هل سيتمكن الكيان الSهيونيّ من ضمّ قطاع غزّة؟
تحقِّق المقاومةُ الفلسطينية نجاحات كبيرةً ضد جيش الكيان الصهيوني، لم يسبق له أنْ واجهها منذ تاريخ نشأته المشؤومة على أرضِ فلسطين. هذه النجاحات تؤكّد- بما لا يدعُ مجالًا للشك- أنّه لو كان الوضع العربيّ والإسلاميّ على حال غير هذه الحال؛ لتمَّ دحر الكيان الصهيونيّ من فلسطين في أشهرٍ معدودة.
ومع ذلك فإنَّ ما يجري على الأرض من وقائع عسكرية وسياسية، يشير إلى أنَّ هناك مخطّطًا "صهيو- أميركي" يتمُّ تنفيذه في قطاع غزة، بعيدًا عما يتردّد في أروقة السياسة الفلسطينية والصهيونية والإقليمية والدولية من أحاديثَ باهتةٍ ومراوغة ودموية حول حلّ الدولتَين وترتيبات ما بعد "حماس".
هذا المخطّط يهدفُ إلى إفراغِ قطاعِ غزّة من ساكنيه، وضمّه للكيان الصهيونيّ الغاصب، وهو ما يدعو القيادة السياسيّة في حركة "حماس" خارج فلسطين والقوى الإقليمية والدولية التي تساندها، إلى التحرّك الجادّ والحثيث والعاجل للحيلولة دون وقوعه. وقد استعرضنا في المقال السابق أبرزَ الأسباب التي ترجّح هذا المخطّط. ونتناول في هذا المقال المراحلَ المتوقّعة التي سيمرّ بها، وصولًا إلى الخيارات الممكنة أمام حركة "حماس" والشعب الفلسطيني لمواجهته.
منذ اليوم الأوّل لرد الفعل الصهيونيّ الوحشيّ البربريّ على قطاع غزّة؛ بدا واضحًا أنّ الكيان الصهيوني، يعمل مع الولايات المتحدة على تنفيذ مخطط أبعد بكثير من القضاء على "حماس" وتحرير الأسرى والرهائن، وهو مخطط إفراغ قطاع غزّة من السكان، ومن ثمّ ضمّه وليس مجرد احتلاله أو إدارته
هذا المخطّط هو أحد السيناريوهات المحتملة لما قد تنتهي إليه الحرب، ونظرًا لخطورته ينبغي تسليط الضوء عليه، كي تسارع الأطراف المعنية إلى الحيلولة دون وقوعه. فمنذ اليوم الأوّل لردّ الفعل الصهيوني الوحشي البربري على قطاع غزة؛ بدا واضحًا أنَّ الكيان الصهيوني، يعمل مع الولايات المتحدة على تنفيذ مخطط أبعد بكثير من القضاء على "حماس" وتحرير الأسرى والرهائن، وهو مخطط إفراغ قطاع غزّة من السكان، ومن ثَمّ ضمّه وليس احتلاله أو إدارته، وهذا المخطط مرّ – وما زال يمرّ- بعدّة مراحلَ على النحو التالي:
- بين الانتقام والإذلال والنزوح مرحلة التعبئة والتجييش
وتهدفُ إلى وقوف الشعب الصهيونيّ إلى جانب القيادة والجيش، وتهيئته لخوض معركة مصيريّة طويلة، تتطلبُ التحمّل والصبر، وتقديم تضحيات كبيرة في كافّة المجالات، وعلى رأسها أفراد الجيش، وكذلك الأسرى والرهائن الذين لدى فصائل المقاومة. وقد بدأت هذه المرحلة منذ الساعات الأولى التي تلت هجوم "طوفان الأقصى"، ومن المفترض أن تستمرَّ حتى تنتهي المعركة؛ خوفًا من حدوث تصدّعات في المجتمع الصهيونيّ تضعف الموقف السياسيّ والعسكري، نتيجة الخسائر البشرية والأمنية والاقتصادية الفادحة التي يتكبّدها بسبب الحرب. - مرحلة تبرير العدوان
وتهدفُ إلى إقناع العالم بمشروعيّة ما سيقوم به الكيان الصهيونيّ في قطاع غزة؛ ردًا على "طوفان الأقصى"، مهما كانت النتائج، باعتباره حقًا قانونيًا مكفولًا بالدفاع عن النفس، وقد وقفت الولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى، وتبعتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ثم بقية الدول الغربية، ممن يسكتون عن جرائم الكيان الصهيوني وانتهاكاته للقانون الدوليّ والإنساني بحُجّة حقّه في الدفاع عن نفسه. وستستمر هذه المرحلة في وجه المطالبة بوقف إطلاق النار، وإفشال أي جهود دولية تحول دون تحقيق الأهداف "الصهيو-أميركيّة" من العدوان. - مرحلة الانتقام
وفيها عمل الكيان الصهيوني على تغذية روح الانتقام والثأر لدى قواته وفي الشارع الصهيوني، واستخدام الأسلحة والمعدات الأشد قتلًا وتدميرًا لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف سكان قطاع غزة ومؤسساته وبنيته التحتية؛ ثأرًا لما تكبدوه في هجوم "طوفان الأقصى"، دون التفات للمطالبات والانتقادات التي توجّهها المؤسسات الدولية والإقليمية؛ بسبب فداحة النّتائج الإنسانيّة والبنيوية المترتّبة على هذا الانتقام. - مرحلة الخنق والترهيب والقهر والإذلال
وفي هذه المرحلة واصل الكيان الصهيونيّ عملياته الإجراميّة ضد المدنيين وضرب العمارات السكنيّة والأسواق والمخابز والمستشفيات والمساجد؛ لتشديد الخناق عليهم في كافّة جوانب حياتهم: في العلاج والدواء والخبز والغذاء والماء والمسكن والمأوى، حتى في أكفان القتلى، والإمعان في مضاعفة التعذيب النفسي بالترهيب والخوف والقلق، وسدّ كافة سبل الخلاص أمامهم، فحيثما يذهبوا يجدوا القصفَ والقتل بانتظارهم لحظة بلحظة.
وكلما طال الوقت اشتدَّ الخناق على الشعب، حيث لم تعد أماكن الإيواء- في المدارس والمستشفيات أو التجمّع في بيوت مشتركة مع الأقارب والجيران، أو في حطام المنازل المدمّرة- صالحةً للعيش. وأمام هذه المعاناة المتفاقمة، سيجد الشعب الفلسطيني نفسه -في شمال القطاع وجنوبه- مجبرًا على النّزوح الجماعيّ؛ فرارًا من الموت والرّعب وقسوة الحياة وانسداد الأفق السياسيّ، دون أن يفكّر في الوسيلة والكيفيّة أو في النتائج المترتّبة على هذا النزوح.
إنّ سيناريو مخطّط إفراغ قطاع غزّة من ساكنيه وضمّه للكيان الصهيونيّ الغاصب؛ يدعو القيادة السياسيّة في حركة "حماس" خارج فلسطين والقوى الإقليمية والدولية التي تساندها، إلى التحرّك الجادّ والحثيث والعاجل للحيلولة دون وقوعه
- النزوح والقضاء على حركة حماس مرحلة الإجبار على النزوح
تشير الوقائع "الصهيو- أميركية" إلى أنَّ هذه المرحلة من المتوقع أن تبدأ في الأيام القليلة القادمة، بتحديد ممرّات آمنة في أوقات محددة لتسهيل عملية النزوح باتجاه الجنوب، والمقصود بالجنوب هنا هو الحدود مع مصر، وليس المناطق الوسطى أو خان يونس أو رفح. بل إنّ المجازر التي يقوم بها الكيان الصهيوني من حين لآخر في هذه المناطق؛ رسائلُ واضحة الدلالة على أنَّ النزوح المقصود هو باتجاه الحدود مع مصرَ، حيث ستكون المؤسّسات الإنسانيّة والإغاثيّة هناك حاضرةً لتقديم خِدماتها الإسعافيّة العاجلة للنازحين. - ولا نستبعد أن يقوم الكيان الصهيوني، لاحقًا، بضرب تجمّعات النازحين لتقديم ذرائع إنسانيّة للسلطات المصرية تبرّر تغيير موقفها، وتفتح المجال للنازحين للعبور إلى الجهة الثانية من الحدود، تحت إشراف الأمم المتحدة وبدعم الولايات المتحدة، خصوصًا أنَّ لجان الدعم الإغاثي من الدول المختلفة ومكاتب المؤسسات الإنسانية والإغاثية الدولية موجودة في الجانب المصري من الحدود. وبانتقال النازحين إلى الجانب المصري، تبدأ رحلة اللجوء الثانية للشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948م.
وبحسَب التصريحات الأميركية، فإنَّ هذه المرحلة ستكون انتقالية، قد تمتد حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2025م، حسَب الفترة التي يغطيها الدعم الإنساني العاجل الذي طلبته الإدارة الأميركية من الكونغرس لمساعدة اللاجئين. ومن المتوقع أن يتم في هذه الفترة ما يأتي:
- أولًا: إقامة اللاجئين في مخيمات مؤقتة تتوفر فيها الخدمات الإغاثية والصحية والتعليمية.
- ثانيًا: إصدار أوراق ثبوتية جديدة لكل فرد من اللاجئين، حيث من المفترض أن يكون الكثيرون منهم قد فقدوا أوراقهم الثبوتية تحت القصف أو التنقل.
- ثالثًا: بدء عملية استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الولايات المتحدة والدول العربية والغربية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
أما من سيرفض من الشعب الفلسطيني النزوح، ويصرّ على البقاء، فسيقضي أيامًا مرعبة شديدة القسوة قبل انتظار قصف منزله على رأسه، بحجّة أنَّه من خلايا المقاومة.
- مرحلة القضاء على حركة "حماس"
بعد إفراغ قطاع غزة من المدنيين، سيواصل الكيان الصهيوني معركته ضد "حماس" والمقاومة الفلسطينية، مستعينًا بقذائف وصواريخ ذات قدرة تدميرية أشد بكثير مما تم استخدامه سابقًا، مستهدفًا تدمير الأنفاق ومخازن ومصانع الأسلحة والذخائر، وخاصة إذا تمكنت الأقمار الاصطناعية الأميركية وأجهزة استشعارها من التقاط صور لهذه الأنفاق. ويعتمد طول هذه المرحلة على عدة عوامل، من أهمها:
- نجاح عملية إفراغ قطاع غزة، وتجاوب السكان مع دعوات النزوح إلى الحدود.
- استمرار الوضع السياسي والعسكري للمعركة على النحو الحالي دون تغيرات خارجية تؤثر على سير المعركة وساحاتها.
- قدرة "حماس" على الحركة في الأنفاق، ومواصلة الحرب ووصولها إلى المعدات والذخائر والوقود والطعام والشراب.
- استمرار الوضع في الكيان الصهيوني على ما هو عليه دون حدوث اضطرابات سياسية أو عسكرية أو شعبية، بسبب طول مدة الحرب، وارتفاع عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الصهيونية، وارتفاع فاتورة الحرب وانهيار الاقتصاد، وبالتالي تفكك حكومة الطوارئ وسقوط نتنياهو.
- زيادة حجم التعاطف مع القضية الفلسطينية وقطاع غزة، وتطوره إلى مواقف معادية للكيان الصهيوني خاصة واليهود بشكل عام على مستوى العالم، وتحوّل هذا التعاطف إلى مواقف ضغط على الحكومات الغربية للدفع باتجاه وقف إطلاق النار.
فإذا سارت هذه العوامل في صالح الكيان الصهيوني، فمن المتوقع انتهاء الحرب في أقلَّ من عامَين، إما بالقضاء على "حماس" وفصائل المقاومة، أو بخروجهم من قطاع غزة بوساطة إقليمية ودولية، على غرار ما حدث لقوات منظمة التحرير الفلسطينية عند خروجها من لبنان عام 1982م بعد حوالي ثلاثة أشهر من القتال الشرس مع قوات الكيان الصهيوني. وهو ما سيهيئ الأمور للمرحلة التالية.
- مرحلة ضم قطاع غزة إلى الكيان الصهيوني
وهي المرحلة التي ستعقب انتهاء الحرب، واحتلال الكيان الصهيوني كامل قطاع غزة بعد إفراغه من سكانه، حيث سيقوم بعد فترة قصيرة بإعلان ضمّ قطاع غزة إلى دولة الكيان الصهيوني، في غمرة مناقشات الأوساط الإقليمية والدولية حول ما بعد "حماس". وغني عن القول، أن هذا الضمّ سيكون مخالفًا للقانون الدولي والقرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، فالكيان الصهيوني لا يضع اعتبارًا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
ومن الطبيعي أن يعقب هذا الإعلان إدانات واحتجاجات ومظاهرات عديدة ستمتد لعدة سنوات، ولكنها لن تغيّر من واقع الأمر الجديد شيئًا؛ لأنه يستند إلى القوّة المتفوّقة المتغطرسة المهيمنة، هذه القوّة هي التي تفرض الحقائق على أرض الواقع.
إنَّ هذا السيناريو ليس محضَ خيال، فالتحالف "الصهيو-أميركي" لن يجد فرصة لتحقيقه أفضل من هذه الفرصة. فهل سينجح في ذلك؟ وما هي الخيارات أمام حركة حماس والمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة للحيلولة دون ذلك؟
هذا ما سنتناوله في المقال القادم بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق