مسرحية رفح.. للعار فصول أخرى!
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة
على بوابة المعبر الذي يمنع المصريون من الوصول إليه ولو حبواً، وتفصلهم عنه مئات الكيلومترات وعشرات الأكمنة والمتاريس وآلاف القوى والدبابات ورجال الأمن، كأنّهم العدو لا ذلك الذي يقصف خلف الجدار، تجتمع حشود جُمعت من محافظات مصر عبر الحافلات، والحفلات، للوصول إلى ذلك المشهد "العفوي" أمام المعبر، حيث ينادون بحياة سيادة الرئيس، وضيفه ماكرون هذه المرّة، أو باسم أيّ ضيف، أو بلا ضيف، في أيّ يوم يقرّرون فيه ذلك، لتخرج اللقطة "التلقائية" النهائية، برفض المصريين لمخطّط التهجير، الذي يستحوذ على الهالة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية للسلطة الحاكمة، بينما يبكي مخطّط الإبادة في الزاوية، لأنه، يا للمفاجأة، إذا نجح في الإبادة فلن يحتاج إلى التهجير، وبهكذا تكون انتصرت السياسة الراشدة للفيلسوف الحكيم، ومُحيت غزّة من على وجه الأرض!
المهم، أن ينتصر العقل الرزين، وتنهزم قوى الشر التي تريد التظاهر في قلب البلد وعلى حدودها، مظاهرات حقيقية، تنادي بأشياء مثل إدخال المساعدات معاذ الله، وغيرها من المطالبات السخيفة المتعلّقة بحياة الغزيين! لا سمح الله.
مشهدٌ ذليل سبق ذلك المشهد، بتجوّل الرئيس الفرنسي ماكرون في "خان الخليلي"، ونختلف بشأن "الخليلي" براحتنا، ولكنّنا نتفق بخصوص "خان"، ويتجوّل الرئيس الذي "عندهم بيضربوه بالشبشب" في شوارع القاهرة ولا تنقصه إلا حلّة نابليون، كأنه فاتح أو خليفة، وهو المتورّط بدعم بلاده عسكرياً لجيش الاحتلال الإسرائيلي في إبادة غزّة، وسط احتفاء مزيّف ووضيع، وليس في المشهد ما يسر، ولا في الصورة المكر ولا الخديعة ولا الدهاء الذي تتغنّى به اللجان، متهمان بالشراكة في إبادة غزّة يسيرون في "الخان"، ودماء أهل غزّة تعلن من "خانها"، وتغلي من الفوران وحدها، بلا أحد، ولا ضمادة، ولا طبيب، ولا شربة ماء.
إذا نجح في الإبادة فلن يحتاج إلى التهجير، وبهكذا تكون انتصرت السياسة الراشدة للفيلسوف الحكيم، ومُحيت غزّة من على وجه الأرض!
ليحشد سيادته، المغرور بعظمته، المفتون بحنكته، الجماهير العريضة للغاية، عريضة أكثر من اللازم، عند المعبر الذي لم يستخدمه استخدامه القانوني والإنساني والطبيعي والفطري والوطني منذ 550 يوماً، لينادوا بماذا؟ لا أعلم، لأنهم أنفسهم لا يعلمون، يحملون الصور المطبوعة جماعياً، والموزّعة جماعياً، ويهتفون، مجموعات من "القاع" الذي يستهوي القمّة وتستهويه، وبينهما علاقة سامة معقدة، مليئة بالفقر وبالزبد وبالقيح في مستنقع البلد، لكن يجمعهم الظرف على كلّ حال، ليس الظرف السياسي أقصد، وإنّما الظرف الأبيض الذي يحتوي على 400 جنيه، ثمن الطلعة و... ولتبقى "العاركة" منصوبة، وأهل غزّة يستغيثون، وفي الصورة "أهل مصر" يتظاهرون لأجلهم!
مشهد عبثي، أن يكون أخوك يحترق في البيت، وأنت معك المفتاح لإخراجه، لكنك بدلًا من ذلك تختار خياراً عجيباً، لا تفتح الباب، ليس ذلك وحسب، لا تلقي المياه، ليس ذلك أيضاً وحسب، لا ترسل المطافي، ولا تستدعي الإسعاف، وإنما تجمع حشداً من أولاد الشارع، وتنادي بصمود أخيك، وتطلب منه الصبر، وتؤكّد على رفض إبادته واحتراقه وموته، وتبرق بعينيك رفضاً لتهجيره، وخشية أن يستولي على غرفتك بعد أن تفتح له وهو ينزف وينصهر!
يا لوقاحة المشهد، يا لثقل العار، وكأن ما زال في شاشتنا متسع لعاراتٍ جديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق