لقد رأينا في هذه الحرب من طوفان المشاهد في كل اتجاه، طوفان الإجرام والتوحش والظلم، وطوفان الدم والألم والمرارة، وطوفان الخزي والعار والخذلان والذلة وطوفان العزة والمقاومة والبسالة والتحدي! ولكل قوم طوفانهم! ويوم القيامة يرى كل واحد منهم طوفانه على نوعين فحسب: طوفان من الحسنات أو طوفان من السيئات!
طوفان الضعف والخزي، وكيف يمكن أن نتخلص منه!
وفي هذه السطور أريد أن أتحدث عن الطوفان الذي يشملنا نحن، وهو طوفان الضعف والخزي، وكيف يمكن أن نتخلص منه!
من المؤسف أن كثيراً من الناس يستسلمون لهذا العجز، ولا يفكرون في أن يرفعوه عن أنفسهم، ويحسبون أنهم إذا عجزوا فقد برئوا من المسؤولية.. فإلى هؤلاء نتكلم!
ولكي يكون الكلام لكل العاجزين، فسننحدر بالكلام وننحط به حتى يشمل الجميع: المؤمنين والكافرين، الذين ينتظرون اليوم الآخر والذين يحبون الحياة الدنيا، الذين يسعون إلى رضا الله والذين لا يفكرون إلا في مستقبلهم ومستقبل أولادهم.
دعونا نفكر بعيداً عن الإسلام والأخلاق والإنسانية، بل ودعونا نترك أهل غزة للموت دون أن تطرف لنا عين، دعونا نفكر في أنفسنا فقط فلنفكر فقط كحيوانات تريد أن تعيش حياتها في رفاهية وأمن.. المفاجأة هنا، أنه حتى بهذا المنطق وحده:
يجب أن نفعل كل ما نستطيع لغزة!
1- يجب أن نفعل كل ما نستطيع لغزة لأننا نكتشف الآن أن غزة تصد عنا وحشا بشريا دموياً فظيعاً للغاية هو (إسرائيل)، وهذا الوحش لا يتورع ولا يتردد – كما نرى في الصور والمقاطع المرئية – من تقطيع الأطفال وتحويلهم إلى أشلاء، وعن هدم المستشفيات، وعن تعرية الشيوخ في الساحات وشحنهم في السيارات عرايا تحت ظل البرد والصقيع … إلخ!
ولقد قال وزير دفاعهم دون أدنى شعور بالعار بأنه يعد هؤلاء الناس: «حيوانات بشرية»، وخرج بعض أحبارهم يتلو علينا من كتابهم (المقدس) عبارات تسمح لجنودهم بإبادة الجميع: النساء والأطفال والرضع وحتى الحيوانات، وأفتى لهم بعض الحاخامات بجواز اغتصاب البنات والنساء للترفيه عن جنودهم.
وبالتالي، وأرجوك تذكر أننا ما زلنا نفكر كحيوانات تريد أن تعيش حياتها الدنيا، وبغض النظر عن أي دين أو أخلاق أو إنسانية.. بالتالي، فنحن الفريسة التالية التي تنتظر أن يأتيها الإسرائيليون، ليرتكبوا فينا نفس ما يفعلونه الآن.. إن هذا الوحش العنيف يجب أن نفعل كل ما نقدر عليه لكي يتوقف وينكسر وينهزم في غزة!
2- ثم يجب أن نفعل كل ما نستطيع لغزة، لأن هذا الوحش الإسرائيلي مدعوم بوحوش أخرى أكبر وأقوى وأكثر شناعة وفظاعة: أمريكا وأوروبا، فبعدما عشنا زماناً طويلاً نسمع أحاديث حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحقوق النساء وحقوق الأطفال واحترام سيادة الدول والخوف من المقاتلين الأجانب ومن الجهاد العالمي… إلى آخر هذا الطابور الطويل! إذا بكل هذا يتبخر الآن، وتقف كل هذه المؤسسات عملياً إلى جانب الوحش الإسرائيلي، من أول مجلس الأمن المرهون بـ (فيتو) واحد، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي التي تزيل الحسابات والصفحات من أجل منشور واحد لا يوافق ما تسميه معاييرها.. لا بل على العكس، لقد تدفقت الأسلحة والمساعدات والخبرات على إسرائيل، وجاءها المتطوعون من يهود ومن غيرهم لكي يقاتلوا معها، فاتضح أن لديهم جهاداً عالمياً ومقاتلين عابرين الحدود، ولكنه على هواهم.
ونحن – لمرة أخرى، وكحيوانات تحب أن تعيش في أمن ورفاهية – من مصلحتنا أن ينكسر الوحش الإسرائيلي، وأن تنكسر مساعدات الوحوش الكبرى، لأن انتصارهم في غزة سيعني توسعهم في أراضينا وبلادنا..
ونحن جيل قريب العهد بالاحتلال الأجنبي: الإنجليزي والفرنسي والأمريكي والروسي، فمن لم يدركه بنفسه كما في العراق وسوريا وأفغانستان، فقد أدركه أبوه وجده في سائر بلادنا العربية.. وبالتأكيد، فلكي نحفظ أنفسنا ونحفظ أبناءنا فيجب ألا نسمح بانكسار غزة.
3- ثم يجب أن نفعل كل ما نستطيع لغزة، لأن هذا الوحش الإسرائيلي، وهذه الوحوش الداعمة له، تعتمد اعتماداً أساسياً ورئيسياً ومفصلياً على وحوش أخرى لا تقل قسوة ولا شراسة ولا تلمظاً..
تلك هي الأنظمة العربية الحاكمة التي تقوم بدورها في تكبيل الشعوب وتقييدهم، وتقوم بدورها في حصار غزة وتركها في مجاعة ومذبحة.. لقد رأينا في هذه الأحداث أنهم يمتلكون قلوباً قاسية وغليظة وصخرية، قلوباً لا تتحرك البتة، قلوباً قد نزعت منها الرحمة والشفقة وكل ما يميز البشر، ولم يبق فيها إلا الوحشية الدموية.. إنها أنظمة تتفرج مستمتعة على ما يجري، بل تريد أن ينتهي الأمر بسرعة، وما لم تنطق به ألسنتهم الرسمية يتسرب إلينا عبر ألسنتهم الإعلامية، وعبر التصريحات التي ينقلها الأجانب عنهم في صحافتهم وإعلامهم.
اليوم غزة وغدا نحن
إن هذا كله يعني بوضوح أنه إذا سقطت غزة، أو حتى إذا لم تسقط غزة، فبعيداً عن غزة كلها، وبعيداً عن أي حساب للدين والأخلاق والإنسانية، هذا يعني أننا أيضاً تحت حكم هذه الوحوش المفترسة التي لا تسكنها أية ذرة من الرحمة أو الشفقة!
نحن إذن، وعملياً، في براثن الذئاب والضباع التي لا إشكال لديها أبداً في افتراسنا وتقطيعنا وتجويعنا وتعطيشنا إذا رأوا أن هذا في مصلحتهم!
إنه مستقبل أسود مظلم كالح لا بد أن تهرب منه!
وإن المشاهد التي نراها في غزة، سنراها غداً في أنفسنا أو في أبنائنا وأحفادنا، ولكن كانت غزة تقاوم، وتستطيع أن تصيب من الصهاينة، فإن الشعوب المقيدة المكبلة التي لا ترى في هذه الأنظمة عدواً ستكون أسهل في افتراسها، وستكون أعجز عن المقاومة من غزة وأهل غزة.
وإذن.. فلا بد أن تكون لنا القدرة على المقاومة.. لا بد أن تتخلص من هذا العجز.. لا بد أن نفعل شيئاً ندفع به عنا ذلك المصير الشنيع الذي ينتظرنا إذا سقطت غزة لا سمح الله !
الطريق إلى الخروج من حالة العجز والضعف
خلاصة ما يسفر عنه البحث والتفكير في رفع هذا العجز ثلاثة أمور كبرى، وكل واحدة منها صعب وثقيل وعظيم التكلفة، بنفس صعوبة وثقل وفداحة النكبة التي نحن فيها فعلاً، وداخل كل أمر من هذه الثلاثة تفاصيل لا يمكن أن يحيط بها مقال ولا كتاب، وهي متروكة لكل قارئ ينظر فيها ليرى ماذا يستطيع أن يفعل.
هذه الأمور الثلاثة أو لنقل: هذه العقد الثلاثة هي: عقدة الأفكار، وعقدة السلاح، وعقدة الأموال.
أولا: عقدة الأفكار
لا بد أن نتخلص من كل فكرة تقيدنا وتكبلنا..
إذا كانت هذه الوحوش لا تقدس شيئاً ولا تحترم شيئاً وتخترق بنفسها القوانين التي كتبتها والدساتير التي ألفتها.. فلماذا نحترم نحن هذه القوانين وهذه الدساتير؟!
نحن إذا كنا مسلمين فسنعرف أنه لا طاعة إلا في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الله.. هذه قاعدة قاطعة في ديننا، فلا شيء عندنا – نحن المسلمين – يسمو فوق القرآن والسنة، وكل قانون أو دستور أو تشريع يحل حراماً أو يحرم حلالاً فهو باطل، من واجبنا أن نعصيه ما استطعنا، وأن نقاومه ما استطعنا، وأن نغيره ما استطعنا.
فحتى لو صدر الباطل عن حاكم عادل فلا طاعة له، فكيف إذا صدر عن حاكم جائر أو حاكم خائن!
لابن تيمية عبارة ذهبية يقول فيها: “الحاكم العدل يطاع إلا فيما علم أنه معصية، وأما غير العدل فلا يطاع إلا فيما علم أنه طاعة”… فلو كان المسلمون يحكمهم من لا يتوثقون من عدله ويتشككون فيه، فإنهم يطيعونه إذا أمرهم بطاعة، كأن يأمرهم بالصلاة أو بالجهاد! وأما إذا أمرهم بشيء لا يعرفون ما إن كان من الطاعة أو من المعصية، فالأصل أنهم يعصونه لتشككهم في عدالته.
وهؤلاء الذين يحكموننا ويكبلوننا الآن، أقل وصف يصدق فيهم هو وصف الجائر.. فما منهم واحد عادل… ولو أردنا الحق، فبميزان الإسلام، ما منهم أحد إلا وقد ظهر منه الكفر البواح لا شك في ذلك.
هذا إذا كنا مسلمين نلتزم الإسلام، فإما إذا لم نكن مسلمين وفضلنا أن نكون كافرين وعلمانيين وماديين.. فأما إن كانت كل غايتنا المحافظة على سلامة حياتنا الحيوانية الجسدية المادية.. فهؤلاء الحكام أنفسهم قد ارتكبوا الخيانة الواضحة الصريحة، وقد اقترفوا كل ما هو ضد مصالحنا، وقد ظهر منهم ما يدل على شرهم وتوحشهم، وأنهم لا يترددون في حق الشعوب كما يسحقون الحشرات.. لا رحمة ولا شفقة ولا تردد!
يجب التخلص من كل الأفكار السامة التي تسري في جسد الأمة، تلك التي تجعل من هؤلاء أولياء أمور تجب طاعتهم بعدما ظهرت خيانتهم، وتجعل من مؤسساتهم التي أنشؤوها لتكبييل الناس مؤسسات وطنية يجب احترامها والمحافظة عليها.. هل يمكن أن يتحرر سجين من سجنه، وهو يحترم مدير السجن ويلزم قوانين السجن؟؟
ثانيا: حق التسلح
حق التسلح من حقوق الإنسان الفطرية الطبيعية، لم يفكر الإنسان في أي لحظة أن يتخلى عما يدافع به عن نفسه إلا حين ابتلينا بالنكبة التي تسمى «الدولة»، حيث تحتكر الدولة «القوة» فتصير الدولة صورة كبيرة من مزرعة الدجاج .. أسراب من الدجاج الأعزل، يحبسها ويذبحها جزار واحد، لأنه يملك القوة والسكين!
فلو أن هذه الدولة كانت دولة وطنية ترعى مصالح شعبها، وتوفر له الأمن والرفاهية، ويشعر في ظلها بالحماية من العدو المحتل.. لو كانت الدولة كذلك، لكان النقاش في تسلح الشعوب محل نظر! أما وقد ثبت بالوقائع والدلائل أنها دولة جبارة علينا خوارة على عدونا، فالأمر لا يحتمل التفكير ولا النظر!
وهؤلاء الأمريكان والإسرائيليون أنفسهم، جيوش قوية مدججة، وشعوب مسلحة أيضاً.. لم يستطع الديمقراطيون بعد الجهد أن ينزعوا من شعبهم حق التسلح، وأما الإسرائيليون فهم يحبذون أن يتدرب شعبهم على المزيد من التسلح، واستعمال المزيد من الأسلحة!
يجب أن تسعى شعوبنا إلى حق التسلح. التسلح هو الأمر الوحيد الذي سيجعلنا نستطيع المقاومة، حتى لو هزمنا في النهاية فسنهزم في ساحة القتال لا تحت يد من يتفننون في التعذيب والتقطيع والتجويع وانتهاك الأعراض! ويمكن أيضاً أن ننتصر! أو قد نصل إلى صيغة لا غالب ولا مغلوب فنحسن وضعنا في الحياة!
لما احتكرت السلطة السلاح صارت البلطجي الأكبر! صارت المسلح الذي يذبح ما يشاء من الناس، لا قانون ولا قضاء ولا صحافة إلا بالقدر الذي يسمح به، أو بالقدر الذي يحقق له مصالحه. ونحن أمة تتعب الآن من عد مذابحها التي لم يحاسب فيها أحد!
السلطة في بلادنا ليست إلا عصابة مسلحة، عصابة الملك التي تجعل إجرامها قانوناً ودستوراً، تضع عليه لافتات: مصلحة الوطن والأمن القومي وحماية الشعب… إلخ هذه الترهات والخرافات!
ثالثا: عقدة الأموال
وكما يجب أن تنكسر هذه الهيمنة الكاملة لهذه الأنظمة على الأسلحة، يجب أن تنكسر هيمنتها على الأموال أيضاً.
يجب أن نحتفظ بأموالنا بين أيدينا، ذهباً أو نقوداً أو أصولاً.. لقد سحبوا منا الذهب والفضة وأعطونا بدلاً منها أوراقاً يصدرونها في مطابعهم، جعلوا لها – بسلاحهم – قوة الأموال، ثم صارت قيمة الأموال تتناقص (يسمونها للتلطيف والخداع: التضخم) لأنهم بفسادهم نهبوا البلاد والأموال ولم يحسنوا استثمار مواردها، وأمتنا هي أغنى بلاد الله في هذه الأرض: مياه ونفط ومعادن وثروات مكنوزة وأراضي خصبة وبحار غنية وموقع ممتاز يتحكم في طرق التجارة والمواصلات.. ليس في هذا العالم أمة مثل أمتنا في قدراتها الاقتصادية.
ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد، فجعلوا الأموال أرقاماً في بطاقة ممغنطة، كي لا يتكلفوا الطباعة إذا أعطوا، ولا يتكلفوا البحث إذا أخذوا ونهبوا.. ثم الآن يجعلونها في أكواد مشفرة، كي يضغطوا زراً إذا أعطونا أموالنا، ويضغطوا زراً إذا أرادوا سحبها، ويشاهدون حركة كل قرش بين أيدينا، فإذا غضبوا على أحد منعوه حتى الطعام والشراب، ولم يستطع أحد أن يغيثه بكسرة خبز أو بشربة ماء (فكل هذا مراقب!)
كلما سحبنا أموالنا من بنوك هذه الأنظمة استطعنا أن نفعل بها ما نريد أو ما نقدر عليه.. حتى لو سنعيش حياتنا على المقايضة بالسلع والخدمات.. فهذا أحسن من أن تكون ثرواتنا في يدهم، يضيعونها في ملذاتهم أو في خياناتهم أو يصادرونها بجرة قلم أو بضغطة زر!
بمنطق الإسلام، يجب أن نثور على هذه الأوضاع وأن نقاتل عن إخواننا قبل أن نقاتل عن أنفسنا، وأن ندافع عن مسرى نبينا قبل أن ندافع عن أبنائنا!
وبمنطق الكفر والحياة الرخيصة يجب أيضاً أن نثور على هذه الأوضاع وأن ننتزع حياتنا الطبيعية كما يعيش الناس، وساعتها سنرى أن غزة تمثل تجربة حية أمامنا، وساعتها ستوجب مصلحتنا الرخيصة علينا أن نسارع في إنقاذ غزة لأنها حصن إذا انهار فسيزداد توحش هذه الوحوش الغبية والجائعة!
المقاومة ليست أمراً سهلاً.. ولكن لا حياة دونها!
والذي يقاوم ينتصر أو يستشهد أو حتى ينهزم وقد أدى ما عليه أمام الله ثم أمام أبنائه وأمام التاريخ، والله يوفيه أجره يوم القيامة.. وأما الذي يذل ويخضع ويستكين، فسيدفع من تكاليف الذل أكثر مما حاول أن يتجنبه من تكاليف المقاومة! وسيرى نفسه وأبناءه بعده يفعل بهم ما يكره دون أن يملك لهم شيئاً ! ثم يأتيه الموت ويبعث يوم القيامة ليرى أنه قد خسر خسراناً مبيناً!
المصدر
مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، محمد إلهامي (رئيس التحرير).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق