الأحد، 30 نوفمبر 2025

“يزيد بن أبي حبيب”.. ابن السودان الذي أدخل الفِقه إلى مصر

 “يزيد بن أبي حبيب”.. ابن السودان الذي أدخل الفِقه إلى مصر

التابعيُّ الذي رَوَى عنه البخاري ومسلم 162 حديثا نبويًّا

   يسري الخطيب   

التابعيّ الفقيه الحُجّة.. مفتي مصر

 وعالمها الأول

– عندما كانت مصر تشهد ميلاد الفجر الإسلامي على أرضها، بزغ نجم يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي؛ ابن السودان، وتابعيّ مصر الأول، ومفتيها الأكبر، وأستاذ أئمتها من بعده.

– فيه تجسَّدت مصرُ وهي تتفتّح على الإسلام، تتلمّس خطاها الأولى نحو الفقه والعلم والتدوين، وكان يزيد بن أبي حبيب مشعلها الأول، ولسانها في مسائل الحلال والحرام، وميزانها في الفتيا والقضاء.

– تخرَّج على يديه الإمام الليث بن سعد، فكان أستاذَ من صار إمامًا، وأصلَ مدرسةٍ أضاءت للأجيال طريق الفِقه والعقل والاجتهاد.

– جمعَ يزيد بين حكمة المؤرّخ ودقة الفقيه وروح المحدّث، يروي عن الصحابة، ويكتب عن الفتوح..

يعلّم الناس أحكام دينهم، ويقصّ عليهم ما كان من أمر بلادهم منذ الفتح إلى زمانه. لم يكن ابن عصره فحسب، بل كان جسرًا يصل بين جيل النبوّة وأجيال الفكر والفقه والتدوين.

– وهكذا خلدَ التاريخ اسمَ يزيد بن أبي حبيب؛ ذلك السودانيُّ الأصل، المصريُّ الدار، الإسلاميُّ الفكر والهوى، ليبقى شاهدًا على أن الأنساب تذوب حين يسطع نور العلم، وأن العظمة في الإسلام تُقاس بما تركه المرء من فكرٍ ونورٍ وهدايةٍ في الناس.

الإمام الفقيه، يزيد بن أبي حبيب، الذي رفعَ اللهُ ذِكره كما رفع عِلمه، فكان أول من أضاء مصباح الفقه في أرض الكنانة، ومنارةً لا تنطفئ على امتداد الزمان.

ابن دُنْقُلا السودانية

(وُلدَ يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي في خلافة معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) بمدينة الفسطاط سنة 53هـ / 673م، وأصله من (دنقلا) ببلاد السودان، وكان أبوه: سويد بن أبي حبيب من الرقيق المملوكين للنوبة، فوصل إلى ديار مصر ضمن تبادل النوبة والمسلمين للسلع، وكانت النوبة من الأمم كثيرة الغزو، فكثر رقيقهم واشتهروا بكثرة الرقيق لديهم، وكانت الهدنة بين النوبة والمسلمين تنص على أن يؤمن المسلمون طريق تجارة النوبة، وكذلك يفعل النوبة للمسلمين.)

– ذكر ثقات المؤرخين أن والده كان أسيرا في حملة “عبد الله بن سعد بن أبي السرح” على النوبة عام 13هـ، واعتنق الإسلام في مصر وتزوج، وكان له أبناء منهم يزيد.

– كان يزيد يفخر كثيرًا بانتمائه إلى دنقلا بالسودان، ويقول: (أبي من أهل دُنْقُلا”)

أستاذ الليث بن سعد

التابعي الفقيه يزيد بن أبي حبيب كان أستاذا للإمام الليث بن سعد، الإمام المجتهد، الذي كان في درجة الأئمة المجتهدين: الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وابن حنبل، وسفيان، وغيرهم، ونقلَ ابن حجر العسقلاني عن الشافعي، قوله: (الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به)، أي لم يدوّنوا مذهبه.

ولذا فترتيب الأستاذ يأتي قبل التلميذ، ويزيد قبل الليث، فهو أول فقيه ومؤرّخ في تاريخ مصر.

أول مَن أدخل الفقه إلى مصر

– قال الإمام الذهبي: “يزيد بن أبي حبيب، الإمام، الحُجّة، مفتي الديار المصرية، أبو رجاء الأزدي”.

– تلقَّى يزيد بن أبي حبيب العِلم على أيدي عدد من الصحابة، وعدد كبير من كبار أئمة التابعين بمصر، أمثال: عبد الله بن الحارث، خزيمة بن الحارث، وأبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وأبي الطفيل الليثي، وسعيد بن أبي هند، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح مولى ابن عباس، وعلي بن رباح، وعراك بن مالك، وعمرو بن شعيب، ونافع مولى ابن عمر، وأبي وهب الجيشاني، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وأسلم أبي عمران التجيبي، والحارث بن يعقوب، وسويد بن قيس، وعبد الرحمن بن شماسة، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، ولهيعة بن عقبة والد عبد الله، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والهيثم بن شفي،

– قال أبو سعيد بن يونس: “كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان حليما، عاقلا، وكان أول من أظهر العِلم بمصر، والكلام في الحلال والحرام، ومسائل الفِقه، وكانوا قبل ذلك يتحدثون بالفتن والملاحم، والترغيب في الخير”.

– قال عنه الإمام الليث بن سعد: يزيد بن أبي حبيب سيدنا عالمنا.

– قال الكندي: يزيد أول من نشر العِلم بمصر في الحلال والحرام ومسائل الفقه، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدثون في الفتن والترغيب، واختاره الخليفة الزاهد “عمر بن عبد العزيز” مسؤولا عن الفِقه، ومفتيا لمصر

– قال الصفدي: “يزيد بن أبي حبيب الفقيه وشيخ تلك الناحية (يقصد مصر)

– وفي خِطط المقريزي: (وممن اشتهر بالعلم فـي مصر يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي، وكان مفتيا لأهل مصر، وأبوه من “دنقلا”. وقد أخذ العلم عن بعض الصحابة المقيمين بمصر.)

– كانت البيعة إذا جاءت لخليفة؛ فأول من يبايع في مصر؛ يزيد بن حبيب، ثم الناس

– ويعدّ يزيد من أشهر الرواة وأكثرهم رواية، وتزخر برواياته كُتُب السّنّة، حيث نقلت عنه “الستة الصحاح” البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة، والترمذي، وأبو داود، وروى 162 حديثا.

إمام المدرسة التاريخية بمصر

مع عِلم يزيد بن أبي حبيب بالفقه والحديث، إلا أنه كان إمام مدرسة مصر التاريخية، فقد كان عالما بالتاريخ وبالفتن والحروب وما يتعلق بفتح مصر وشؤونها وولاتها، وهو أحد الأركان الذين نقل عنهم الكندي كتابه “ولاة مصر وقضاتها”، وابن عبد الحكم في فتوح مصر والمغرب.

مسجد يزيد بن أبي حبيب

عثرت فرقة علمية من جامعة إفريقيا العالمية السودانية بمنطقة ناوة في شمال السودان، على مسجد أثري بمدينة دنقلا، مكتوب على جدرانه: “بسم الله، اللهم اغفر، محمد، يزيد، حبيب”مما يعني أن يزيد بن أبي حبيب ربما حضر إلى هذه المنطقة، أو شهد بناء هذا المسجد. وبما أن يزيد قد عاش في الفترة من “35 – 128هـ”، فإن حضوره إلى هذه المنطقة يكون في نهاية القرن الهجري الأول، أو مطلع القرن الثاني الهجري، ويكون هذا المسجد من أقدم المساجد في السودان، بل في إفريقيا قاطبة.

وفاته:

تُوفيَ يزيد بن أبي حبيب، سنة 128هـ/ 745م، وقد بلغ من العمر 75 عاما،

دُفِنَ في الفسطاط (القاهرة القديمة حاليًّا)، وهي العاصمة التي أنشأها عمرو بن العاص بعد الفتح الإسلامي لمصر.

– كان قبره معروفًا في المنطقة القديمة من الفسطاط، وكان يُزار في العصور الأولى تقديرًا لعلمه، وزهده، وشهرته الواسعة…

ولا يُعرَف الآن مكان قبره، بسبب تغيّر معالم المدينة القديمة عبر القرون

اللهم اغفر له، وارحمه، واجْزِهِ خيرا عن الإسلام والمسلمين.

________________

المصدر:

(موسوعة: شموسٌ خلفَ غيومِ التأريخ – يسري الخطيب)

– مصادر ومراجع الموسوعة:

1- (فتوح مصر والمغرب)

ابن عبد الحكم

2- (سير أعلام النبلاء)

الذهبي

3- (الوافي بالوفيات)

الصفدي

4- (الأعلام)

الزركلي

5- (موقع قصة الإسلام) د. راغب السرجاني

6- أبحاث جامعية سودانية

———————————-

يسري الخطيب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق