السُنَّةُ والشيعة.. وَهْمُ النصرِ وخَديعةُ الهزيمة
إذا أردتَ اختبار حَدِّ سَيفك فجالِد به ذَا سَيف، كُلُّ السيوفِ قواطعٌ إنْ ضَربتَ بها الهواء!!
يستطيع الحمقى والأغبياء والمثقفون- ولا فرق بين الثلاثة عندي- أن يتفلسفوا حول نجاح المشروع الشيعي في مقابل المشروع السني..
بيد أنهم في سعيهم الحثيث للتفلسف- وبضغط من طلبات مراكز الجاسوسية التي يسمونها مراكز أبحاث- يَنسون أو يتناسون أنَّ السُّنةَ لا يملكون مشروعاً أصلاً.. لسبب بسيط هو: أنه ليس هناك سُنَّة أساساً!!
العَدَمُ لا مشروعَ له..
لن تحصل من وهم الوجود إلا على وجود الوهم!!
في عالم السياسة- وبعيداً عن فذلكات صبيان كليات الاقتصاد والعلوم السياسية- لا وجودَ لكَ ما لم تكن لكَ دولة!!
حَبَّاتُ المِسبَحة لا تُسمى مِسبَحةً إلا إذا انتظمت في خيط، وجواهرُ العقدِ لا تُصبح عقداً إلا إذا نُظمت في سِلك!!
وجودُ الأجزاءِ لا يعني وجودَ الكتلة؛ بل يعني غيابَ الخيطِ الناظم!!
كان اليهودُ موجودين منذ السبي البابلي وحتى الطرد الأوروبي.. بيد أن الفرصة لم تسنح (للأجزاء اليهودية) أن تتحول إلى (كتلةٍ إسرائيلية) إلا حين أطلت القومية العربية برأسها العَفِن؛ لتتفتت (الكتلةُ الإسلامية) إلى (أجزاءَ عربية)!!
الراية: هي ذلك الخيطُ الذي ينظم حبات المسبحة لتصير مسبحة، ويجمع جواهر العقد ليصير عقداً!!
ما لم تكن لك راية.. فوجودك افتراضي!!
ولأنهم يعلمون أن الوجود الافتراضي- إذا كان متكئاً على تاريخٍ موغلٍ في الواقعية- يمكن أن يتحولَ إلى وجودٍ حقيقي؛ فقد سارعوا إلى تحويل الوجودِ الافتراضي إلى وجودٍ متوهم؛ ليَظلَّ وهمُ الوجودِ مُسيطراً!!
أبقوا على السلطنة العثمانية رجلاً مريضاً لا يموت فيها ولا يحيا حتى اخترعوا هذه (الأكشاك) وسَمَّوها دولاً، وهذه (الخرابيش) وسَمَّوهَا حدوداً، وهؤلاء (الغرقد) وَسَمَّوهُم حُكَّاماً!!
اختراعُ الأعداءِ أولُ دَرَجَاتِ النصر.. اخترع عدواً وستنتصر!!
(العدو المُختَرع) ستُحددُ له ثلاثة أشياء: مساحةَ الحركة، وآلياتِ المقاومة، وعواملَ الانكسار.. هو جهاز (مفيرس) صنعته بيديك، واستخدمته في حاجتك، ثم تركتَه ليدمر نفسه بنفسه بضغطة زِر!!
ستنتصرُ على عدو مُختَرَع.. وسيصفق الحمقى والأغبياء والمثقفون!!
في وجود (العدو الغبي) لستَ في حاجةٍ إلى اختراعِ آخر!!
سَتَشحنُ العالمَ ضدَه، وتَدَّعِي المظلوميةَ أمامه، وتلطخ رايته التي هلهلها بيديه، وتَلِجُ أسوارَه المتداعية مِن ثغراتِها التي فَتَحَها بمعوَلِه.. سَتظلُّ مُظهراً ضَعفكَ أمامه وأنت تعد العُدَّةَ له، ويَظلُّ مشغولاً عن إعداد العُدَّةِ لانخداعه بضعفكَ المُدَّعَى!!
وحين يتحركُ لرد عاديةِ دعاياتِك.. سيتحركُ ضعيفاً..
الآن فقط تستطيع أن تضرب!!
ومرةً أخرى.. سيصفق الحمقى والأغبياء والمثقفون!!
(العدو المزيف) أهم أعدائك.. هو خليطٌ من العدو الغبي والعدو والمختَرع.. تستطيع استخدامه كجهازك الذي فيرسته بيديك، كما تستطيع شحن العالم ضده وادعاء المظلومية أمامه.. هو يعرف أنه ليس كما يبدو، بيد أنه يريد أن يظل كما يبدو.. لقد أعجبته العباءةُ السُنيَّة أو القومية أو الوطنية التي ألبسه إياها مخترعُه الأول وحقق بها إنجازاته المهمة في خَنق السُّنّة ومحو القومية وبيع الوطن!!
وجودُهُ مُرتبطٌ ببقاءِ زيفه، وبقاءُ زيفه مُرتبطٌ بوجودِه.. تماماً كخيال المآته: يطرد الطيور عن الحقل وهو هَلاهِيلٌ على خشب!!
خَيالُ المآتة.. مَشرُوعه الوحيد أن يظل خَيالَ مآتة!!
هذا عدو مثالي لتحقيق حلمك وإظهار عظمتك..
ومرة ثالثة: سيصفق الحمقى والأغبياء والمثقفون!!
***
الشيعةُ يلعبون منفردين، ويُجرون خَيلَهم في مِضمَارٍ لا خَيلَ فيه!!
وإذا ما خَلا الجبانُ بأرضٍ
طَلبَ الطعنَ وحده والنزالا
ليس ثمة سُنّة هنا..
هنا آل سعود، وأبناء زايد..
هنا قوميون كَسَبة، ووطنيون خونة، وعسكريون مرتزقة، وإسلامويون ديمقراطيون!!
البغلُ الهجين ليس حِصَاناً، والسرابُ ليس ماءً، وحِبَالُ السحرة وعِصِيُّهم ليست حَيَّات تسعى.. وإن أوجسَ في نَفسِه خِيفةً موسى!!
أَسَدُ الرُخام وإن حَكى في شَكلِه
شَكْل الغِضنفرِ ليس بالفَرَّاسِ
كيف يصح في الأذهان أن يُكرَّسَ سعدُ الحريري وجهاً سُنيَّاً أمام حسن نصر الله، ويُجعلَ تيارُ المستقبل واجهةً سُنِّيةً أمام حزب الله؟!
إن الذين يُحسنون تلميع الصفيح وتصنيع التيارات واختراع الأوهام أبادوا (فتح الإسلام) في أسبوعين، وحكموا على (أحمد الأسير) بالإعدام!!
أين يُذهبُ بكم؟!
هل يعني هذا أن عبد الناصر، والسادات، ومبارك، والقذافي، وبن علي، والسيسي.. إلى آخر هذه العاهات.. كانوا سُنّة!!
هل هؤلاء سُنَّة؟! هل هذا ما تُروِّجون له؟!
لم يكن الشاه شيعياً عقائدياً؛ بل قومياً فارسياً.. ولم يكن عبد الناصر سُنِّياً عقائدياً؛ بل قومياً عروبياً (أو هكذا يقولون).. فإذا حزبت الحمقى والمثقفين المقارنة؛ فليقارنوا بين هذين الطاغوتين ذوي المنظومة الفكرية المتماثلة نوعاً ما.. أما أن يقارنوا بين السادات والخميني، أو بين مبارك والخميني، أو بين فهد والخميني أو بين زايد والخميني.. فـ(هذا كلامٌ له خبيءٌ... معناه ليست لنا عقولُ)!!
إنها نفسُ الأكذوبة التاريخية التي جعلت من يزيد بن معاوية واجهةً سُنيَّةً وصَيَّرت الحسين بن علي واجهة شيعية.. وما كان الحسين رضوان الله عليه شيعياً، ولا كان يزيد قبحه الله سُنيَّاً، وما وُجِدَ آنذاك سُنَّةٌ وشيعةٌ بالمعنى العقدي المتعارف عليه الآن.. بيد أن تتابع الأكاذيب يُعمي العيون ويخدع العقول ويبلبل الألسنة.. ولا أعرف والله كيف يكون يزيد سُنيّاً- حسب هذا الزعم- وهو الذي أدار- بعد كربلاء- مجزرة الحَرَّة التي استباح فيها مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فإذا كان هذا (السُنِّيُ المزعوم) قد قَتَلَ شِيعةً في كربلاء؛ فمن هؤلاء الذين استباحَ دماءَهم وأموالَهم وأعراضَهم في أول مدينة سُنية في التاريخ؟!
اجعل اللاشيء شيئاً واغرسه في العقول الخالية من أي شيء!!
***
أين هم السُنَّة؟!
هل غرقد جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم سُنّة؟!
لم يكن عبد العزيز بن عبد الرحمن أكثر من اختراق انجليزي للحركة الوهابية الأولى؛ أدارها معتمداً على سلامة نية أفرادها حيناً وعلى إرث جده محمد بن سعود حيناً آخر.. ولم يكن لجده من عمل في حياة الإمام محمد بن عبد الوهاب سوى أن "يُعدد أياماً ويقبض راتباً"، وكان الأمر والنهي فيها لابن عبد الوهاب.. فلما دالت الدولة الأولى والثانية؛ أطلَّ زمنُ المسخ؛ فانبعث أشقاها عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي وَجَدَ فيه الانجليز ضالتَهم في اختراق جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وإتمام تمزيق راية الخلافة المهلهلة، والموافقة على جعل جزء من بلاد الشام وطناً قومياً لليهود، والقضاء على أي مناصر للدولة العثمانية من أمثال ابن رشيد، وتمييع قضية الخلافة التي أشعل إسقاطُها جمرةَ الغضبِ في نفوسِ المسلمين..
وكان أن فاضل الانجليز بينه وبين الشريف حسين (ذلك الأحمق الذي عاش أوهام الخلافة؛ فطلبها نَسَبَاً لا دِيناً بالعمالة للانجليز أنفسهم، ولم يكن ليفهم أن غرض الإنجليز محصور في إسقاط ما يطلب)؛ فأدالوا المعركة عليه لعبد العزيز، وجعلوا عبدَ العزيز وأبناءَه نواطيرَ على أصل العرب ومنبع الإسلام وآبار النفط؛ فلم يكن له من هَمٍّ سوى القبائل العربية التي شرد بها من خلفها، ووضع السيف فيها بهمجية بالغة وغدرٍ منقطع النظير، ثم التفت إلى بقايا الحركة الوهابية الأولى (إخوان من طاع الله) فأبادهم بسلاح الانجليز؛ ليخلص له ملك الجزيرة ويخترع مؤسسةً وهابيةً (مفيرسة) يستخدمها وأبناؤه كلما حزبهم النفاق والكذب.
إن أبشع ما حدث للمسلمين في القرن العشرين هو إشغالهم باحتلال القدس عن احتلال مكة!!
تَصدَّر عبد العزيز وأبناؤه الحالة السُنّية المُختَرَعَة؛ فارتدوا وجه أبي بكر على قلب أبي لهب، وكانوا للإسلاميين ملاذاً آمناً منزوعَ الدسم مُسيطراً عليه مُفرغاً من مضمونه، (تماماً كما تفعل قطر الآن).. ثم لم يكن همهم إلا في اختراق الحركات الإسلامية التي يظنون أن أولياتها قد تُنبيء بظهور دولةٍ سُنِّيةٍ في أُخرَيَاتِها، حتى يَظلَّ وهمُ الدولة السُنية محصوراً فيهم فلا ينازعهم بالدولة الحقيقية أحد؛ فينكشف عوارهم وتظهر عمالتهم؛ فأفسدوا الجهاد الأفغاني، ودعموا عسكر الجزائر في العشرية السوداء، وضربوا الحركة الإسلامية في السودان، واستنبتوا الفصائل المفحوصة في الشام، وصنعوا انقلاب مصر، وأدخلوا الحوثي صنعاء، وأمدوا الشيعة في العراق بالمال والسلاح لضرب المجاهدين السُنَّة، حتى وصل وباؤهم إلى الإسلاميين في ماليزيا فأمدوا أعداءهم بمئات الملايين!!
سُنَّةٌ يقتلون سُنَّة ويُصِرون على كَونِهم سُنَّة..
يزيد.. يستبيحُ المدينة ثم يصر الحمقى والأغبياء والمثقفون على إلصاقه بالسُنَّة!!
أما بقية أنظمة السُنَّةِ المُختَرَعة فإن أحداً لا يحتاج إلى كثير كلامٍ حول مخازيهم في تجفيف منابع السنة وتجريف عقيدتهم وتغريب مجتمعاتهم..
بدايةً من أنظمة المغرب العربي، وانتهاءً بنظام الإمارات الذي فاق كل حدود الخيانة والكفر، مروراً بنظام مصر الذي تولى كِبر التغريب في مطلع القرن العشرين.
ليس ثَمَّةَ سُنَّة هنا..
هنا حُكَّامٌ مرتدون، ورافضة صفويون، ونصارى صليبيون، ويهود صهيونيون!!
هؤلاء أعداؤنا.. وهذا ترتيبهم حسب السياق الذي نعيشه الآن!!
****
سيقولُ لكَ المثقفون من الأذناب: إن السُنَّة موجودون بوجود هذه الجماعات السُنِّيةِ المختلفة والمتخالفة؛ كالإخوان المسلمين، والجهاديين بأنواعهم، والسلفية بأنواعها.. ثم يقارنون بين فشل هذه الجماعات المؤقت وبين نجاح جماعات الشيعة المؤقت.. وما عَلِم هؤلاء- أو عَلِموا واستهبلوا- أن هذا لا يُقارن بذاك؛ فجماعات السنة- على اختلاف مناهجها ومنطلقاتها ودرجة قُربها وبُعدِهَا من صحيح العقيدة- لا يحاربها أحدٌ كما تُحاربها أنظمةُ السُنَّة المُختَرَعَة.. إنها في العراء تماماً لا تكاد تجد نصيراً قوياً بذات القدر الذي تجده جماعاتُ الشيعة من إيران.. بل إنها تُستخدم أحياناً من قِبل الأنظمة المختَرعَة لضرب بعضها بعضاً، أو لضرب عَدوٍّ آخر لا يُمكن ضربُه إلا بمقاتلين عقائديين، ثم بعد انتهاء الدور الذي استُجلبوا من أجله يعودون إلى المكان الطبيعي الذي حدده لهم النظام العالمي: القبر أو المعتقل.
ولو تجاوزنا عن غياب الشرط المحوري للوجودِ الواقعي(شرط الدولة)؛ فإن هذه الجماعات أصابتها لوثاتٌ كثيرة أقعدتها عن أن تكون خيطاً ناظماً لحبات المسبحة السُنية، وسِلكاً جَامعاً لجواهر العقد المسلمة، وأهم هذه اللوثات لوثات ثلاث: التدجين الإرجائي في السلفية العلمية، والتكفير التسلسلي في جماعات الجهاد، والعلمانية المتأسلمة في الإخوان المسلمين..
أما التدجين الإرجائي في السلفية العلمية فقد كفَّها عن الفعل في واقع الناس لِيُقعدها عن الفاعلية في حياتهم.. وحين سُمح لبعضهم بالظهور في الفضائيات تحولوا إلى ما يمكن أن نسميه (سلفية شعبية) أَطَّرَهَا الطواغيت في إطار لا تخرج عنه؛ ليصل الأمرُ إلى: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. فصار هؤلاء الشيوخ نسخةً أخرى من الشيوخ الرسميين؛ ومَثَّلُوا مشكلةً مُضافةً إلى مشكلةٍ قديمة كان المظنون أنهم جاؤوا لحلها!!
وأما التكفير التسلسلي في بعض تيارات الجهاد فقد حجبَ التيارَ عن الناسِ وحجبَ الناسَ عنه؛ فلم يستطع التيار-غالباً- أن يُدرك أن الناسَ حديثو عَهدٍ بجاهلية، وأنهم تربوا في ظل الهيمنة الكُفرية والفِكرية للنظام العالمي الذي زحزح وطمس مفهوم العبودية القائم على أساس التوحيد الخالص لله مالكاً ومُشرعاً وحاكماً.. وكان الأَولَى أن يترفقوا بالناس دون تمييع، ويتغاضوا عن الخلافيات دون إرجاء.
وأما العلمانية المتأسلمة في جماعة الإخوان المسلمين فقد باعدت بينها وبين الأصل الأول الذي قامت عليه؛ حتى اختفى ذلك الأصل وسط ركامٍ من الحواشي التي تحولت- مع تتابع الأزمنة وتوالي النكسات وتغير المؤثرين- إلى أصول تكاد تكون منبتة الصلة بالأصل الأول.. ولأن الجماعة كانت أكثر حَركيةً بين الناس والأنظمةِ سلباً وإيجاباً؛ فقد تَمَّ الخلطُ بين الثوابت والمرحليات حتى صارت المرحليات ثوابتَ يُنطلق منها ويُؤَسَّسُ عليها؛ فلم يجد الناسُ كبيرَ فَرقٍ بينها وبينَ الأنظمة التي رفضوها لبُعدها عن تلك الثوابت.. فكأن الجماعة- في سعيها للتقرب من الناس والأنظمة- ابتعدت عن الأصل الذي أحبها الناسُ لأجله؛ فخسرت الناسَ ولم تكسب الأنظمة!!
زد على هذا اشتعال العداوة والبغضاء بين هذه الجماعات والبأس الشديد بينهم حتى لم تكد تسلم فترة تاريخية منذ نشأتها من رمي بعضهم بعضاً بالردة والخارجية والتفسيق والتبديع وممالأة الطواغيت.
وكان أن اقتربت طبيعةُ هذه الجماعات من طبيعة أنظمةِ السُنَّةِ المُختَرَعَة؛ فتحولت أحياناً إلى جماعات وظيفيةٍ تُستدعى (مفيرسةً) حين الحاجة، ويُمَهَّدُ فيها (للسامري) تمهيداً مصحوباً بالدم، فتُخلَى له الساحةُ شيئاً فشيئاً (بـالزنَّانِةِ والزنزانة) التي تختار القادةَ العقائديين؛ لتمحو وجودهم وتُبقِي رمزيتَهم كقميص عثمان يَرفَعُهُ السامريُّ في وجوه المعترضين على انحرافه، مع (تحابيش) تبريرية عن تغير الزمان وحصار المكان وضغط الواقع، يلوكها صبيانُ السامري الذين يظنون أن قبضةً من أثر الرسول هي كل ميراث الرسول!!
حتى إذا كَلَّت الأيدي من المصاولة، وتَعِبت الأرواحُ من المطاولة؛ عُصروا على طاولة المفاوضات كما تُعصر الليمونة، ثم تُركوا لمصيرهم بعد تلويث وجوههم بأيديهم؛ كي لا يجدوا- حين ضربهم- من يبكي عليهم!!
****
كيف لا تجري سيولُ الشيعة وقد جرت في مجارٍ لا سدود فيها؟!
والشيعة كاليهود: يُحسنون اختراع الأعداء، وادعاء المظلومية، والتمدد في الخواصر الرخوة، واللعب على المتناقضات.. وَمَا عَلَوُا وتمكَّنُوا بعض التمكين لفائضِ قوة أو ذكاء عقل؛ بل لخلاء الساحة وسقوط الراية وانفراط العقد.. وهاهم يجمعهم الله لفيفاً كما جاء باليهود لفيفاً لتحقيق وعده وإنفاذ وعيده!!
سيقولُ لك المثقفون من الأذناب: إن الخلاف بين السُنَّةِ والشيعة خِلافٌ سياسي لا دخل للدين فيه.. وأنا لا أعرف والله كيف يمكن لخلافٍ سياسي أن يستمر أكثرَ من ألف سنة.. هذا عَتَهٌ لا يقول به دارسُ تاريخٍ أو فَاهمُ سياسة!!
لم يكن الخلاف بيننا وبين الشيعة سياسياً أبداً، ولا في أي مرحلة من مراحل التاريخ؛ لسبب بسيط هو أنه لم يكن هناك شيعة ولا سنة بالمعنى العقدي في ابتداء الأمر؛ بل إن الشيعة الحاليين لا يمتون بصلة إلى الشيعة الأوائل.
هل تريدون إقناعي أن عمار بن ياسر رضوان الله عليه كان شيعياً يَلعنُ- في سجوده- صَنَمَي قريشٍ أبا بكر وعمر، ويؤمن بعقيدة البَدَاء، والإمامة، والأوصياء الإثني عشر، وتحريفِ كتابِ رب الأرباب؟! هل كان عمار يؤمن بذلك؟!
لقد كنا نحن الشيعة.. تيارُ الأمة العام هو الذي تشيع لعلي رضوان الله عليه ضد معاوية غفر الله له..
غَالبُنا تشيع لعلي فسُمينا شيعة علي، وبعضنا تشيع لمعاوية فسُمُّوا شيعة معاوية.. المصطلح- ابتداءً- لغويٌ محض لا يحمل أية إيحاءاتٍ عقدية أو منطلقات فكرية.. كُلُّ من ناصر شخصاً فقد تشيع له؛ تماماً كتشيع بعضِنا لابن الزبير في زمنه، وتشيع بعضِنا لبني أمية في زمنهم، وتشيع بعضِنا لبني العباس في زمنهم..
هو اختيار سياسي اتكأ على تَوقُعِ الحقِ حيناً، وموازناتِ القوة حيناً، والأهواء والرغبات والرهباتِ أحياناً.. هل ترون الآن أحداً يقول: أنا زبيري أو أموي أو عباسي قاصداً منهجاً فكرياً أو مذهباً دينياً كما يقول الشيعي: أنا شيعي!!
الشيعة الأوائل هم عموم الأمة الذين رأوا الحق مع علي والحسن والحسين، فوقفوا معهم ضد معاوية غفر الله له ثم ضد يزيد قبحه الله.. حتى تشابكت الأمور وتتابعت الفتن وحكم السيف وتدحرجت كُرةُ الثلجِ صغيرةً فما وصلت القاع حتى سَدَّتْ منافذَ الرؤية وأطبقت إطباق السماء على الأرض.
وكما يرحل كُلُّ فَذِّ من أفذاذ التاريخ بأتباعه؛ رَحَلَ عليُّ ومعاويةُ وابنُ الزبير.. وما كان أتباع علي رضوان الله عليه يرون في علي وأبنائه وأحفاده ما يرى هؤلاء الذين اغتصبوا مسمى (الشيعة) وادعوه لأنفسهم ثم حَمَّلُوه من العقائد والأفكار والمناهج ما صَيَّرَهُ ديناً مستقلاً لم يعرفه عليٌ وأبناؤه وأتباعه، ولا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
المختار الثقفي كان بداية الكارثة.. هذا ما تستريح إليه النفس رغم اختلاف المؤرخين حول بدايات نشأة هذا الدين الجديد!!
كان كذاباً أفاقاً مهرطقاً مراوغاً أظهر التشيع وأبطن الكهانة.. بدأ ناصبياً يكره علياً وأبناءه وآل بيته، ثم تحول إلى مناصرة الحسن ضد معاوية، ثم أراد الغدر بالحسن وتسليمه لمعاوية طلباً لحطام الدنيا، ثم صار زُبيرياً بعد استشهاد الحسين فأقره ابن الزبير على الكوفة فاجتهد في قتل قَتَلَةِ الحسين، ثم أظهر خبيئة نفسه حين أحس بالقوة فانقلب على ابن الزبير واستتب له الأمر سنةً أو دونها حتى قتله مصعبُ بن الزبير بعد معركة دارت بينهما.
ادعى أن الوحي يتنزل عليه وأنه يُجالس جبريل وميكائيل.. وعلى يده- رغم اختلاف الروايات- تأسست فرقة الكيسانية، أول فرقة (شيعية دينية) حملت من العقائد والأسرار والآراء الفلسفية ما يمكن أن يكون بدايةً لظهور الباطنية الغنوصية في الإسلام؛ فقد قالت بالبداء، والتناسخ، وأنّ لكل شيء ظاهراً وباطناً، وأنّ حِكَمَ العالم وأسراره جُمعت في عليّ، وأنّ الإمامة ثابتة له ثم للحسن ثم للحسين ثم لمحمد بن الحنفية؛ فروح الله حلّت في النبي، وروح النبي حلّت في علي، وروح عليّ حلّت في الحسن، وروح الحسن حلّت في الحسين، وروح الحسين حلّت في محمد بن الحنفية وروح محمد بن الحنفية حلّت في ولده هاشم.. وأن محمد بن الحنفية لم يمت وإنما ذهب إلى جبال رضوى عنده عسلٌ وماء وسيعود ليملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً!!
هنا ظهر التشيع العقدي المعروف الآن، وافترق الناس دِيناً لا سياسةً؛ إذ لا يمكن أن يقول عاقلٌ أن هذه الهلاوس هي دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي آمن به عليٌّ وأبناؤه وعامة المسلمين.. فلما ظهر من دعا إلى هذه الأباطيل وآمن بها؛ صار الإيمانُ بها ديناً جديداً غير دين عموم الأمة؛ فافترق الناس إلى مسلمين وكفار لا إلى حزب علي وحزب معاوية.
***
جاء الخميني كما جاء غيره.. اُختُرِعَ دينياً كما اختُرِع عبد الناصر قومياً.. أي تأريخ لنجاح الثورة الإيرانية يُغفل رضا النظام العالمي عنها ليس أكثر من تمجيدٍ فارغٍ ناتجٍ عن تَضخمِ ذاتٍ أو جَلْدِ ذات.. لو أراد النظام العالمي إسقاطَ ثورة إيران الشيعية لأسقطها كما أسقط ثورات العرب السُنِّية..
سيقول لك المثقفون من الأذناب: لم تكن الثورات العربية سُنية ولم تكن ثورة إيران في بداياتها شيعية.. وهؤلاء ينظرون تحت أقدامهم في مواجهة نظام عالمي يضع خططاً خمسينية ومئوية يعرف من خلالها ما الذي يمكن أن يلتهمه عودُ الكبريت الذي أشعله البوعزيزي!!
عاد الخميني إلى إيران من فرنسا.. قالوا وقتها: خرج المهدي من سردابه.. لم يكن السرداب في سامراء هذه المرة؛ بل في (نوفل لوشاتو) قرب باريس.. ورغم تناقض التصريحات من الدول الكبرى- وهي شنشنة نعرفها من أخزم- إلا أن الخميني حصل على الحماية الكاملة من فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي.. بل وأمريكا.. يبدو أن الجميع كان قد اتفق على الشاه.. يستظرف كيسنجر في كتابه الخبيث (النظام العالمي) قائلاً:"من المفارقات أن صعود آيات الله إلى السلطة تم في مراحله الأولى عبر قيام أمريكا بفك ارتباطها مع النظام القائم من منطلق الاعتقاد الخاطيء بأن من شأن التغيير الوشيك أن يعجل بمجيء الديمقراطية وتعزيز الروابط الأمريكية الإيرانية"..
(اعتقادٌ خاطيء) رأى في نظام الآيات تعجيلاً بمجيء الديمقراطية وتعزيزاً للروابط الأمريك ية الإيرانية.. ما أخبث استظراف كيسنجر وأقبحه!!
كان الخميني مختاراً ثقفياً آخر شق الديانة الشيعية بولاية الفقيه كما شق المختار الثقفي الإسلامَ بأضاليل التشيع.. كان مجنوناً خطراً على حَدِّ قول موسى الصدر الزعيم الشيعي الذي قُتل في ليبيا في ظروف غامضة ورجحت بعضُ الروايات ضلوع الخميني ذاته في قتله..
ولو تجوزنا في استخدام أضاليل الشيعة عن التناسخ ما أبعدنا النَجعَة إن ظننا أن الخميني حَلَّت في روحه أرواحُ كثيرٍ من القتلة والسفاحين والمخادعين الشيعة؛ من المختار الثقفي إلى إسماعيل الصفوي، مروراً بالبويهي والقرمطي، والحسن الصباح، والمطهر اليمني، والمعز الفاطمي، وعلي بن الفضل، والمنصور بن حوشب، وعبد الله بن حمزة... إلى آخر سلسلة القتلة والمجرمين في تاريخ التشيع..
ويكفي دليلاً على خسة الخميني غَدرُهُ بالمَرجِعَين الشيعيين الكبيرين (الشيرازي وشريعتمداري)، وكانا قد أنقذاه من الإعدام أيام الشاه حين رفعاه- دون استحقاق- إلى رتبة الاجتهاد والمرجعية التي لم يكن قد بلغها بَعد؛ لأن القانون الشاهنشاهي كان يمنع الحكم على المراجع بالإعدام؛ فرفعاه ليُسقطا حكم الإعدام عنه.. ثم جازاهما بعد وصوله للحكم جزاء سِنمّار!!
كان فضلُ النظام العالمي على الخميني عظيماً..
فقد اخترعوه اختراعاً كما اخترعوا غيره اختراعاً؛ لعلمهم أن زمن القوميات والوطنيات في بلاد الإسلام آيلٌ للسقوط، وأن العقائد هي المحرك الأقوى للمسلمين مهما تلاعبت بهم أهواء القومية والوطنية والقبائلية، وأن عودة السُنَّة إلى صحيح الدين لن تستغرق وقتاً طويلاً.. فكان لا بد من استغلال وجود العدو الداخلي الذي لا يعرف عامةُ المسلمين أنه عدو، رغم تاريخه الموغل في الخيانة والكفر!!
وكان فضل الخميني على الشيعة عظيماً كفضل هرتزل على اليهود.. فقد استنقذهم من التشرذم كما استنقذ هرتزل اليهودَ من الشتات، وكان لهم خيطاً ناظماً وسلكاً جامعاً؛ فأقام الدولةَ لأتباعه بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس في الوقت الذي حرص النظامُ العالمي فيه أن يظَلَّ المسلمون الحقيقيون بلا دولة؛ فعمل على إسقاط كل دولة يُظنُّ فيها أنها يمكن أن تكون الراية الجامعة للمسلمين حتى لو اقترفت بعض الأخطاء البشرية أو الخطايا العقدية التي لا يتفق معها عموم المسلمين: مِن دولة ابن عبد الوهاب الأولى في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الدولة الإسلامية الحديثة في العراق والشام، مروراً بدولة الخطابي في المغرب، والمهدي في السودان، وطالبان في أفغانستان.
وكما تمدد اليهود في خواصر المسلمين الرخوة (وكل خواصرنا في القرن العشرين رخوة) تمدد الشيعة أيضاً..
ومن يقرأ عن أساليب تمدد الشيعة في الشام تحديداً يُذهل من تطابق أساليبهم مع أساليب اليهود في شراء الذمم والأراضي، والتسرب إلى دوائر صنع القرار، وإنشاء المراكز والمدارس والمستشفيات والحسينيات، واستخدام مشايخ السوء الرسميين في تلميع صورتهم، واختراق التيارات الإسلامية بدعوى التقريب، واستغلال الوهج الأولي للثورة الإيرانية في رسم صورة كاريزمية للثورة وقياداتها.. ثم بذر بذور الحركات الشيعية المسلحة التي خدعت الناس بوهم المقاومة، أو استنبات حركات عقائدية من حركات شيعية سابقة غلبت عليها الوطنية؛ كاستنبات (حزب الله) العقائدي من (حركة أمل) التي قيل إنها وطنية.. وكلتاهما كانتا بلاءً على الإسلام والمسلمين.
لقد كان تمدد الشيعة أشد خطراً من تمدد اليهود؛ ففي ظل خفاء أمرهم على الناس واعتقاد عامة المسلمين أن التشيعَ مذهبٌ وليس عقيدة؛ استخدموا آلَ البيت واجهةً يتسربون بها إلى قلوب المسلمين وعقولهم، ورفعوا الشعارات الإسلامية والسياسة البراقة عن جهاد الشيطان الأكبر وجيش القدس الذي حارب في كل مكان عدا القدس، وعملوا على تصدير التشيع تحت شعار تصدير الثورة، ورَكزوا على وهم التقريب بين السنة والشيعة (ذلك الوهم الذي سقط فيه كبار علماء السُنَّة في هذا العصر ثم ندم بعضهم ولات ساعة مندم)، واستخدموا أسماء مفكري الفُرس وشعرائهم ومثقفيهم للتسرب إلى عقول أدعياء الثقافة من شبابنا (وما كانت المشكلة يوماً في فِكرِ شريعتي بل في كُفرِ الخميني)، واستغلوا خيانات لصوص هذه الأكشاك العربية في تلميع صورة إيران الشيعية وإلصاق هذه الخيانات بالسُنَّة في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن هؤلاء اللصوص ليسوا سُنَّة وليسوا مسلمين، وأن هذه الدول المختَرَعَة ليست من السُنَّةِ في شيء، وأن خيانات إيران وحزب الله وسفكهما لدماء المسلمين هي خيانات شيعية في الأساس لأن العقيدة التي ترفعها إيران وحزب الله الآن عقيدة شيعية (رغم عدم إغفالنا للبُعد القومي الفارسي) بينما العقيدة التي ترفعها هذه الأكشاك العربية علمانية دكتاتورية ليس فيها من السُنَّة إلا المسمى الخادع!!
***
ضَحِكٌ كالبُكا.. ذلك الضحك الذي يضحكه العاقل حين يكتشف الناسُ أن (دول الطوق) كانت طوقاً علينا لا على إسرائيل، وأن جبهة الصمود والتصدي كانت صموداً في تلقي ضربات إسرائيل وصَداً لأي رصاصةٍ مِنَّا على إسرائيل، وأن سيد المقاومة الجعجاع لم يكن أكثر من قرمطي آخر قتل من المسلمين في خمس سنوات أضعاف ما قتل بيغن ودايان وشارون وشامير ورابين وبيريز ونتنياهو وباراك في ستين سنة!!
لم تكن القدس في يومٍ من الأيام هَمَّاً من هموم إيران.. اللهم إلا على الصعيد الإعلامي والدعائي..
كانت لحناً يفتتح به حسن نصر الله وَصَلَاتِه الكربلائية أمام الجماهير قبل أن يذبح أطفال سوريا بخنجر عبد الرحمن بن ملجم، وكوفيةً مهترئة يرتديها خامنئي في لقاءاته الرسمية بينما جنوده يقطعون رقابَ المسلمين في العراق بسيف شمر بن ذي الجوشن، وكَاباً عسكرياً يَعتَمِرُه قاسم سليماني وهو يستبيح حلب بجيش عبيد الله بن زياد!!
عارٌ على من يتحدثون باسم (شرف الأمة) ويجعلون القدس بوصلتهم أن يتحولوا إلى أحذيةٍ غليظةٍ لإيران تخوض بها مستنقعات الدم وتِلال الجثث..
عارٌ عليهم أن يُصبحوا أدوات مكياج تُزين وجه إيران القبيح..
عارٌ عليهم أن يرفعوا صور هؤلاء القتلة في انطلاقتهم الثلاثين لأن إيران رمت إليهم حفنةَ دولارات، أو حقيبة دولارات، أو حاوية دولارات.. ما تكسبه إيران منكم- في الوقت الذي تقتل فيه المسلمين- أضعاف ما تكسبونه منها.. ولا والله ما كسبتم سوى الخزي حين تحول بعضُ قادتكم من (ثوار أنفاق) إلى (تجار أنفاق)!!
أو كلما حُوصر مقاتلٌ سَلَّم؟! أو كلما ضُيِّقَ على مجاهد سقط؟!.. ارفعوا صور هرتزل وشامير ونتنياهو إذن.. فوالله إن هؤلاء لا يختلفون عن أولئك في شيء؛ بل إن أولئك أشد خطراً من هؤلاء!!
عذرناكم حين تناولتم من الميتة اضطراراً لبلوغ الغاية؛ أما وقد صارت الميتة هي الغاية فلا.. عذرناكم حين انحنيتم قليلاً للعاصفة؛ أما وقد سجدتم لها سجوداً فلا.. عذرناكم حين تعللتم بالحصار والمقاطعة والتضييق، وكُنا أشد على محاصريكم منكم..
ما مدحناهم يوماً، ولا رفعنا صورهم يوماً، ولا آمنا بهم يوماً.. وحين وجدنا فرصةً للثورة عليهم ثُرنا.. قَدَّمنَا ما نستطيع، وبعضُنا قَدَّمَ فوقَ ما يستطيع.. لم تكونوا وحدكم أبداً.. كنتم قطرةَ الشرف التي تسري في عروقنا، وكنا نستمد القوة من صمود الياسين والرنتيسي وريان وأضرابهم.. فلما جَدَّ الجِدُّ بنا وحوصرنا أشد من حصاركم، وقُتلنا أبشع من قتلكم، وشُرِّدنا أكثر من تشريدكم.. مجدتم قَتَلَتَنا، ومدحتم منتهكي أعراضنا، وزينتم وجوه مغتصبي أرضنا!!
الآن اكتشفتم أن السياسةَ فَنُّ الممكن؟!
الآن اكتشفتم أن أهون الشرين خير؟!
ما عَدا مما بَدا؟!!
لا والله ما لعبتم سياسةً أبداً؛ بل لُعِبَ بكم حين ارتضيتم دخولَ صندوق النظام العالمي، وحُشرتم في الزاوية شيئاً فشيئاً؛ فلا أنتم احتفظتم بوجهكم الذي أحبكم الناس من أجله، ولا القناع الذي تقنعتموه خَدَعَ ناصبَ الفخ وصاحبَ الصندوق..
(كُلُّنا يا صاحبي يبدو له
أنهُ أذكى خِداعاً وهو يُخْدَع)
وقد كنتم تختارون قديماً خيرَ الخيرين وأهدى الطريقين؛ فلما طال عليكم الأمدُ في الحُكم استطبتم دِعتَه، واستحليتم عَسِيلَتَه، وتقلبتم في نعمائه؛ فصرتم تختارون في كل منعطفٍ ضاغطٍ أوقعتم أنفسَكم فيه- شَرَّ الشَّرين وأَضَلَّ الطريقين خشيةَ زوال النعمة، وإنها والله لزائلة.. وليتكم جعلتم هذه النعمة مشاعاً لأهلنا في غزة ولم تحتجنوها دونهم..
إذن والله لرضينا برضا إخواننا ونعمنا بنعمائهم وسعدنا لسعادتهم.
هناك طريقٌ ثالث.. دائماً هناك طريق ثالث..
لن يحصركَ عَدُوُّكَ بين طريقين إلا إذا حصرتَ نفسك بينهما أو رأى منك استعداداً لحصر نفسك..
وقد سرتم في الطريق الثالث أيام الياسين وعياش، ولو عُدتم له وتركتم مساكنَ الذين ظلموا أنفسهم ومخصصاتهم ونعمائهم ما سقطتم أمام أنفسكم وأمام الناس.. ولكن هيهات هيهات.. لانت الجلود وكَلَّت الأيدي واستخذت النفوس.. وعسى الله أن يُبقي سُكَّانَ أنفاقِكم على عهد عياش بعد أن بَدَّل بعضُ سُكَّانِ أبراجِكم عَهدَ الياسين!!
***
أيها المسلمون..
أنتم لم تُهزموا بَعد.. لأنكم لم تُوجَدوا بَعد..
أولُ الوجودِ الدولة، ولا دولة لنا.. فلا يخدعنكم المرجفون بالهزيمة، ولا يُيئِسنكم المثبطون عن العمل.. ما أصابكم اليوم أصابَ غيرَكم بالأمس، وما انتصروا اليوم إلا لِعَمَلِهِم بالأمس، ولن تنتصروا غداً إلا إذا عَمِلتُم اليوم.
الشيعة لم ينتصروا عليكم.. اليهود لم ينتصروا عليكم.. النصارى لم ينتصروا عليكم.. لقد انتصر هؤلاء على خيال المآتة..
انتصروا على عَدوٍّ مختَرعٍ ومزيفٍ وغبي..
انتصروا على صنائعهم التي صنعوها لينتصروا عليها..
انتصروا على عبيدهم الذين لم يطلقوا طلقةً على أسيادهم من أجلكم، بل أطلقوا عليكم من أجل أسيادهم.. إن ما تفعلونه اليوم- حتى دون وجود الخيط الناظم- لعظيمٌ عظيم.. إنها إرهاصات الدولة فلا يعوقنكم الشتات عن التجمع.. إنها تجارب متراكمة فلا تصدنكم الكبوة عن العودة.. إنها أثمان النجاح فلا تُقعدنكم العثرةُ عن النهضة!!
بضعة آلاف من المجاهدين الحقيقيين مَرَّغوا وجهَ إيران ومَنْ وراء إيران في التراب.. وما ساعد إيرانَ في النصر الموهوم عليهم إلا أنظمةُ السُنَّة المختَرعة ومِنْ ورائها العالمُ كله!!
إن الذين فتحوا الموصل بالدم وخرجوا منها بالدم قمينون أن يعودوا إليها بالدم.. بيد أن اتكاء فتاةٍ على فتىً أمام جِداريةٍ في حلب مكتوب عليها (راجعين يا هوى) لن يُعيد مفحصَ قطاةٍ من حلب!!
الدولةَ الدولة.. لا وجود لنا ما لم يكن لنا دولة.. ليَكن هَمُّنا فيها وحُلمُنا بها وعَمَلُنا لها.. الذين خرجوا من التيه لم يدخلوا الأرضَ المقدسةَ إلا بيوشع بن نون.. والذين طال عليهم الأمدُ في الذُل لم يهزموا العماليق إلا بطالوتَ مَلِكَا.. والذي قَتل جالوتَ آتاه اللهُ المُلكَ والحِكمة.. سيفٌ وكتاب: هذا حِمْلُ يوشع.. مُلكٌ وحِكمة: هذا عطاء داود.. بسطةٌ في العلم والجسم: هذه فضيلةُ طالوت!!
لا تيأسوا.. لقد أنهكتموهم وأنهكوكم.. وعندهم ما يخسرون وليس عندكم ما تخافون خسارته.. كُشفت الأسرار وسقطت الأستار وتداعت الأسوار.. لم يعد عند القوم ما يتجملون به، وانسلختم أنتم من أوهام نفوسكم فرأيتم الحقيقة.. أيامكم مقبلة وأيامهم مدبرة.. ومَن ظَنَّ أن هذا الظلام سيطول أمدُه فقد أساء فهم الواقع وجَهِلَ سُنَنَ الله وعَمِي عن فقه التاريخ!!
أنتم والله على مرمى حجر من الدولة.. لقد اقترب موعدها وحانت ساعتُها وأظَلَّكم زمنُها.. دونها أهوالٌ علينا وعليهم؛ ندفعُ بها ثمنَ استخذائنا الماضي، ويدفعونَ بها ثمن جرائمهم الماضية والحاضرة.. احرصوا فقط على أن تكون دولةً لا إرجاءَ فيها ولا غلو.. لا دعوة فيها بلا سيف ولا سيف فيها بلا دعوة.. لا نفاق فيها للناس بدعوى الحاضنة الشعبية ولا استطالةَ فيها عليهم بدعوى الجهاد..
لا تنازل فيها عن أصول العقيدة من أجل وهم التوافق ولا تمزيق فيها لشمل المسلمين بدعوى النقاء العَقَدي.. لا إقصاءَ فيها لصاحبِ تفكير ولا منصبَ فيها لمجنونِ تكفير..
لا قَتلَ فيها بالظِّنَّة ولا عَفو فيها عن مُجرمٍ بالمِنَّة.. جنودها حُدثاءُ الأسنان عقلاء الأحلام أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم.. إمِامُهُم أَمَامَهُم، وعُلماؤُهم حُكماؤُهم، وَسَادَتُهُم خُدَّامُهُم..
لا يُحَجِّرون واسعاً ولا يُميِّعون مَانِعَاً.. يقتلون من استحق القتل من أهل الأوثان ويعفون ما وسِعَهم العفو عن المخطئين من أهل الإسلام!!
إذا فَهِمتُم ما سَبق.. فأنتم على الطريق..
تستطيعون أن تبدؤوا الآن وأنتم الأعلون والله معكم ولن يَتِرَكُم أعمالكم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق