الثلاثاء، 8 أبريل 2025

ثورة الأمريكيين ضد ترامب

 ثورة الأمريكيين ضد ترامب

عامر عبد المنعم

كان متوقعا تصاعد الاحتجاجات في الولايات المتحدة ضد ترامب، ولكن ليس بهذه السرعة؛ فالرئيس الأمريكي الذي لم يكمل شهره الثالث منذ تنصيبه ودخوله البيت الأبيض أشعل الحرائق في الداخل والخارج، وثبت أن شعار “جعل أمريكا عظيمة” الذي كان يرفعه في حملته الانتخابية مجرد كلام خيالي، لا تدعمه القرارات العشوائية التي أثارت الغضب لدى الشعب الأمريكي، وانزعاج الحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء.

خرج الأمريكيون في أكثر من 1200 مدينة في الولايات الخمسين يوم السبت الخامس من إبريل/نيسان يطالبون ترامب ومساعده إيلون ماسك بالابتعاد والرحيل، وعبروا عن رفضهم لسياسات الإدارة الجديدة، واتهموا ترامب بالفاشية وتفكيك الولايات المتحدة والسعي لبناء ديكتاتورية استبدادية والانقلاب على الدستور الأمريكي.

أيضا شارك الأمريكيون بالخارج في تظاهرات متزامنة في لندن وباريس وبرلين ولشبونة، ورفعوا اللافتات ورددوا الشعارات التي تتهم ترامب بشن حرب على الوكالات الأمريكية وتسريح الموظفين الفيدراليين، وإشعال الحروب التجارية مع دول العالم بقرارات الرسوم الجمركية، التي تسببت في خسائر ضخمة في البورصة وتهدد الصناعة التي تعتمد على الاستيراد.

ينظم الاحتجاجات طيف واسع من الحركات السياسية والاجتماعية وأنصار البيئة والنقابات العمالية والاتحادات الطلابية ومناهضي الحرب على غزة، وقد لوحظ تراجع أعضاء الحزب الديمقراطي خطوات للوراء رغم أن الحدث يصب لصالحهم، لكن يبدو أن اللوبي الصهيوني الذي يحكم السيطرة على الحزبين يخشى من الانفجار الشعبي، ولا يريد التشويش على ترامب الذي يقدم لنتنياهو كل المطلوب للقضاء على مقاومة غزة وتهجير الفلسطينيين.

تفكيك الحكومة الفيدرالية

منذ وصول ترامب للبيت الأبيض وهو يدير أمريكا وكأنها شركة خاصة، فوظف بجانبه مجموعة من الأثرياء وأصحاب الشركات العقارية، الذين يتعاملون مع السياسة بعقلية الباحث عن الربح والصفقات والنفع الشخصي، واستبعد الوكالات والموظفين الأمريكيين ذوي الخبرة في التخصصات المختلفة، واختار معاونين بلا تاريخ سياسي من اليمين الأمريكي المتطرف يسمعون له ويطيعون، ولهم مواقف عنصرية وعدوانية تجاه الأمريكيين من غير البيض.

كان واضحا أن ترامب يريد تفكيك الحكم الفيدرالي، والانتقام من الدولة العميقة التي يتهمها بأنها وقفت ضده، وكانت تحاربه طوال فترة بايدن، فأسس إدارة جديدة للكفاءة الحكومية برئاسة الملياردير الأمريكي الشهير إيلون ماسك لتفكيك مراكز القوى في واشنطن، وأعطى إيلون ماسك وموظفي شركاته سلطات واسعة، ومكنهم من الدخول الأمني على كل الوكالات والتفتيش على حساباتها.

كان أول قرار للإدارة الجديدة هو إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تخدم الهيمنة الأمريكية حول العالم وهي أهم أذرع القوة الناعمة، وبجانب دورها الاستخباري تفتح من خلال أموال المعونات الاقتصادية الأسواق الخارجية أمام المنتجات الأمريكية، وتشكل طوابير من المستوردين ورجال الأعمال المحليين الذين يخدمون السياسة الأمريكية.

منذ اليوم الأول أرسل إيلون ماسك رسائل للموظفين الفيدراليين بما فيها المخابرات المركزية والوكالات الأمنية يطالبهم بتقديم الاستقالة، وأوقف الإنفاق الحكومي في قطاعات واسعة، أبرزها التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وتم إغلاق مؤسسات وهيئات خدمية وتسريح عشرات الآلاف من كبار الموظفين وطردهم.

لجأ المفصولون من وظائفهم والنقابات المهنية والعمالية إلى القضاء فحصلوا على أحكام مؤقتة من المحاكم بوقف قرارات الفصل، ولكن ترامب كان كالقطار الأعمى لا يأبه بالقانون والدستور، وأصر على مواصلة تصفية الجهاز الحكومي، وتواطأ معه الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون رغم تغوله وانتزاع صلاحيات من صميم مهام المؤسسة التشريعية.

قرارات أغضبت الأمريكيين

ظهرت الاحتجاجات ضد ترامب قبل مجيئه وبسبب مواقفه السابقة، لكن في هذه الدورة اتسعت موجات الغضب مبكرا بسبب الأجندة التي يريد تنفيذها، فحرب ترامب على المهاجرين واعتقالهم وترحيلهم لبلادهم بأسلوب مهين، حيث يتم شحنهم في الطائرات مقيدين من الخلف بـ”الكلابشات” أثار قطاعات واسعة، وزاد الانزعاج مع إلغاء حق المواطنة بالمولد بالمخالفة للدستور الأمريكي.

اتسعت حركة الاحتجاج وسط الشباب الأمريكي مع حملة القبض على طلاب الجامعات الذين شاركوا في الاعتصامات ضد العدوان الإسرائيلي، وقد تحول الشاب الفلسطيني محمود خليل قائد اعتصام جامعة كولومبيا إلى أيقونة بعد القبض عليه واتخاذ إجراءات لترحيله رغم حصوله على الإقامة الدائمة وزواجه من مواطنة أمريكية، وتحولت قضيته إلى قضية رأي عام، شارك فيها أساتذة الجامعات وأعضاء في الكونغرس وتصدت لها المحاكم.

وزاد الغضب مع استئناف العدوان على غزة، وعدم التزام نتنياهو بصفقة وقف إطلاق النار؛ واستمرار الإبادة والتدمير بتحريض صريح من ترامب، الذي أعلن أنه يريد غزة بدون الفلسطينيين لإنشاء منتجعات وملاهي ومشروعات استثمارية!

الأمريكيون الذين لم يتعاطفوا مع غزة متأثرين بالدعاية الصهيونية شعروا بالصدمة من إعلان ترامب عن رغبته في الاستيلاء على جرينلاند ولو بالقوة، وضم كندا الدولة الحليفة والجارة لتكون الولاية الـ 51 وقراره بالسطو على قناة بنما، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ والانقلاب على الأوربيين في الناتو، والتخلي عن أوكرانيا، والضغط عليها لصالح بوتين، لإعطاء الأرض المحتلة للروس، والسطو على نصف ثروات أوكرانيا بغير وجه حق، فيما يعرف بصفقة المعادن!

لكن الضربة الكبرى التي قلبت الرأي العام الأمريكي على ترامب هي الرسوم الجمركية، فالضرر كان سريعا ومباشرا على المواطن الأمريكي، فمن أجل جمع إيرادات لا تزيد عن 800 مليار دولار في العام خسرت البورصات في يومين فقط ما يزيد عن 6 تريليونات دولار، وارتفعت أسعار السلع والمنتجات في الولايات المتحدة التي تعتمد على الاستيراد، وزاد التضخم.

لم يقتنع أحد بقرارات ترامب الاقتصادية ولم يستطع فريقه تبرير ما جرى، بل اختلف معه شريكه الصدوق إيلون ماسك، الذي خسر في البورصة 8% من قيمة أسهم شركاته، ومما يؤكد أن فريقه الاقتصادي غير كفؤ فرض رسوم جمركية على جزر “هيرد وماكدونالد” القريبة من القطب المتجمد الجنوبي وهي غير مأهولة تسكنها طيور البطريق!

ترامب يخطط للبقاء في السلطة بالقوة

لا يمكن إغفال دور دوائر النفوذ التي تضررت، وعصب الجهاز الحكومي الفيدرالي الذي تم تمزيقه في توظيف الغضب ضد ترامب، خاصة وأن الدولة العميقة تعي أن ترامب يخطط للبقاء في السلطة، وأنه لن يغادر بسهولة، وسيستخدم أساليب حكام العالم الثالث التي طالما دعموها وساندوها، ولا مانع لديه من استخدام الجيش للانقلاب بعد تغيير قياداته المحترفين بآخرين عنصريين تابعين.

لقد استخدم ترامب سلطات لم يستخدمها رئيس قبله؛ وهي الزعم بأن الولايات المتحدة تتعرض لغزو من المهاجرين وكأنهم جيش نظامي معاد، وأصدر أوامر للقيادة الشمالية الأمريكية (NORTHCOM) بتطوير خطط قتالية عملياتية لقمع “المهاجرين الغزاة” الذين يهددون الأمن القومي الأمريكي، ومنح السلطة العسكرية دون قيود جغرافية داخل الحدود الأمريكية.

وأصدر توجيها للاستخبارات العسكرية للتحضير لاستدعاء قانون التمرد وقانون الأعداء الأجانب، مما يمهد الطريق لإعلان الأحكام العرفية رسميا، وقد تسبب حادث الاصطدام الجوي بين طائرة ركاب تابعة لشركة أميركان إيرلاينز ومروحية بلاك هوك فوق واشنطن العاصمة، والتي راح ضحيتها 67 راكبا في فتح الجدل حول تكثيف استخدام المدنيين في إدارة ترامب للمروحيات العسكرية للتنقل بين المقار الحكومية وإدخال الجيش في المهام المدنية!

يبدو أن الفشل الذي يلاحق ترامب في كل الملفات سيعجل من خسارته للرأي العام الأمريكي الذي بدأ يتحرك لإزاحته، ولن يكون لديه الوقت الكافي لاستكمال خطط السيطرة التي يفكر فيها، فجمهوره من اليمين المتطرف الذي ظن أنه مبعوث العناية الالهية بدأ ينفض عنه بعد الخراب الذي يداهمهم، ولن ينفعه اللوبي الصهيوني الذي يسانده بكل قوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق