الأحد، 6 أبريل 2025

إضاءات قرآنية منهجية حضارية سياسية

  إضاءات قرآنية منهجية حضارية سياسية

كلام الله منهج عقلي قلبي سلوكي يضبط السير على الصراط المستقيم.. 

الشورى نموذجا.

مضر أبو الهيجاء 

إن أمر الله سبحانه وتعالى لعبده ورسوله بالشورى مع رفاق دربه من الصحابة الذين يشكلون جزءا من نسيج العمل الدعوي والجهادي والسياسي،

هو أمر عظيم وحكيم له دلالات عديدة، وهي لا تتوقف عند جانب أخلاقي سلوكي إداري تقليدي فلكلوري،

كما تمارسه قيادات العمل الإسلامي المعاصرة – إلا من رحم الله-.

إن إشكالية بنية العقل الإسلامي المعاصر تتضح بشكل كبير في جانب التفكير، الأمر الذي تترجمه بشكل واضح خيارات الحرب والسلم كما الهدم والبناء،

وبالجملة فإن المشاريع والمواقف السياسية تتكشف عن حجم الاهتراء في العقل الإسلامي وخطابه المعاصر.

وإذا تتبعنا أمر الله سبحانه وتعالى في أمره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالشورى، فلابد أن نطرح سؤالين هما:
السؤال الأول:
ما هي القيمة العلمية المادية والعملية لشورى النبي -المتصل بالوحي- لأصحابه وشركائه في المسار والمشروع؟


السؤال الثاني:
ما هي الدلالة المنهجية الحضارية التي تشير إليها مفردة وسلوك الشورى عند المعلم الأول خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم؟


جواب السؤال الأول:
إن القيمة العلمية المادية العملية -وليست المعنوية- التي يقدمها رفاق وشركاء وصحابه النبي صلى الله عليه وسلم،

هي في الجانب العلمي والعملي المتصل بواقع الزمان ووقائع المكان،

وكل ما يتصل بموازنات الظروف الموضوعية والقوى المحلية والمحيطة والمؤثرة،

والتي تتدخل بنسبة 100٪ بقرارات النبي القائد، لاسيما في السلم والحرب والمعاهدات وعموم العمران.
جواب السؤال الثاني:
إن الدلالة الأعمق في أمر الله بالشورى لنبيه الذي يوحى إليه، تكمن في صياغة العقل الإسلامي السليم والسلوك الشرعي المسؤول والقويم،

والذي يجمع بين عالمي الغيب والشهادة،

حيث لم يستغن نبي الله -القائد الذي يوحى إليه- بالوحي المتصل بعالم الغيوب عن واجب النظر والتدبر والتفكر واستنطاق العقول في كل ما يتعلق بعالم الشهادة.
(ثنائية الحق ترسم القوامة وتبني الحضارة)

لم يبرع المسلمون في بناء الصرح الحضاري الإنساني العظيم، ولم يصبحوا رواده وقادته وموجهيه، نتيجة امتلاكهم لحقائق الغيب وما يتصل بالآخرة فحسب،

بل لأنهم تعاملوا مع الحق بثنائية منهجية رسمها الوحي الإلهي، فكما منح الله سبحانه وتعالى قيمة كاملة لحقائق عالم الغيب،

وجعل وسيلتها جبريل عليه السلام والذي يتنزل بالوحي على النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم،

فقد أعطى الله قيمة كاملة غير منقوصة لحقائق عالم الشهادة،

وجعل وسيلتها البصر والسمع والنظر والتفكر والتدبر الذي يجتمع كله متجسدا في آلية الشورى،

وذلك في قضايا الشأن العام والعمران.

إن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اكتملت بالوحي، ولكن تجربة النبي القائد -الذي يوحى إليه-

لم تكتمل ولم تهتدي إلى تحقيق الثمرات وإحراز النتائج إلا بعدما زاوجت بين حقائق عالمي الغيب وحقائق عالم الشهادة المتصلة والزمان والمكان،

والتي حققها وجسدها سلوك شورى النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع الصحابة،

والذي تدخل في صياغة المواقف بناء وهدما، وأخذا وردا، وسلما وحربا.

ومن المهم الإشارة إليه في هذا السياق، أن حقائق عالم الغيب ثابتة، كما أن سنن الله في الأرض ثابتة،

ولكن حقائق عالم الشهادة متغيرة ومتبدلة ومتطورة، الأمر الذي لا يمكن الإحاطة به والبناء عليه،

إلا عند من تناوله بالشورى التي تجمع بين أبصار وأفهام عقلاء القوم وشركاء الدعوة والهم،

منطلقين من حقائق المكان وظروف الزمان، دون انفصال عن الوحي وأحكامه ومضمون الهدى والسوية والاستقامة.
الخطاب الإسلامي المعاصر
إن الناظر اليوم في الخطاب الإسلامي المعاصر -لاسيما في النازلة الغزية ومعركة الطوفان-
يعاين فيه انفصالا نكدا في التعامل مع حقائق عالمي الغيب والشهادة،حيث تضطرب العقول ولا تبني مقاربات سليمة، بل كثيرا ما تستحضر القيادات وتزاحم بحقائق عالم الغيب حقائق عالم الشهادة،
وما ذلك إلا تعبير عن خطاب مغشوش يطمس الحقائق ويضعف البصر وينفي البصيرة، نتيجة اهتراء العقول
وعدم اقتدائها بسيرة ونهج المعلم الأول النبي محمد صلى الله عليه وسلم!

وبكلمة يمكن القول إن عموم الحركات والجماعات والخطابات الإسلامية قد اقتدت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في تعامله مع حقائق عالم الغيب،

ولكنها فارقته وخالفته في شكل تعامله مع حقائق عالم الشهادة، الأمر الذي ضيع جهود وتضحيات المخلصين، فلم تحرز النتائج،
بل أصبحت من تيه مناهجها وضعف عقولها وفساد مقارباتها تستعذب الصبر في السجون، ولا تسعى مسرعة لإيقاف أنهار الدماء البريئة!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق