الثلاثاء، 8 أبريل 2025

النفاق في ظل بريق السلطة!

 النفاق في ظل بريق السلطة!


في مجتمعاتنا المعاصرة باتت ظاهرة النفاق الاجتماعي واحدة مِن أخطر الآفات التي تعصف بالعلاقات الإنسانية وتُفسد القيم الأصيلة..
يتجلى هذا النفاق بوضوح عندما يتولى شخص ما منصبًا أو سُلطة فيجد حوله فجأة جيشًا مِن المنافقين الذين يلتفون حول بريق المنصب كالفراشات حول النور.. لا لأنهم يُقدِّرون الشخص أو يؤمنون بما يقدمه.. بل لأنهم يطمعون في فتات مِن المصالح أو يريدون رفعة زائفة في أعين الآخرين.. وما إن يغادر هذا المسؤول منصبه.. حتى يتساقط هؤلاء المنافقون كأوراق الخريف.. تاركين خلفهم فراغًا يعكس مدى سطحيتهم وانحطاط أخلاقهم.
عندما يتولى مسؤول منصبًا.. يتحول فجأة إلى نجم في سماء المجتمع.. حتى لو كان ما يكتبه أو يقوله لا يتجاوز السخافات والتفاهات.. نرى آلاف «اللايكات» تتدفق على منشوراته في مواقع التواصل الاجتماعي.. وتعليقات المديح تتراكم كأنها جوقة مزيفة لا تعرف سوى النغمة الواحدة.. لكن الحقيقة المرة تكمن في أنَّ هذا الاهتمام ليس صادقًا.. بل هو انعكاس لجشع النفوس وانحدار القيم.. المنافقون لا يرون في المسؤول إنسانًا.. بل أداة لتحقيق أهدافهم.. سواء كانت مادية كوظيفة أو منفعة.. أو معنوية كالتباهي بمعرفتهم بـ«فلان المسؤول»..
هذا السلوك ليس مجرد تصرف عابر.. بل دليل على أزمة أخلاقية عميقة تعصف بمجتمعاتنا.
كيف وصلنا إلى هذا الحد مِن التدهور الأخلاقي؟ كانت القيم يومًا ما هي المحرك الأساسي للعلاقات بين الناس: الصدق.. الوفاء.. الاحترام المتبادل.. أما اليوم فقد أصبحت المصلحة الشخصية هي البوصلة التي توجه سلوك الكثيرين.
المنافقون الذين يتزلفون للمسؤولين ليسوا مجرد أفراد ضعفاء.. بل هم مرآة تعكس حالة مجتمع فقد الكثير مِن تماسكه الأخلاقي.. إنهم يُمثِّلون تلك الفئة التي لا تتورع عن بيع مبادئها مقابل حفنة من المكاسب الزائلة.. ولا تتردد في التخلي عن كرامتها لمجرد أن تكون قريبة مِن دائرة السلطة.
هذا الانحطاط ليس وليد اللحظة.. بل نتيجة تراكمات طويلة من التغاضي عن القيم وتغليب الماديات على الأصول والأخلاق.. لقد أصبح النجاح في أعين الكثيرين مرادفًا للوصول إلى السلطة أو الثروة.. بغض النظر عن الوسائل.. ومن هنا تحوَّل النفاق إلى مهارة يتقنها البعض.. بل ويتباهون بها.. دون أن يشعروا بأدنى خجل أو ندم.
المنافقون هم السم الذي يسري في عروق المجتمع.. يُفسدون العلاقات ويزرعون الشك والرياء.. إنهم أولئك الذين يظهرون الولاء والتقدير والحُب بينما قلوبهم خاوية مِن أي صدق.. يتقرّبون مِن المسؤول ما دام في يده سلطة أو نفوذ.. لكنهم لا يترددون في التخلي عنه بمجرد أن يفقد بريقه.. هؤلاء لا يستحقون الاحترام.. بل الازدراء والتحقير.. لأنهم يمثلون أسوأ ما في الطباع البشرية: الجشع.. الخداع.. وفقدان الكرامة.
المنافقون يبيعون ضمائرهم رخيصة.. إنهم كالظلال التي تتلاشى مع غروب الشمس.. لا وزن لهم ولا قيمة. إنَّ المنافق لا يخدع إلا نفسه في النهاية.. فالناس - وإن تأخروا في الاكتشاف - يدركون حقيقته.. ويبقى وحيدًا محتقرًا بعد أن كان محاطًا بأصوات التشجيع.
إنَّ معالجة هذه الظاهرة الخطيرة ليست بالأمر السهل..لكنها تبدأ من إعادة ترسيخ القيم الأصيلة في نفوس الأفراد.. يجب أن نعلم أبناءنا أن النجاح الحقيقي ليس في المناصب أو النفوذ أو التزلف للمسئولين بل في حب الله ورسوله والصدق والكرامة والعمل الجاد. يجب أن نحارب النفاق بكل الوسائل.. سواء بالتوعية أو بفضح هؤلاء الذين يتاجرون بضمائرهم.. وعلى المسؤولين أنفسهم أن يكونوا قدوة.. فلا يشجعوا المنافقين أو يمنحوهم فرصة للظهور.. بل يعتمدوا على من يقدمون الكفاءة والصدق.
إنَّ المجتمع الذي يسمح للنفاق أن ينخر فيه هو مجتمع يحفر قبره بيده.. فلنقاوم هذه الآفة ولنعيد للأخلاق مكانتها حتى لا نصبح جميعًا ضحايا لبريق المناصب وزيف المنافقين.
(الصورة لمحجوب عبد الدايم رمز النفاق والسعي خلف السُّلطة)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق