الخميس، 27 نوفمبر 2025

لدي حلم، ولكن!

 لدي حلم، ولكن!

د. عبد الرحمن بشير

داعية ومفكر إسلامي، من جيبوتي


١- أحلم أن أعيش في وطن لا ظلم فيه، وأن أكون مواطنا لا يخاف من أحد، وأن أقول كلمة الحق لأجل الحق آمرا بالمعروف، وناهيا عن المنكر كما أراه، وأن أكون عضوا في أي جماعة أحبها، أو أن أنتسب إلي حزب أختاره، وأن أمارس حياتي الخاصة والعامة وفق قناعاتي، فهل هذا الحلم غير مشروع؟

٢- أحلم أن يكون لي دار وأهل وأولاد، وأن أعيش معهم في سعادة، فيذهبون إلي المدارس وهم لا يخافون من سطوة الحاكم، ومن غش المعلم، ومن خيانة الجار، فيكون لي بذلك سعادة الحياة الأسرية، فهل هذا غير مشروع؟

٣- أحلم أن أعيش لفكرتي، وأن أنشرها سلميا بين الناس، وأن أستمع إلي الآخرين، وأستفيد منهم، فلا أحمل سلاحا ضد أخي في الدين، أو أخي في الوطن، فاللغة التي تسود بيننا تكون المنافسة الشريفة، وليست المنافسة الخسيسة، فهل هذا غير مشروع؟

٤- أحلم أن أرفع صوتي بلا خوف، وأن أظهر فكرتي بلا حجب، وأن أرفض ما لا أريده، وأن أقبل ما أراه صحيحا، فلا سيف يرفع فوق رقبتي، ولا خوف من محكمة صورية تسجن العلماء والمفكرين  والسياسيين وغيرهم من الأحرار، بل السجن هو مكان المجرمين، وليس محلا للعلماء والمفكرين والمناضلين السياسيين، فهل هذا غير مشروع؟

٥- أحلم أن أعيش في وسط أشعر فيه الراحة النفسية، والتطور الفكري، والحماية الأمنية، وفيه أطوّر ذاتي بشكل مستمر، وأتبادل مع غيري التجارب والمنافع، وهل في هذا ما يتناقض مع الدستور والقانون؟

٦- أحلم أن أكتب بلا خوف، وأن أؤلّف مسرحيات بلا حذر، وأن أخطب بصوت عال بلا أوامر صادرة من وزارة الداخلية، أو من توجيهات دقيقة من وزارة الأوقاف، فالضمير الإسلامي وحده هو المراقب، والشعب المسلم أيضا هو الذي يكون الحكم في معرفة الخطاب المزيف عن الخطاب الحقيقي، فهل هذا يخالف القانون؟

٧- أحلم أن أسافر متي أشاء؟ وإلي أين أشاء؟ ومع من أشاء؟ وأحلم أن أقرأ ما أشاء؟، ولمن أشاء؟ ومتي أشاء؟ ومع من أشاء؟ وأحلم أن أحلم حين أشاء، وأحلم أن أَجِد ما أشاء، فعالم بلا حلم غابة بلا حياة، وحياة بلا حلم هي حياة ليس بها حياة، فهل هذا الحلم غير مشروع؟

٨- أحلم أن أعيش في وطن بلا سجون، وفي بلد بلا معتقلات، وفي بيئة بلا جواسيس، وفي وسط بلا أحقاد، وأحلم أن أنافس، ولكني لا أحلم أن أقتل المبدع حسدا لأنه سبقني، وأحلم أن أقبّل رأس المفكر الذي يعلمني، ولكني لا أحلم أن أعيش لإبعاد المفكر والعالم، فهل هذا الحلم جنون؟

٩- أحلم كتابة قصة حياتي وأنا أشرب القهوة في منزلي، وفي وطني، وعند أهلي، ووسط أحبابي، وأحلم أن أزور قبور العظماء عند أهلي، فأجلس لحظة عند قبر الشيخ عثمان وعيس رحمه الله، فأسأله كيف سبق غيره في جمعه بين الوطنية والتدين، وبين الدين والسياسة، وأجلس عند قبر المناضل السيد أحمد ديني رحمه الله، وأسأله، كيف فهم الدين والسياسة معا؟ وكيف أتقن اللغات بشكل سلس؟ وأحلم أن أزور قبر السيد حسن چوليد رحمه الله، فأسأله، ما الذي جري مؤخرا في زمن حكمه؟ ولماذا؟ وكيف؟ وأحلم أن أزور قبر عيلابي، وأسأله لماذا مات فجأة؟ ما السر في ذلك؟ وأجلس مع السيد علي عارف وأسأله كيف كانت التحولات في زمن سيادته؟ فهل هذا الحلم من التاريخ؟ أم سيكون من المستقبل؟

١٠- أحلم أن لا أعود إلي التاريخ مرة أخري، فلا أكرّر ذاتي في العمل مع الجمعيات تحت الاستبداد، فلا فائدة من وجود مجتمع مدني بغياب الحريات، وأحلم أن لا أكون عضوا في عمل إسلامي لا يحمل شارة وطنية، فالوطن قبل كل شيئ، ولكن بدون تقديس له، فقد انتهي زمن الأيديولوجيات البراقة، والأفكار البعيدة عن الواقع، فهل هذا الحلم مخيف؟

١١- أحلم أن أنام بدون خوف، وأستيقظ بدون خوف كذلك، فالأمن النفسي مقدم علي الأمن الغذائي، ولكن الأمن الغذائي مؤثر علي الأمن النفسي، فالناس في بلاد الخوف لا ينامون، وفي بلاد الاستبداد لا يتنعمون بالنوم، ولكنهم ينامون بلا ضجر في بلاد الكرامة الإنسانية، ويتنعمون بالنوم في بلاد الحرية، فهل هذا الحلم ممنوع شرعا؟

١٢- أحلم أن أقرّر نوعية التدين الذي أقتنع به، فقد أرتبط بحركة صوفية معاصرة  كالتبليغ مثلا، أو حركة فكرية سياسية كالإسلام السياسي، أو حركة عقدية  كالسلفيين، أو حركة تقليدية كالصوفية القديمة، أو أن لا أرتبط إن شئت، فأبقي حرا بلا انتماء، ولكني سأبقي مرتبطا بديني بلا تعصب، وأفهمه بلا تشدد ولا ترخص، وأقوم بتطبيقه في الواقع بلا تنطّع ولا غلوّ فهل هذا الحلم ممنوع عقلا، أو شرعا، أو قانونا؟

١٣- أحلم أن أفتح المذياع حين أريد، وأستمع منه ما أريد، وأحلم أن أستمتع بالصوت الجميل، والغناء الحميد، وأحلم أن أستمع إلي الأخبار من أية وسيلة إعلامية أريدها، فأنا سيد قراري، ولا أحد يقرر ماذا أستمع؟ وماذا لا أستمع؟ قد آخذ الخبر من وسيلة العدو إذا كان الخبر  صحيحا وموثوقا، وقد أرفض الخبر من وسيلة إعلامية وطنية، لأن الخبر غير صحيح، لا يهمني من قال الخبر؟ ولكن يهمني ما قال؟ هل هذا الحلم غير واقعي؟

١٤- أحلم أن يكون الحاكم في بلدي خادما لا مخدوما، وشخصا طبيعيا، وليس شخصا مقدّسا، وإنسانا مختارا، لا حاكما متغلبا، ومواطنا يرحل من الحكم بدون مظاهرات، ولا مسيرات، بل ولا انقلابات ضده، فيعيش كالناس بين الناس بلا خوف، ويتحدث عن تاريخه بلا خجل، ويعترف أخطاءه لأنه بشر، ويتحدث الناس عن إنجازاته، لأنه حكم وترك، فهل هذا الحلم تافها؟

١٥- أحلم أن أضحك فرحا وسرورا، لأن الضحك صار غريبا عند غالبية المتدينين،، وأحلم أن أبكي حزنا وخوفا، لأن البكاء أصبح ضعفا لدي غالبية الرجال الذين يحسبون البكاء حالات أنثوية فقط،  وأحلم أيضا أن أتحدث عن تجربتي في العشق والحب، لأن الحب صار أنذر من الماس في حياة الناس، وأحلم أن أزور فبر والدتي بعد أن فقدت النوم  مرة أخري في حضنها، لأن ذلك أصبح ممنوعا عني بحكم الطغاة، ووشاية الضعفاء، وأحلم أن أزور قبر أختي التي توفيت في غيابي رحمة بشير الإنسانة، وأحلم أن أزور قبر أخي محمود علمي ريالة، المناضل العبقري الجيبوتي، فهل هذا الحلم الإنساني في لحظات الحياة التي فقدت البراءة غير مشروع؟

١٦ – أحلم أن أعيش بين الناس، ولكن ليس كالناس، وأحلم أن أعيش في بيئة غير طاردة، أقول رأيي وأمشي، وأحلم أن أري أولادي وأحفادي وهم يلعبون، ويتعلمون، ويتزوجون، ويحكمون، ويعيشون بدون خوف، ولا يتحولون إلي مشاريع وقتية للحاكم وعائلته، وأحلم أن أري في وطني مراكز للبحوث والدراسات، ومكتبات ذات وزن، وأزورها بشكل يومي، وأجلس فيها قارئا وباحثا، وأحلم أن أعيش في منطقة القرن الأفريقي كلها، وقد زالت الحدود والسدود، ويتحرك فيها الناس بلا خوف من الخرطوم حتي مقديشو، ومنها حتي مصوّع في إريتريا، وأحلم أن أري الجسر الحقيقي بين جيبوتي واليمن، وقد انتهت الحروب، ويتحرك الناس في هذه المنطقة بلا خوف، فيذهبون إلي بيت الله الحرام من خلال أسفار برية، وتنطلق التجارة من الخليج إلي القرن، ومن القرن إلي الخليج عبر بوابة جيبوتي واليمن، إنها أحلام اليوم، ولكنها قد تكون حقائق الغد، فالعيش وفق متطلبات الزمن المعاصر هو الغائب عن بلادنا.

الحلم هو البداية، والناس عندنا فقدوا الحلم، لأنهم يعيشون في زمن من يحلم يكون مجنونا، أو به سفه، فقبل كل مشروع  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق