلة فوق منزلة البشر، كما أطاحت هذه الفضيحة وما صاحبها من كذب متسلسل، بالأساطير والأوهام التي أغرقت الحركة الصهيونية بها العالم حول المحرقة ومعاداة السامية، بعد أن قام كيانها الغاصب في فلسطين بانتهاك كافة القوانين والمواثيق، ومارس سلوكيات لم تعرفها الحروب السابقة على مر التاريخ، وهو الذي يتبجح من حين لآخر بكونه دولة الحضارة والإنسانية.

أما فضيحة الجيش الذي لا يقهر، فحدث ولا حرج، وقد استطردت العديد من الكتابات حول انهيار أسطورة الجيش المتفوق على الجيوش العربية مجتمعة، الذي استعان بالولايات المتحدة لتساعده في مواجهة حركة حماس وفصائل المقاومة المسلحة في غزة، وكل عدتهم وعتادهم أسلحة معظمها محلية الصنع، ولكنها في أيدي رجال لا يعرفون الهزيمة ولا المستحيل.

أما النظام العالمي الغربي (القائم على القواعد) فقد انهار داخلياً وخارجياً، ولن يعود قادراً على الوقوف من جديد والصمود في وجه الاعتراضات التي تسوقها الدول المناوئة والشعوب المقهورة.

لقد فضح (طوفان الأقصى) العلاقة بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، بصورة تجاوزت الحديث التقليدي عن العلاقة المسيحية اليهودية في وجه الإسلام، إلى مستوى يدعونا إلى إعادة قراءة التاريخ، وتصحيح فهمنا للنظام العالمي الحديث والجديد، والأسس الحقيقية التي يقوم عليها والقوى الفعلية المتحكمة فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق