الأونروا.. بين خطيئة "إعادة التوطين" وترسيخ فكرة "حق العودة"
فمنذ عام 1984، لعبت الأونروا دورا أساسيا في إيواء وتعليم وتشغيل ومعالجة هؤلاء اللاجئين في 60 مخيما تديرها بدول المنطقة، حتى تحولت مع طول أمد الصراع إلى وطن بديل لكثيرين منهم.
بيد أن مساعي إسرائيل لاجتثاث وجود الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية وفي مقدمتها "حق العودة"، دفعتها لاستهداف هذا الملاذ الآمن الذي ترى فيه على ما يبدو آخر حصون هذه القضية.
ولفهم قصة الأونروا، لا بد من العودة بالتاريخ كثيرا للوراء، فقد عانت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية صعوبة كبيرة في السيطرة على فلسطين التي كان أصحابها الأصليون يمثلون أكثر من 90% سكانها.
ومع استمرار نقل اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية، وصل عدد القادمين الجدد إلى نحو 30% من السكان تقريبا، وفق فيلم "الأونروا.. 75 عاما من المؤقت الدائم"، الذي أنتجته قناة الجزيرة.
وهكذا، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 القرار رقم 181 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية على 56% من مساحة الأرض وأخرى للعرب على 42% وإبقاء القدس تحت إدارة دولية.
بداية التطهير العرقي
وبين نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ومايو/أيار 1984 (تاريخ إعلان قيام إسرائيل)، جرت أولى مراحل التطهير العرقي للفلسطينيين، كما يقول المؤرخ اليهودي إيلان باييه.
فقد احتل اليهود الأرض التي قررتها الأمم المتحدة لدولة فلسطين، وطردوا 750 ألف فلسطيني فيما عرف بالنكبة، وهؤلاء هم من ستتولى الأونروا رعايتهم ورعاية أبنائهم وأحفادهم لاحقا.
في بداية الأمر، فتحت الكنائس والمساجد والأديرة والمدارس والمستشفيات أبوابها أمام الهاربين من فلسطين، الذين حملوا مفاتيح بيوتهم معهم لأنهم كانوا يعتقدون أنهم سيعودون إليها خلال أيام، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.
واستقر 39% من هؤلاء اللاجئين في الضفة الغربية و26% بقطاع غزة، في حين استقبلت كل من سوريا ولبنان 10% و14% منهم على التوالي، وذهب 10% إلى شرق الأردن و1% إلى العراق.
ومع ضغط الدول العربية، تبنت الأمم المتحدة القرار 194 بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 1948، والقاضي بعودة الفلسطينيين إلى أرضهم وتعويض من لا يرغب منهم في العودة.
وفي ظل تجلي حقيقة أن المشكلة لن تحل خلال أسبوعين -كما ظن البعض- أو عام حتى، برزت فكرة إنشاء وكالة أممية لرعاية شؤون مئات آلاف اللاجئين الذين شردتهم إسرائيل.
تأسيس الأونروا
ومع تكريس قرار وقف الهدنة سنة 1949، انتصار إسرائيل على العرب، بدأت الدول المستقبلة للاجئين والمجتمع الدولي البحث عن حلول لهذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وأصر الصليب الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة كويكرز، على قرارات قاطعة لا تغذي وهم العودة السريعة لدى اللاجئين، فتأسست الأونروا في ديسمبر/كانون الأول 1949، كحل مؤقت لا يزال مستمرا حتى اليوم، كما يقول الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى جلال الحسيني.
وبعيدا عن الجدل الدائر بشأن دوافع تأسيس الأونروا، فإنها كانت مفيدة لكافة الأطراف حيث نظرت إسرائيل لها كوكيل سيقدم الخدمات للفلسطينيين نيابة عنها حتى ينسوا فكرة العودة لأرضهم، كما يقول الحسيني.
لكن عدم قدرة الوكالة حاليا على إدارة شؤون اللاجئين في الدول التي يقيمون فيها يعكس ما تصفها مديرة الأبحاث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العملي ستيفاني عبد الله، بالخطيئة الكبرى للوكالة والمتمثلة في إعادة توطين اللاجئين بدلا من تمكينهم من العودة لبلادهم كما يريدون.
وقد ركزت الأونروا -حسب عبد الله- على قطاع التعليم بين الخمسينيات والستينيات أملا في تأهيل كوادر بشرية يمكنها الهجرة إلى دول الخليج والاستقرار بها، بعدما فشلت فكرة إعادة التوطين.
وعبر الوكالة، تمكن أطفال اللاجئين من الحصول على تعليم مجاني لم يحظ به أي مجتمع عربي، حتى خرجت من المخيمات نخبة استثنائية، حسب السفير الفلسطيني السابق لدى منظمة اليونسكو، إلياس صنبر.
حرب السرديات
ومع استلهام منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) التجربة الفيتنامية وتأسيس بنيتها العسكرية داخل المخيمات، بدأت إسرائيل تنظر لهذه المخيمات كتهديد وخصوصا تلك الموجودة في الدول المجاورة، وفق باييه.
ومن هنا، روجت إسرائيل -كما يقول باييه- لسردية أن مدارس الأونروا تعاديها، وترسخ فكرة العودة بين الفلسطينيين بحديثها عن أن الحركة الصهيونية كانت حلا لمشكلة أوروبية على حساب الفلسطينيين.
فحرب السرديات مقدمة على غيرها من الحروب في هذا الصراع، وفي حين تريد إسرائيل من الأونروا ترسيخ سرديتها، يقول صنبر إن الفلسطينيين لن يتبنوا رواية غير روايتهم حتى لو حصل السلام.
أما عينات ويلف، عضوة الكنيست السابقة والمؤلفة المشاركة في كتاب "حرب العودة"، فتقول إن الهوية الفلسطينية التي تشكلت داخل مدارس الأونروا، "جمعت بين أسوأ ما في العرب والمسلمين والعالم، وأنتجت منظمات إرهابية تعمل باسم حق العودة".
ومن هنا، تقول ويلف إن الفلسطينيين هم المسؤولون عن الحرب لأن الأونروا علمتهم أن اليهود شعب يجب ألا يحظى بالسيادة، وجعلتهم يرفضون الاندماج في الدول العربية حتى ينهوا وجود إسرائيل.
وبسبب هذا الخلاف في النظرة، يعتقد باييه أن إسرائيل تحاول تدمير الأونروا كجزء من خطة محو فلسطين لأنها تذكر العالم بحق الفلسطينيين في العودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق