الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

قاعٌ هنا وقمةٌ هناك!

 قاعٌ هنا وقمةٌ هناك!

أحمد عبد العزيز 

ربما كان ولع بعض أهل الخليج وهوسِهم بـ"الأرقام المميزة" سببا في اختيار 11/11 موعدا لاختيار قمة الرياض التي انعقدت قبل ثلاثة أيام! أقول ربما، من باب حسن الظن، وإلا فالواقع يقول بأن هذه القمة تأخرت شهرا كاملا.. فلماذا كان كل هذا التأخير؟!

هل كان ينتظر هؤلاء انتصارا صهيونيا ساحقا على حماس، ثم يتنادون إلى هذه القمة؛ لبحث مرحلة ما بعد حماس؟ ربما.. أقول "ربما" هذه المرة، من باب سوء الظن الذي أكدته نتائج هذه القمة!

إذ لا يمكن لأي متابع عاقل أن يتصور أن هؤلاء كانوا ينتظرون انتصارا ساحقا لحماس (التي يصنفها بعضهم إرهابية) على الكيان الصهيوني؛ كي يعيدوا "القضية الفلسطينية" إلى طاولة النقاش مرة أخرى، بعد أن عملوا جاهدين طوال سنوات خلت على طمسها ومحوها، أو تهميشها، والزج بها إلى ركن مظلم ليس ببعيد عن ساحات الترفيه المنفلتة التي تخطف أضواؤها الأبصارَ!

على أية حال.. انعقدت القمة "العربية الإسلامية"، بحضور سبع وخمسين دولة، تمثل ثلث سكان كوكبنا المأزوم، وانتهت إلى ما تعودت مثل هذه القمم أن تنتهي إليه: ندين.. نستنكر.. نتصدى لـ.. نؤكد على.. ندعو إلى.. يجب أن.. إلخ، وتم "رص" هذه العبارات، فوق بعضها بعضا، في بيان تُلِيَ في الجلسة الختامية!

انعقدت القمة "العربية الإسلامية"، بحضور سبع وخمسين دولة، تمثل ثلث سكان كوكبنا المأزوم، وانتهت إلى ما تعودت مثل هذه القمم أن تنتهي إليه: ندين.. نستنكر.. نتصدى لـ.. نؤكد على.. ندعو إلى.. يجب أن.. إلخ، وتم "رص" هذه العبارات، فوق بعضها بعضا، في بيان تُلِيَ في الجلسة الختامية!


ولا أعرف إلى أي جهة بالتحديد وجه المجتمعون بيانهم هذا؟

هل كانوا يوجهونه (مثلا) إلى عدد من الدول العظمى صاحبة الحضور والتأثير على الساحة الدولية: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، اليابان؟

حسنا.. إذا كان ذلك كذلك.. أفلم يسمع هؤلاء بأن هذه الدول السبع الكبرى (ما غيرها) أعلنت منذ اليوم الأول، من حرب طوفان الأقصى، دعمها اللا محدود لـ"إسرائيل"، ووقوفها إلى جانبها حتى تقضي على "حماس" قضاءً مبرما؟

بل زاد بعض قادة هذه الدول فهرول إلى التقاط الصور مع نتنياهو، ومنهم من تباهى بيهوديته قبل منصبه، ومنهم من تباهى بصهيونيته، ومنهم من أكد على "عقدته" تجاه اليهود؟!

هل كان المجتمعون يرسلون هذا البيان إلى شعوبهم التي منعوها (بالقوة) من مجرد إعلان الغضب والتظاهر؛ دعما للمقاومة الفلسطينية، وفلسطين (القضية الإسلامية الأولى)، باستثناء ستة أو سبعة من خمسة وسبعين؟!

هل كانوا يوجهون بيانهم هذا إلى "بيبي" نتنياهو ردا على تهديده لبعضهم بزوال عروشهم إذا لم يلتزموا الصمت، ففرضوا على الباقين كلاما هو والصمت سواء؟! بل هو أسوأ من الصمت، فالمرء يحار أحيانا في تفسير الصمت، وربما فسره تفسيرا إيجابيا.. أما هذا النوع من الكلام الذي يفسر نفسه، فيحمل في طياته الإدانة لأصحابه الذين توسدوا مناصبهم بغير حق، وهم بين كاره للحق، ومحارب لأهله، وساعٍ لطمسه!

هل كانوا يوجهون هذا البيان للتاريخ؟

ألا يعلم هؤلاء أن التاريخ لطالما احتقر الجبناء المتخاذلين الأنانيين، وكتب أسماءهم، وسجل مواقفهم، في أسوأ صفحاته متبوعة باللعنات، ورفع من شأن الشجعان الذين يفزعون لنصرة المظلوم، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ويكتب أسماءهم ومواقفهم بمداد من الفخر، في أنصع صفحاته؟

هل كانوا يوجهون بيانهم إلى الشعب الفلسطيني، وفي القلب منه أهل غزة؟

حسنا.. أدنتم، واستنكرتم، وبالكلام تصديتم لـ.. وأكدتم على.. ودعوتم إلى.. فماذا جنى أهل غزة؟

هل منع بيانكم الكلاب من نهش جثث شهدائهم في فناء إحدى المستشفى؟!

هل أعاد بيانكم الكهرباء لإنقاذ الأطفال الخدَّج من الموت المحقق؟!

هل أدخل بيانكم الطعام والماء إلى الجوعى والعطشى؟

الإجابة: كلا البتة!

فإلى من (إذن) كان يوجه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي بيانهم؟

لا أعرف.. حقيقة لا أعرف!

أما الذي أعرفه، فهي الأسماء أو الأوصاف التي أطلقها المبدعون العرب على هذه القمة مثل: "قمة العار"، و"قمة لا سمح الله"، وأضيف إلى هذين الاسمين "قمة القاع"! فإذا كانت هذه "قمة" فما هو "القاع" إذن؟

وبما أننا وصلنا إلى القاع، فلا بأس من استكشافه؛ لنرى مظاهر أخرى من التدني..

في القاع أيضا، توجد لحى طويلة كثة يصب أصحابها اللعنات على حماس التي أوردت أهل غزة المهالك!..

كلهم يصرخون.. كلهم يلعنون.. كلهم يلوون عنق الحقيقة.. كلهم يفترون على الله ورسوله الكذب.. تأويلاتهم كلها فاسدة، تصطدم مع العقل السليم، والفطرة السوية، والمعلوم من الدين بالضرورة..

في القاع أيضا، حليقو اللحى من المثقفين والتنويرين والعقلانيين والمرجفين والمثبطين والمأجورين، أصحاب الحمالات، والكرافتات، والعُقُل (جمع عقال) يكررون افتراءات أصحاب اللحى الطويلة الكثة، ولكن بأسلوب "مدني" هذه المرة: حماس تهورت.. حماس لم تستشر أحدا.. حماس لم تفكر فيما سيلحق بأهل غزة من مصائب، فلم تحفر لهم الخنادق، ولم توفر لهم ما يكفيهم من مؤن.. حماس أضرت بالقضية الفلسطينية (وكأن القضية الفلسطينية كانت على وشك الحل).. إلخ..

كان هذا بعض ما في القاع..

فماذا عن القمة؟

وأعني "القمة" بمعناها الحرفي الإيجابي.. قمة الحضور.. قمة التأثير.. قمة الثبات.. قمة الثقة.. قمة الصدق..

يمكنني اختزال كل هذه "القمم" في عنوان واحد، ألا وهو المقاومة..

إنها "قمة المقاومة" المنعقدة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى إعلان وقف إطلاق النار، دون أن يحقق الاحتلال الصهيوني (بحول الله) أيا من أهدافه التي أعلنها وكررها، ولا يعني هذا إلا أن المقاومة قد صمدت أمام "إسرائيل"، بل صمدت (في حقيقة الأمر) أمام التحالف الدولي الثُماني، وأن القضية الفلسطينية بدأت فصلا جديدا ليس له نظير في الفصول السابقة..

twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق