جمهورية غزة وقطاعات العرب..
تساءلت مع نفسي حين شنت إسرائيل غاراتها وطائراتها وقذائفها على غزة فيما عرف بمعركة "طوفان الأقصى"، واستهدفت الأطفال والنساء والشيوخ، وتهديم المساجد على المصلين، والكنائس على عابديها، والمستشفيات على المرضى والجرحى، والأبنية على ساكنيها..
تساءلت وقلت: إن هذه المعركة كانت من أجل الأقصى –فيما كانت– والرد الطبيعي على ما جرى في السابع من أكتوبر، هو رشق الأقصى بالطائرات والقذائف حتى ينهدم على من فيه وما فيه، ولكن اختار العدو المحارب أن يدك غزة بقذائفه وطائراته وذخائره التي وصلت إلى استخدام الفوسفور المحرم دوليا، حتى تجاوزت الخسائر البشرية –وهم شهداء عند ربهم– اثني عشر ألف شهيد، كان أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال وكبار السن!
صحيح أن كتائب القسام في غزة، وهي التي سددت هذه الضربة للعدو المحتل، ولكن لو أرادت إسرائيل اغتياظ هذه الكتائب لوجهت ضرباتها للأقصى في معركة سميت بـ "طوفان الأقصى".
لقد أرادت إسرائيل أن تنتصر لكرامتها، وتعوض خسائرها، وتحفظ ماء وجهها، فحين عجزت عن مواجهة "الرجال" على الأرض لجأت إلى الطائرات، أو اعتمدت طريقة "اضرب واجري"، ولكنها جبنت أن تواجه الأبطال على الأرض، فهم كما أخبرنا الله عنهم: ﴿ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون﴾ [البقرة ٩٦]، وقال تعالى: ﴿لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ [الحشر ١٤]. حتى حين أرادت التفكير في الاجتياح البري أو اختباره لاقوا أسودا، صدوهم، وأرجعوهم خائبين، ﴿ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا﴾ [الأحزاب ٢٥].
ويبقى السؤال: لماذا فعلت إسرائيل بغزة هذا ولم تفعله بالأقصى أو الضفة؟
صحيح أن كتائب القسام في غزة، وهي التي سددت هذه الضربة للعدو المحتل، ولكن لو أرادت إسرائيل اغتياظ هذه الكتائب لوجهت ضرباتها للأقصى في معركة سميت بـ "طوفان الأقصى".
السبب الذي أرجحه أن الكيان الغاصب يريد الإجهاز على المقاومة، والقضاء على أي معنى من معاني الجهاد في الأمة، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة التي يجب أن تحيي فيها معاني الجهاد وأحكام الجهاد وعزة الجهاد.
لا تجد دول الطوق تتفاعل تفاعلا لائقا مع الأزمة ولو تفاعلا إغاثيا، بل تسد المعابر، ولا تدخل إلا النزر اليسير من القوافل الإغاثية
وهناك معنى آخر مهم وهو أن غزة هي المكان الذي يكاد يكون وحيدا في عالمنا العربي يتمتع بالحرية الحقيقية، وهو السبب أيضا في مهاجمة غزة دون بلاد العرب؛ ذلك أن إسرائيل قد أمنت جانب معظم الدول العربية التي دخلت معها في تطبيع كامل لعلاقات الشاملة، ومن هنا لم تقلق إسرائيل من انعقاد قمة عربية ولا إسلامية، لكنها تتوجه إلى "قطاع" غزة الذي لا تتجاوز مساحته 356 كيلو مترا، وتترك العالم العربي الذي تزيد مساحته على 13 مليون كلم مربع!
ولهذا يخشى العالم العربي "الرسمي" من انتصار المقاومة؛ لأن في هذا تعجيلا بزوالهم مع صديقتهم إسرائيل، ومن هنا لا يسر هذا العالم "الرسمي" انتصار المقاومة؛ فلا تجد دول الطوق تتفاعل تفاعلا لائقا مع الأزمة ولو تفاعلا إغاثيا، بل تسد المعابر، ولا تدخل إلا النزر اليسير من القوافل الإغاثية، وبعض هذه الأنظمة يتآمر على المقاومة، ويوعز للعدو بالقضاء عليها.
أرسل لي د. يحيى عثمان –مختص في التخطيط واتخاذ القرار– إن غزة هي المكان الوحيد الحر في العالم، ولا يصح أن يسمى قطاعا، بل غزة تستحق أن تكون جمهورية حقيقية، ولهذا يستهدفها العدو حتى لا تكون نموذجا يحتذى أو يتكرر في أي مكان للأمة المسلمة، بمقاومته وجهاده ونضاله، وأن غالبية بلاد العرب لا تملك قرارها بل هي محتلة بالوكالة، وأصدق تسمية لها بدلا من جمهوريات ودول وممالك أن تكون قطاعات!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق